حرمان تاريخي ينفجر في وجه الدولة اللبنانية
بعلبك- الهرمل منطقة تنام وتصحو على الترقب والحذر
الإعتداء على الجيش أحيا مخاوف اللبنانيين الحرب في لبنان بعيون مصورين صحافيين |
ركان الفقيه من بعلبك: تسود أجواء الترقب والقلق الأوساط السياسية والشعبية في منطقة بعلبك- الهرمل،بعد أيام عدة على اغتيال أربعة من جنود الجيش اللبناني وجرح الضابط المسؤول عنهم، إثر كمين نصبه لهم مجموعة من المسلحين على الطريق الدولية بين البقاع وبيروت، وتحديدًا مفترق بلدة تمنين التحتا القريبة من مدينة زحلة. واذا كانت الحادثة تأتي بعد سلسلة من الإجراءات والخطوات التي إتخذها الجيش اللبناني لملاحقة عصابات السرقة والاتجار بالمخدرات وإلقاء القبض على بعضهم ومقتل أحدهم من آل جعفر واتخاذ الكمين الذي تعرض له الجيش الطابع الثأري لمقتل جعفر وتردد معلومات عن مغادرة القتلة الاراضي اللبنانية لعدم عثور القوى الامنية على اي اثر لهم حتى الآن، فان القلق والتساؤلات تكبر يومًا بعد آخر، نظرًا إلى خطورة الكمين ومكانه وحجمه ومشاركة أفراد اخرين من المطلوبين لا ينتمون إلى آل جعفر، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول خلفيات استهداف الجيش اللبناني وتداعياته.
واذا ما كان هناك تقاطع مصالح بين أكثر من جهة في أضعاف الجيش عبر النيل من كرامته وهيبته،وبالتالي الحؤول دون قدرته على بسط سلطته على كافة الاراضي اللبنانية، وهو ما قد يشكل مصلحة لأكثر من جهة وعلى رأسها عصابات الإجرام والسرقة التي اتخذ بعضها من منطقة بعلبك- الهرمل ملجأ له منذ سنوات طويلة، بسبب حالة الفقر والحرمان التي تعيشها المنطقة وغض طرف من قبل قوى الامر الواقع التي فرضت سيطرتها الامنية على منطقة، بقيت خارج الاهتمام الحقيقي للدولة منذ عهد الاستقلال وحتى الان، حيث يكاد المشهد الصحراوي والجبال الجرداء والطريق المليئة بآلاف الحفر التي لا يفصل بينها المتر الواحد تقدم صورة معبرة عن المنطقة، باستثناء اضافة وحيدة إلى المشهد منذ أيام، تتمثل بالآليات والقوافل العسكرية التي تجوبها والحواجز الكثيفة المنتشرة في ارجائها ومحاصرة أكثر من منطقة يرجح ان المسلحين ينتمون إلى عائلاتها وعشائرها أو لجأوا اليها بعد تنفيذ الاعتداء على الجيش، خصوصًا حي الشراونة الذي يقع عند الطرف الشمالي لمدينة بعلبك، وبلدة دار الواسعة على بعد كيلومترات عدة غربها اللتين غادرهما العدد الاكبر من رجالهما، إما لأنهم مطلوبون للاجهزة الأمنية وإما تجنبًا للتوقيف بغية التحقيق معهم حول اماكن وجود المطلوبين.
وتبدو النسوة في حال من الغضب ورفض ما يحصل، وتعتبر زينب جعفر تحرك السلطات الأمنية عملاً غير مبرر، وتقول لـ quot;إيلافquot; :quot;اذا كان الجيش يريد القبض على المطلوبين فإنهم غادروا الحي ولا يحق للجيش أن يحاصرنا إلى درجة أننا لم نعد نتمكن من تأمين حاجاتنا الغذائية الضروريةquot; ويوضح أحد زعماء العشيرة أحمد جعفر:quot; اننا نسعى منذ زمن طويل للدخول الى الوطن وليس للخروج عنه. واذا كنا نستنكر ما تعرض له الجيش، علما ان من أقدم عليه هم قلة من الملاحقين بتهم مختلفة، فإن هذه المشكلة لم تكن لتحصل لو كان هناك سياسة انمائية حقيقية للدولة تضع حدًا للفقر والحرمان الذي ترزح تحت عبئه منطقتنا منذ عشرات السنينquot;. ويدعو جعفر الى معاقبة الفاعلين فقط دون تعميمها على ال جعفر كعشيرة وعائلة كبيرة.
ويتابع الجيش اللبناني لليوم السابع على التوالي حملته في المنطقة حيث يحاصر الاماكن التي يسكن فيها ابناء عشيرة ال جعفر والعديد من المناطق الاخرى ويكثف حواجزه عند مداخل القرى و البلدات، حيث تمكن من كشف مصنع للمخدرات وضبط كميات كبيرة منها وما يقارب الثلاثة عشر سيارة مسروقة والقاء القبض على عدد من الملاحقين يتجاوز التسعين مطلوبًا. وتدل الاجراءات والمداهمات والارتال العسكرية على ان المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة عنوانها الاساس فرض سلطة الدولة في منطقة عرفت تاريخيًا بالتهميش والحرمان، وتخلي الدولة عنها مما يدفع الى التساؤل اذا ما كان الباب الامني هو المدخل السليم لوضع حد للخروج على الدولة في منطقة تتجاوز نسبة اسرها التي تعيش تحت خط الفقر الثلاثين بالمئة وتفتقد للحد الادنى من مقومات العيش والبنية التحتية, فكيف اذا كان اقتصادها يقوم وبجانب أساسي منه على التهريب وزراعة المخدرات وانهيار القطاع الزراعي الذي كان يشكل الجزء الاخر من مصدر دخل السكان في المنطقة.
تتوالد الاسئلة كل يوم يمضي على تنفيذ الحملة الامنية للجيش اللبناني في منطقة بعلبك الهرمل. ويكاد يكون لسان حال كل فرد من أبنائها يسأل اذا ما كان سيتبع ذلك خطة انمائية حقيقية ترفع عبء الحرمان عن كاهلهم وتخرجهم من البقاء رهن سياسة الحكومات المتعاقبة التي كرست بتوجهها الانمائي المشوه, تهميش ما يسمى بالاطراف وعلى رأسها منطقة بعلبك- الهرمل.
وتبدو الاسئلة أكثر تعقيدًا اذا ما تبين أن فرض سلطة الدولة على المنطقة تحول دون تحقيقه العقبات السياسية والنفوذ الذي تتمتع به العصابات التي تتولى التهريب وسرقة السيارات وتجارة المخدرات، وتبين انها استطاعت معرفة اسم الضابط المسؤول عن الكمين الذي اطلق عناصره النار على سيارة المطلوب من آل جعفر الذي قتل وقريب آخر له ورصد حركة الضابط المستهدف نفسه بعد أن حملته وقائد اللواء التابع له مسؤولية مقتل أحد كبار رجالها، إثر تمكن الجيش من رصد ومحاصرة اجتماع موسع عقده أبرز اعضاء هذه العصابات التي تضم أفرادًا من العشائر الاساسية، الامر الذي يشكل لها بعضًا من الحماية والقوة التي لا يستهان بها.
ولا تتوقف العقبات عند هذا المستوى، بل تطال طبيعة الموقف الذي يتخذه quot;حزب الله، تجاه عملية حصار ومطاردة المطلوبين خصوصًا ان منطقة بعلبك- الهرمل تشكل خط الدفاع الاستراتيجي واللوجستي الاخير للحزب، مما يجعله كمن يلتقط العصا من الوسط, فهو ناهيك بعدم استعداده للدخول المباشر على خط المساعدة للقبض على المطلوبين لكونهم ينتمون الى عشائر وعائلات ذات ثقل، ما قد يتسبب له بالكثير من المتاعب السياسية والامنية اذا ما أقدم على هذه الخطوة، يظل معنيًا من جهة أخرى بتأمين نوع من الاستقرار الامني الذي لا يجعله مكشوفًا أمام بعض العمليات quot;المافياويةquot; التي يقدم عليها زعماء وأفراد العصابات الذين يستفيدون من هامش يوفره الوجود العسكري للحزب، ويجعل الجيش اللبناني محكومًا بالتنسيق معه لدى القيام بأي عملية أو خطة لالقاء القبض على المطلوبين.
يضاف إلى ذلك توجس لا بد ان يستمر لدى قيادة الحزب حول المآل الأخير للاوضاع السياسية والامنية في البلاد، خصوصًا في ما يتعلق بدور الجيش اللبناني الذي يبقى محكومًا بالمعادلة السياسية العامة التي يمكن ان تحددها التطورات الدولية والاقليمية المقبلة واستطرادًا في لبنان، مما يجعل الحزب في حالة رصد ويقظة دائمة لأي تعديل يمكن ان يطرأ على دور الجيش اللبناني, واذا ما كان ذلك يشكل تهديدًا لوجوده العسكري في أكثر من منطقة في لبنان ومنها منطقة بعلبك - - الهرمل وخصوصًا قبل التوصل إلى وضع استراتيجية دفاعية متوافق عليها من جميع اللبنانين.
التعليقات