واشنطن: مع قرب موعد الانتخابات اللبنانية المقرر لها في السابع من يونيو القادم، عقدت اللجنة الفرعية لمجلس النواب للشرق الأوسط وجنوب آسيا جلسة استماع في الرابع والعشرين من مارس الماضي والتي حملت عنوان quot;التطورات في لبنانquot;. تحدث فيها رئيس اللجنة quot;جيري أكرمانquot;، وquot;جيفري فيلتمانquot;، الذي عمل في السابق سفيرًا للولايات المتحدة بلبنان، قبل أن يتولى منصب مساعد نائب وزيرة الخارجية الأميركية quot;هيلاري كلينتونquot; لشؤون الشرق الأدنى.

أكد كلٌّ من رئيس اللجنة quot;أكرمانquot; والمتحدث الرئيس بجلسة الاستماع quot;فيلتمانquot; على التزام quot;باراك أوباماquot; ووزيرة خارجيته quot;هيلاري كلينتونquot; باستمرار دعم سيادة وديمقراطية ورخاء لبنان. وقد أكدا على ضرورة سعي الولايات المتحدة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة في لبنان واستمرار انخراط شركاء الولايات المتحدة من أجل هذا الهدف، وإلى استمرار تدعيم مؤسسات الدولة اللبنانية، وجهود الحكومة اللبنانية من أجل توسيع سلطاتها. وأشارا أيضًا إلى ضرورة سعي الإدارة لتحقيق سلام بين إسرائيل ولبنان في إطار تحقيق سلام شامل بالمنطقة ـ الذي تكشف عنه، حسب فيلتمان، مهمة المبعوث الأميركي للمنطقة السيناتور quot;جورج ميتشلquot; وزيارة وزيرة الخارجية إلى المنطقة ـ، انطلاقًا من أن لبنان فاعل رئيس في بناء سلام واستقرار في منطقة الشرق الأوسط على المدى الطويل. بعبارة أخرى الدعم الأميركي لاستقرار واستقلالية لبنان مهم جدًّا لنجاح الجهود الأميركية المستقبلية في المنطقة.

مستقبل لبنان بأيدي أبنائها

في بداية كلمته لخص quot;أكرمانquot; المصالح الأميركية في لبنان في: سيادة واستقلال الدولة اللبنانية ووحدة أراضيها. مضيفًا أن الولايات المتحدة تريد أن يحكم لبنان اللبنانيون من أجل اللبنانيين، وأن واشنطن تحتاج إلى شريكٍ وليس دولة مليشيات وفرق عسكرية، وحليفٍ وليس وكيلاً، ولذا يدعو إلى استمرار واشنطن في تقديم الدعم إلى اللبنانيين لتحرير لبنان من القوى والهيمنة الخارجية.

ومع قرب موعد الانتخابات اللبنانية في يونيو من هذا العام التي سيكون لها كبير التأثير على مستقبل لبنان ـ حسب رئيس الجلسة ـ، يدعو quot;فيلتمانquot; وquot;أكرمانquot; الولايات المتحدة وأصدقاء لبنان في المجتمع الدولي إلى العمل بنشاط وحذر للتعامل مع تلك المرحلة المفصلية في مستقبل لبنان، ولكنهما في الوقت ذاته يرفضان التدخل والتأثير الخارجي، مؤكدين على أن تصيغ لبنان مستقبلها بمفردها، وأن تتحرر من التأثيرات والتدخلات الخارجية والمخاوف السياسية والعنف. فيريان أن الانتخابات اللبنانية فرصة مواتية لاستمرار الدعم الأميركي لاستقلالية لبنان ولتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية اللبنانية.

وعن القوى السياسية الفعالة على الساحة السياسية يشيران إلى أن هناك تيارين أساسيين ـ قوى 14 مارس و8 مارس ـ على الساحة اللبنانية، وعن هذين التيارين يقول quot;أكرمانquot; أن أولهما يُقدم رؤية مستقبلية للسلام والرخاء، أما التيار الثاني فيقدم رؤية جمودية تدميرية. ويرى أنه إذا لم تحقق الانتخابات رؤية وسطية توافقية بين التيارين فإن مقاربتهما قبل وبعد الانتخابات ستتلاشى. ومن جانبه يقول quot;فيلتمانquot;: quot;إن تصويت الناخبين المسيحيين في المناطق ذات الأغلبية لأي من القوتين (14 مارس أو 8 مارس) سيحدد الأغلبية في البرلمان القادم وأعضائهquot;. ويضيف أن الانتخابات ستتيح إلى الأصوات المعتدلة داخل لبنان استمرار دعمهم لسيادة واستقرار واستقلالية لبنان.

ولضمان نزاهة الانتخابات اللبنانية دعا quot;فيلتمانquot; واشنطن لدعم مراقبي الانتخابات. فخلال السنوات الماضي قدمت الولايات المتحدة 10.5 مليون دولار لعددٍ من البرامج التي تعمل على نزاهة وشفافية الانتخابات اللبنانية وتحسين الأداء الديمقراطي اللبناني. ويدعو الدول العربية والأوروبية والاتحاد الأوروبي إلى إرسال مراقبين والذي من شأنه العمل بصورة كبيرة على تقليل استخدام العنف السياسي خلال الانتخابات.

وعلى الرغم من تأكيدهما على أن الانتخابات قضية لبنانية يحددها اللبنانيون بأنفسهم إلا أن فيلتمان أكد على ضرورة دور المجتمع الدولي والولايات المتحدة لإجراء الانتخابات في ميعادها المحدد له وتمتعها بالشفافية والنزاهة المطلوبة وغياب العنف وعدم تعطيل عمل المؤسسات الحكومية إلى حين تشكيل حكومة جديدة. ويرى أن برنامج المساعدات الأميركية في لبنان سيقدم في سياق نتائج الانتخابات اللبنانية البرلمانية والممارسات السياسية للبرلمان الجديد.

تدعيم أميركي للمحكمة الدولية

وفي الوقت الذي يرفضان فيه التدخل الأميركي في الانتخابات اللبنانية، وأن يٌترك نجاح أو فشل الحملات الانتخابية للبنانيين، يريان أن هناك ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لمستقبل لبنان بعيدًا عن الانتخابات اللبنانية. فيتحدثان عن ضرورة تدعيم واشنطن عمل المحكمة ذات الطابع الدولي للكشف عن الحقيقة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه.

ومن جانبه يرى quot;فيلتمانquot; أن المحكمة الخاصة بلبنان تُعبر عن رغبة اللبنانيين والمجتمع الدولي لوضع حدٍّ لعهد الإفلات من عقوبات الاغتيالات السياسية. ويُؤمن بأن المحكمة ستقدم قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، إلى العدالة. ومثل quot;أكرمانquot; يؤكد quot;فيلتمانquot; على استمرارية الدعم الأميركي للمحكمة ويشير إلى التزام الولايات المتحدة بزيادة مساعدتها إلى المحكمة بستة ملايين دولار منتظرًا موافقة الكونغرس ليصل إجمالي الالتزام الأميركي إلى 20 مليون دولار. ويؤكد أن المحكمة ليست جزءًا من اتفاق سياسي إقليمي أو أنها ذات طابع سياسي، ولكنها تهدف إلى التوصل إلى العدالة من خلال أدلة يتوصل إليها من الاستجوابات والتحقيقات. أي محكمة مهنية وليس سياسية.

الولايات المتحدة وتدعيم الجيش اللبناني

دعا quot;أكرمانquot; في كلمته إلى ضرورة تدعيم الولايات المتحدة للجيش اللبناني (LAF) وقوات الأمن الداخلية (ISF)، انطلاقًا من شريعتهما القوية داخل لبنان، ودورهما في محاربة أنشطة quot;الإرهابيينquot; المدعومين من القوى الخارجية.

وفي الوقت ذاته يؤكد على أن الدعم الأميركي للجيش والقوى اللبنانية لا يجب أن يهدد التفوق النوعي الإسرائيلي. مشيرًا إلى أن ما تقدمه واشنطن للجيش والقوى اللبنانية لا يهدد التفوق النوعي الإسرائيلي. ويعترف أكرمان أن هناك فجوة بين قدرات وإمكانات قوات الجيش وتلك التي يحتاجها لمواجهة تحديات الجماعات الإرهابية مثل فتح الإسلام.

واتساقًا مع quot;أكرمانquot; دعا quot;فيلتمانquot; إلى ضرورة تدعيم الولايات المتحدة الجيش للبناني حتى يتمكن من القيام بمهامه من عزل مؤججي العنف في البلاد ومنع إطلاق الصواريخ وكشف عديد من المخابئ العسكرية السرية في جنوب لبنان. مشيرًا إلى المهنية المتقدمة للجيش اللبناني وإلى تقدم العلاقات بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني والتي ترجمتها زيارة قائد الجيش العماد quot;جان قهوجيquot; إلى الولايات المتحدة. ويشير quot;فيلتمانquot; إلى تأكيد quot;قهوجيquot; وعديد من المسؤولين اللبنانيين على الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701، الذي طالب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وquot;القوى الإرهابية اللبنانية المحاربةquot;. وعن دور الجيش وقوات الأمن يوم الانتخابات يقول quot;فيلتمانquot;: إنهما سيعملان من خلال انتشارهما في الأراضي اللبنانية على منع العنف، والتأكيد على تصويت اللبنانيين بحرية وبنزاهة دون خوف.

دور أميركي في سلام لبناني ـ إسرائيلي

وفي سياق حديثه عن الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط وانفتاح إدارة أوباما على دول المنطقة، دعا quot;أكرمانquot; إلى الانخراط الأميركي في حلحلة قضايا الصراع بين لبنان وإسرائيل، والتي لن تحل دون دور أميركي، والذي لن يتأتى من خلال العمل الدبلوماسي فقط، ولكن من خلال المساعدات الأميركية لتحسين الأمن على كل الجوانب. فالولايات المتحدة ـ حسب quot;أكرمانquot; ـ الشريك الأفضل للبنان، وحسب quot;أكرمانquot; لن يجد اللبنانيون حليفًا أفضلَ من واشنطن.

ومع تأكيد الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق سوري ـ إسرائيلي، يأمل quot;فيلتمانquot; أن تجد لبنان وإسرائيل آلية مقبولة لمعالجة القضايا المعلقة بينهما، قائلاً: إن الطرفين قبلا وأيدا قرار مجلس الأمن 1701، وإن تنفيذه الكامل يتطلب مزيدًا من العمل والحوار بين البلدين. ويشير إلى أن بعض القوى اللبنانية دعت علنًا حكومة لبنان لبدء محادثات مع إسرائيل في إطار القرار 1701. فقد شدد مؤخرًا البرنامج سياسي لقوى 14 مارس على أهمية التنفيذ الكامل لقرار 1701 بوصفه وسيلة لتحقيق استقلال لبنان والاستقرار والازدهار، ووضعه في quot;الانسجامquot; مع المجتمع الدولي. ويشير quot;فيلتمانquot; إلى استعداد الولايات لدعم مثل هذا الحوار، لتقدم دليلاً أن الجهود الدبلوماسية، وليس أسلحة حزب الله اللبناني، أفضل وسيلة لتأمين مصالح لبنان. ويؤكد quot;فيلتمانquot; في كلمته على أن إعادة تنشيط الجهود الأميركية لتحقيق سلام إقليمي شامل، لن يكون على حساب لبنان.

هل من حوار أميركي مع حزب الله؟

عن التساؤل الذي ثار داخل الولايات المتحدة وخارجها بعد إعلان بريطانيا ببدء الاتصال مع الجناح السياسي لحزب الله، حول ما إذا كانت واشنطن ستنهج هذا النهج بالانفتاح على الحزب، جاءت إجابة quot;فيلتمانquot; على التساؤل بالرفض. فيؤكد على استمرار اعتبار الولايات المتحدة الحزب جماعة إرهابية منذ التنصيف الأول للجماعات الإرهابية الأجنبية في عام 1997. مؤكدًا إجابته بأنه ليس هناك فصل بين القيادات والدعم المالي للجناح السياسي والعسكري والإرهابي للحزب وجناحه الاجتماعي، مذكرًا بتصريح لأحد قيادات الحزب بأنه ليس هناك انفصال بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب.

وأشار في صدد رفضه للحوار مع الحزب وقياداته إلى استمرار الحزب تلقي أسلحة من سوريا وإيران والذي يمثل خرقًا لقرار مجلس الأمن 1701، وإلى ممارساته ضد المواطنين اللبنانيين مذكرًا بما حدث في مايو الماضي (2008)، مما يثير تأثير الحزب بالسلب على عملية السلام والاستقرار، ويضرب مثلاً آخر على أجندة الحزب المسلحة بخطاب الحزب أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في يناير الماضي. ويرى أن حزب الله خطر على لبنان والمنطقة، فعلى الصعيد اللبناني يحتكر الحزب الحديث السياسي والديني باسم شيعة لبنان، في حين أن هناك حسب رؤية quot;فيلتمانquot; كثيرًا من الأصوات والقوى المعتدلة التي من الممكن أن تعبر عن شيعة لبنان بدلاً من حزب الله الذي يعتبره quot;منظمة إرهابيةquot;.

ويؤكد quot;فيلتمانquot; على استمرار السياسات الأميركية تجاه الحزب من فترة طويلة والمطالب الأميركية بضرورة تخلي الحزب عن quot;الإرهابquot; داخل لبنان وخارجها، والخضوع إلى القانون ومؤسسات الدولة اللبنانية. وفي حالة التزام الحزب بالمطالب الأميركية ستفكر واشنطن في تغيير سياساتها ووجهة نظرها تجاه الحزب.

وفي نهاية كلمته نقل quot;فيلتمانquot; إلى أعضاء الجلسة تقديره القوى المؤيدة لاستقلال لبنان باستمرار الدعم الذي يتلقونه من أعضاء الكونغرس والإدارة. ويدعو إلى استمرار الدعم وإلى مواصلة الولايات المتحدة للتعبير عن التزامها بدعم الشعب اللبناني في تحقيق هدفهم بإقامة دولة ديمقراطية ذات سيادة كاملة على النحو المبين في قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701. هذا الهدف من وجهة نظر فيلتمان ليس مهمًّا للبنان وإنما أيضًا لتحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة.