بيروت: قبل ساعات من افتتاح صناديق الاقتراع في لبنان، تعيش البلاد بأسرها السبت حالة من quot;حبس الأنفاسquot; استعداداً لما ستستفر عنه quot;المعركة الانتخابيةquot; وفق المصطلحات التي يفضلها اللبنانيون، حيث سيتحدد مستقبل الخيارات السياسية لبيروت خلال الأعوام الأربعة المقبلة من القضايا الاقتصادية وصولاً إلى الموقف من المحاور الدولية.

ومنذ مساء الجمعة، أقفرت الشوارع في العاصمة اللبنانية، بإستثناء بعض المواكب السيارة لمناصري القوى المختلفة، الذين استفادوا من quot;الفرصة الأخيرةquot; قبل وقف الحملات الانتخابية، في حين شهدت ساعات الصباح إقبالاً منقطع النظير على المتاجر لتخزين الأطعمة خوفاً من quot;الأسوأquot; الذي اعتاد مطاردة اللبنانيين لسنوات.وأعلنت معظم المحال أنها ستغلق أبوابها حتى الثلاثاء، بانتظار إعلان النتائج الرسمية، خشية سيناريوهات مقلقة تفترض حصول صدامات بين التيارات المتصارعة، إن أظهرت النتائج توجهات غير محسوبة.كما تغلق المدارس والجامعات الرسمية والخاصة في لبنان، مع تحويل عدد منها لمراكز انتخابية وانصراف موظفيها إلى شغل منصب رؤساء أقلام تلك المراكز.

وشهدت محلات بيع الخضار والمواد الغذائية ازدحاماً خانقاً اعتباراً من الجمعة، قبل أن تنفد بضائعها تقريباً بحلول صباح السبت بسبب الإقبال الشديد من السكان على ما يعرف بـquot;التموين.quot;حيث استرجع اللبنانيون ذكريات الوقوف لساعات من أجل توفير متطلبات الحياة قبل وخلال المعارك الدموية التي عاشتها بلادهم في السنوات الماضية، فسُجل فُقدان أنواع من حليب الأطفال والأدوية، بينما عملت المخابز لساعات إضافية بهدف تلبية الطلبات الهائلة.

أما زحمة السير التي تشتهر بها العاصمة اللبنانية، بسبب شوارعها الضيقة والمشاريع التأهيلية التي لا تنتهي فيها، فقد اختفت مع تقدم ساعات الصباح السبت، لتحل بدلاً منها زحمة عند مداخل بيروت لمواطنين يغادرونها باتجاه القرى والبلدات التي ينحدرون منها، إذ أن القانون يحول دون تصويتهم في أماكن إقامتهم الحالية.وتجول في شوارع بيروت سيارات الشرطة التي بدأت تطبيق خطتها الأمنية الخاصة بيوم الانتخابات، داعية المواطنين إلى نقل سياراتهم بعيداً عن مراكز الاقتراع.

وقد جرى الطلب من كافة عناصر المؤسسات الأمنية، وعلى رأس الجيش وقوى الأمن الداخلي، التزام مراكزها تحضيراً للانتخابات التي ستشهد معايير أمنية لم يعرفها لبنان في تاريخه، باعتبار أن عمليات الاقتراع ستتم للمرة الأولى في كل البلاد، بعد أن كانت تقام على عدة أيام في كل محافظة على حدا.إلى جانب احتمال حصول خروقات أمنية، تبرز الخدمات كأحد أبرز مصادر القلق الأساسية هذه الأيام، وخاصة على صعيد توفر الكهرباء والهاتف.

فبعد مرور قرابة عقدين على انتهاء الحرب الأهلية المدمرة في لبنان، ما تزال البلاد تشهد تقنيناً كهربائيا يومياً، يتراوح بين ثلاث ساعات في العاصمة و8 ساعات خارجها، ما يجبر معظم اللبنانيين على استخدام المولدات الخاصة.وتسعى وزارة الداخلية إلى توفير الكهرباء في مراكز الاقتراع على امتداد لبنان طوال ساعات الاقتراع والفرز، وهو ما يشكل معضلة خدماتية وتقنية، انعكست في انقطاعات غير مدرجة ضمن برنامج التقنين الرسمي طوال الأيام الماضية، وتستمر أحياناً لأكثر من ساعة.وفي سبيل ضمان إضاءة تلك المراكز، قامت وزارة الداخلية بتوزيع مصابيح على المسؤولين عنها، علماً أن الانتخابات اللبنانية شهدت في السابق حوادث تغيرت خلالها نتائج الفرز إثر انقطاع غير متوقع للكهرباء، ما فتح الباب أمام التشكيك بالنتائج بحجة التزوير.

أما خدمات الهاتف، فكانت بدورها موضع خلاف كبير، فشركات الهاتف المحمول تحاول حالياً تطوير شبكاتها، وقد أثر الأمر على الخدمة بشكل واضح، حيث بات انقطاع الخطوط وصعوبة الاتصال سمة دائمة للمكالمات الهاتفية.ولم يخل الأمر من أبعاد سياسية بسبب موقع الوزير المسؤول عن الهاتف، وهو جبران باسيل، الذي ينتمي للتيار الوطني الحر المعارض، حيث جرى التلميح إلى مسؤوليته عن الوضع ونيته quot;عزلquot; مناطق معينة، وهو ما دفع باسيل للرد بعنف على تلك التهم، والإشارة إلى استحالة ذلك تقنياً.

غير أن باسيل لم ينف إمكانية أن تتعطل الخدمات جراء الضغط الكبير على الشبكة خلال ساعات الاقتراع والفرز، طالباً من اللبنانيين تخفيف استخدامهم للهواتف الجوالة في غير الحالات الضرورية.ووسط الإنتشار الأمني الذي بدأ يأخذ مفاعيله على الأرض، يحاول بعض الصبية اللهو في الشوارع التي بات توفر متنفساً للعب في العاصمة المكتظة بالأبنية المتلاصقة، على أمل أن تكون quot;اللعبة السياسيةquot; بين قوى quot;14 آذارquot; وقوى quot;8 آذارquot; بالقدر نفسه من الود.