راشد فايد: ماذا سيتبقى، بعد أسبوعين على الأكثر، من المشهد الصاخب الذي رافق إطلاق الضباط الاربعة من سجن رومية؟

الجواب يبنى على خطين: من جهة قوى quot;14آذارquot;، ومن الاخرى قوى quot;8آذارquot;. الأولى حددت موقفها بوضوح على لسان زعيم quot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري بأعلانه تأكيد الالتزام بقبول كل ما يصدر عن المحكمة الدولية، وان الإتهام لسوريا سياسي في الدرجة الاولى. تجنبت قوى quot;14آذارquot; تحويل اطلاق جنرالات عهد الوصاية الى مطل على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يجعلها موضع تجاذب سياسي داخلي بعدما تخطت بولادتها في مجلس الامن احتلال قوى quot;8 آذارquot; وسط بيروت وحصار السرايا الحكومية، ومحاولة تعطيل السياسة والاقتصاد والامن الاجتماعي في لبنان.

على الضفة الثانية من مشهد 29 نيسان/ أبريل اللبناني، تبدو قوى quot;8 آذارquot; مصممة على الآتي:
1 ndash; دفع المحكمة الدولية الى هاوية النقاش السياسي الداخلي.
2 - الاصرار على تسييس المحكمة الدولية،بنية وقرارا وأحكاماً.
3 _ تهشيم صورة القضاء اللبناني والقضاة اللبنانيين عموماً.
4 - إعادة خطاب التخوين السياسي.

كل ذلك، تمهيداً لتبرئة النظام السوري من سمعته (الواقعية) السابقة، بادعاء ان اتهام الضباط الاربعة كان غير مسند، وبالتالي فان كل ما قيل عن افعال نظام الوصاية استنتاج واتهام غير مسندين.

لكن عباءة quot;8 آذارquot; في هذه المرحلة لا تغطي سوى quot;حزب اللهquot;. فحليفه نبيه بري يتعامل بحذر مع اطلاق الضباط، فلا هلّل ولا شارك، نواباً وجمهوراً، في استقبال أي منهم، واكتفى بإيفاد وفد على مستوى قيادة منطقة بيروت في حركة quot;أملquot;، أي ليس من المكتب السياسي أو القيادة المركزية، لتهنئة المفرج عنهم. وإذا كان ثلاثة منهم على علاقة ود مع بري، فان رابعهم وهو اللواء جميل السيد لا يعرف عنه ود لا اعجاب برئيس مجلس النواب، ويتبادل واياه منذ كان نجم الاول عالياً في سماء عهد الوصاية، كل أنواع الطعن، تحت الطاولة وفوقها. ولم تمح سنوات التوقيف حذر الثاني من طموح الاول الى النيابة وصولا الى وراثته في رئاسة السلطة التشريعية التي احتكرها منذ 1996.

الحليف الاخر لـ quot;حزب اللهquot; وهو الجنرال (أيضاً) ميشال عون لا يجرؤ على الدفاع عن المسرحين من التوقيف. فهو دفع ثمن سلطتهم (وتحديداً الرابع حسب نص المقال وليس أي تراتب عسكري أو مهني)، نفياً واتهامات. كذلك دفع مناصروه في 7 آب/ أغسطس 2001 وقبله وبعده ضرباً وسجناً ودماً واهانة، ثمن تسلط نظام الوصاية على الحريات ، بدراية وخبرة الجنرال السيد.

لا يعني كل ذلك أن الحليفين، أو من يسميهما احد السياسيين المتبصرين بمعاوني السيد حسن نصر الله السياسيين الثاني والثالث (باعتبار حسين خليل هو رسمياً الاول)، لا يوافقانه على ما يستهدف من حملته على الدولة. فهو وإن وارى هدفه الحقيقي بمزاعم عن اصلاح النظام فان الاصابة التي يريد تحقيقها تظل واضحة للمتابع: اسقاط اتفاق الطائف.

تتعدد خطوط الوصول الى لحظة الحسم التي يأملها quot;حزب اللهquot; لكن مؤداها لا يمارى، وهو يكشف في حملته الشرسة على القضاء، انه انتقل الى مرحلة تدمير بنية الدولة من باب القضاء وهوالباب الاخطر لكنه ايضاً الاكثر عمومية، من حيث الانتماء الطائفي. الذي يؤمن حماية مواقع السلطة.

فعلى سبيل المثال لا يمكن في أي حال ان يتهجم quot;حزب اللهquot; على السلطة التنفيذية سواء رئاسة الجمهورية لأنها حصة الموارنة أو رئاسة مجلس الوزراء لأنها حصة السنة، خصوصاً بعد تجربة حصار السرايا الفاشلة عام 2008. أما رئاسة السلطة التشريعية فهي لحليفه بري.

ويعرف quot;حزب اللهquot; ان الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاماً لم تسقط كل الدولة لأن القضاء بقي في شكل أو آخر فاعلا، ولم يسقط هيكله كذلك خلال عهد الوصاية رغم اهترائه تحت ضربات التدخل وتحريف احكامه، وكان طوال الثلاثين سنة الفائتة عنواناً بارزا لوجود الدولة.

الهجمة على القضاء بهذه الشراسة ليست سوى استئناف لـ 7 أيار/ مايو في صيغة جديدة. فشلت الاولى في تقويض السلم الاهلي، واضطر الحزب الى قبول مكسب حد ادنى هو الثلث المعطل . اليوم يضع الحزب خطة بديلة اذا لم يتجدد، بعد الانتخابات، مبدأ التعطيل الذي اقر في مؤتمر الدوحة: البدء بخلخلة بنية الدولة، عبر تهشيم القضاء معنوياً ثم نقل الازمة الى الشارع، تحت حجة السؤال عمن يرد للضباط الاربعة الاساءة التي لحقت بهم وايام الحرية التي فقدوها خلال ثلاث سنوات ونيف؟

لكن الحزب لا يسأل نفسه، مثلا: من يرد الحياة الى 59 مواطناً قتلوا بسلاح المقاومة حين تحولت الى الداخل في 7 أيار 2008، وكادت تعيد الحرب الاهلية؟.

من دون انتظار الجواب لا بد من ملاحظة تجاهل الحزب المذكور لواقعة قانونية واضحة، وهي أن الضباط اوقفوا بطلب خطي من المحقق الدولي ديتليف ميليس، ووفق قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبنانية الذي كان الرئيس السابق أميل لحود، ونظام الوصاية ارغما مجلس النواب على اقراره، بعدما كان أقر نصاً آخر، لا يتيح ما اتاحه من حق للقضاء في توقيف المشتبه بهم في جرائم كاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مدة غير محدودة.

كذلك يتجاهل الحزب ان اطلاق الضباط تم وفق أصول المحاكمة التي اقرت قبل اشهر في اطار تنظيم عمل المحكمة الدولية . إذاً اوقف الأربعة بطلب دولي وفق القانون اللبناني وأطلق الاربعة وفق قانون المحكمة الدولية. والحالتان قانونيتان.
[email protected]