هيثم الخوند من بيروت: وليد جنبلاط الانسان والسياسي شخصية تكاد تكون باجماع اللبنانيين , والمهتمين ركنا رئيسا في تاريخ لبنان المعاصر، عرفت على مر سنوات الممارسة السياسية بقدرة رهيبة على التقاط الاشارات الدولية للبناء عليها. يتهمه بعضهم بين مرحلة وأخرى بالزئبقية السياسية التي تمنع التفاهم معه وحتى فهمه.
وبين الفكرتين يبقى quot;وليد بيك جنبلاطquot; كما يسميه محبوه وافراد طائفته الشخصية اللبنانية الاكثر اثارة للجدل. فهو في مرحلة من عمله السياسي حالف اليميني واليساري والقومي والعروبي والبعثي والاميركي وخاصمهم جميعا. استطاع اللعب على التناقضات المحلية والاقليمية ليخرج من وسط الازمات المتعاقبة منتصرا ابدا ورابحا اكيدا وضامنا لمصلحة حزبه وطائفته وquot;لبنانهquot;.
قبل اقل من شهر على الانتخابات النيابية المقبلة هل يكمل وليد جنبلاط مسيرة النجاح هذه، ام تعاكسه الرياح في الاستحقاق ويرفع راية هزيمة اولى؟
الاجابة تفترض العودة إلى وليد جنبلاط، سيرة وتاريخا ومواقف سياسية.
ولد في بلدة المختارة في قضاء السوف بتاريخ 7 آب/ اغسطس 1949. هو نجل الزعيم الوطني والمفكر كمال جنبلاط الذي اسس الحزب التفدمي لاشتراكي وترأسه حتى اغتياله عام 1977 على يد عناصر من المخابرات السورية ، بحسب تأكيدات وليد جنبلاط نفسه في أكثر من مناسبة لاحقة.
عاش وليد جنبلاط السنوات الـ27 الاولى من حياته بعيدا عن السياسة تماما، متمكنا من ثقافة غربية ومجيدا للغتين الفرنسية والانكليزية بشكل ممتاز.
اجتذبته quot;معمعةquot; السياسة غصبا عنه عام 1977 حين رشحه شيوخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان لخلافة والده خلال تشييعه، وألبس عباءة الزعامة لينطلق وبشكل مفاجئ للكثيرين في حياته السياسية، حليفا للسوريين، معللا ذلك بـquot;ضرورات المرحلة وظروف البلاد، و حرصاً منه على المصلحة الوطنية والقوميةquot; كما قال لاحقا. فتوجه بعد اربعين يوما على اغتيال والده إلى دمشق، حيث التقى الرئيس الراحل حافظ الاسد.
استمر وليد جنبلاط في خطه هذا طوال سني الحرب اللبنانية فكان رئيسا للحركة الوطنية. ومن منزله في كليمنصو اعلن جورج حاوي ومحسن ابراهيم أمين عام منظمة العمل الشيوعي quot;ولادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وانطلاقهاquot; لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي
وكان قبل ذلك انسحب من هيئة الإنقاذ الوطني التي تشكّلت برئاسة الرئيس الياس سركيس وعضوية كلّ من شفيق الوزان وفؤاد بطرس ونبيه برّي ونصري المعلوف وبشير الجميّل احتجاجًا على مواقف سركيس والوزان وبطرس من الفلسطينيين.
في 3 أيلول/ سبتمبر 1983 وبعد فشل كلّ الاتصالات والمفاوضات لتجنب الحرب، قاد معركة الجبل بعد الانسحاب الإسرائيلي الجزئي، ففرغ الجبل من مكونه الاساسي الثاني واتهم على اثرها جنبلاط بقتل مئات المسيحيين وتهجيرهم في حين تؤكد اوساطه ان ميليشياته لم تتعرض لقرية بلدة القمر والمدنيين فيها وان من قضى من المدنيين في تلك المعارك كان على يد عناصر غير منضبطة ليست كلها من الدروز، فقد شارك في المعارك الحزب السوري القومي الاجتماعي والفصائل الفلسطينية الموالية لسوريا.
وحتى اليوم لا تزال قضية الجبل احدى اكبر الحجج التي يستند إليها خصومه لمهاجمته حيث يطل البعض بين الحين والآخر لتذكير جنبلاط بتلك المعارك، مكيلا له الاتهامات.
في الاول من تشرين الاول/اوكتوبر 1983، اعلن quot;البيكquot; تاسيس ادارة مدنية في الشوف تقوم باعباء الدولة، توسعت وشملت فيما بعد جميع مناطق الجبل مؤكدا أن quot;هذه الخطوة ليست تقسيمًا، ولبنان لا يتوحّد بالحرب أبدًا ونحن لا نريد دولة لناquot;.
كان من الأقطاب الذين حضروا مؤتمرَي الحوار في جنيف لإيجاد حل للأزمة اللبنانية، كما شارك للغاية عينها في خلوات بكفيا وهي مؤتمرات تمخضت عنها مصالحة بين الحركة الوطنية والرئيس امين الجميل ما اوصل جنبلاط إلى منصب وزاري هو الاول له في حكومة الرئيس عمر كرامي.
كانت السنوات القلية اللاحقة صعبة على جنبلاط فخاضت ميليشياته معارك عدة ابرزها معركة ضرب quot;المرابطونquot; في بيروت في آذار/مارس 1984 ومعركتَي العلم في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1986 والأيام الستة في 15 شباط/فبراير 1987 مع حركة quot;أملquot;.
مع توقيع اتفاق الطائف ودخول لبنان مرحلة السلم الاهلي عين جنبلاط نائبا ليشغل مقعد والده الراحل في 7 حزيران/يونيو 1991 وعين وزيرا في حكومتي الرئيسين عمر كرامي ورشيد الصلح قبل ان يعين وزيرا لشؤون المهجرين في حكومة الرئيس رفيق الحريري الاولى واستمر وزيراً للمهجرين في حكوماته المتعاقبة لثلاث مرات حتى العام 1998 وارتبط بعلاقات وثيقة مع الحريري وأقام معه تحالفاً سياسيا عُرف بـquot;الحلف المقدسquot;، إستمر حتى إستشهاد الاخير.
عرف عن جنبلاط معارضته وصول عسكري إلى سدة الرئاسة الاولى فحمل لواء التمديد للرئيس الياس الهراوي عام 1995، وعارض وصول اميل لحود الى المنصب 1998 وصولا الى رفضه التمديد او التجديد له عام 2004 وامتنع عن المشاركة شخصيًّا في أيّ حكومة، واستعاض عن ذلك بتكليف ممثلين عن اللقاء الديمقراطي في الحكومات.
العام 2000، بدأ التحول الاكبر يطغى على خطاب وليد جنبلاط السياسي ومقاربته للامور في لبنان فوقع مع الرئيس امين الجميل في 26 آب/اغسطس على بيان مشترك، بعد قطيعة بينهما إستمرت 16 سنة.
وفي 6 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام فجّر قنبلة سياسية عاصفة خلال مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب، حين ألقى كلمة مكتوبة دعا فيها إلى quot;تقليص موازنة الجيش والأجهزة الأمنية، وإلغاء الخدمة العسكرية، وتنظيم الوجود العسكري السوري في لبنان بسحب الجيش السوري من بعض المناطق، وعدم تدخّل الأجهزة السورية في الشؤون اللبنانيةquot; ما دفع حلفاء النظام السوري إلى الرد عليه بغضب شديد، ومنهم النائب عاصم قانصو الذي اصلاه تهديدا مذكرا اياه بمصير والده الراحل.
بعد اقل من عام عام على هذه الحادثة وتحديدا في 3 آب/ اغسطس 2001 استقبل وليد جنبلاط في المختارة البطريرك الماروني نصر الله صفير بحضور عدد كبير من الفعاليّات والحشود التي تقاطرت لتشهد وتؤيد المصالحة التاريخية التي تكرّست في المختارة حيث أكّّد جنبلاط quot;أنَ حرب 1860 قد ولّت إلى غير رجعة وحرب الجبل أصبحت وراءنا ولا رجعة لها، فمعكم نحمي الجبل ونحمي لبنان، ويحيا العيش المشتركquot;.
في 7 آب/ اغسطس وبعد اقل من اربعة ايام على الزيارة، إستنكر وليد جنبلاط حملة القمع والاعتقالات التي جرت بعد زيارة البطريرك إلى المختارة quot;معتبراً إنها محاولة لتعطيل جو المصالحة التاريخية في الجبل.quot;
ابتداء من تموز/يوليو 2004 انضم جنبلاط إلى معركة رفض التمديد أو التجديد للرئيس لحود التي كانت تخاض في وقتها من قبل لقاء قرنة شهوان والاحزاب المسيحية، فانبثق عن هذا التحالف اجتماع موسع في فندق البريستول انتصارا للحريات والدستور. واستمر على هذا النهج حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري
في 14 شباط 2005 ليتحول عندها إلى احد صقور معارضة الاحتلال السوري داعيا بعد ايام قليلة إلى اطلاق ما عرف بعدها بانتفاضة الاستقلال وثورة الارز التي اوصلت الى انسحاب الجيش السوري من لبنان وليتوجه الة المختارة واضعا وردة عند ضريح والده ويعلن quot;انها المرة الاولى التي آتي إلى هنا وضميري مرتاحquot;.
وبعد هذه الايام المفصلية من تاريخ لبنان، فاز وليد جنبلاط بالمقعد النيابي في 12 حزيران/يونيو كجزء من تحالف قوى 14 آذار/مارس التي حصدت الغالبية النيابية.
ومنذ ذلك التاريخ تحول جنبلاط إلى اكبر منتقد لدور quot;حزب اللهquot; في لبنان مطالبا بنزع سلاحه والثأر من القيادة السورية، حتى 7 أيار/ مايو يوم اجتياح الحزب لبيروت ومحاصرته منزل جنبلاط وخوضه اشتباكات مسلحة مع الدروز في الجبل. فعمد وليد جنبلاط إلى انتهاج سياسة اكثر اعتدالا مع خصومه من دون ان ينسى توجيه بعض السهام إلى حلفائه منتقدا ما وصفه بعودة الانعزالية إلى الجبل في اشارة إلى حزبي الكتائب وquot;القوات اللبنانيةquot; حليفيه الرئيسيين في 14 آذار/مارس. لكنه سرعان ما أوضح أن ما قصده هو انتقاد تغليب بعض الزعماء الموارنة مصالح ضيقة في عملية تشكيل اللوائح الإنتخابية.