يشكل المسنون من سن تزيد عن السبعين ربع سكان ألمانيا بحلول عام 2030، بحسب معطيات دائر الإحصاء المركزية، لكن الأطباء الألمان يخططون إلى عصر قادم بلا دور مسنين.


دشنت العاصمة الألمانية برلين أول بيت من نوعه مخصص لعيش المسنين بمفردهم ودون الحاجة إلى رعاية طبية واجتماعية وشخصية. وأطلق الأطباء على البيت أسم Ambient Assisted Living (AAL) وبدأ زوجان مسنان العيش فيه بمثابة تجربة يمكن تعميمها مستقبلاً على بقية المسنين.

ويقول المسؤولون ببرلين أن الأيام الأولى من حياة الزوجين أليس(70سنة) وبرونو كلوت(85سنة) في "بيت الحياة المدعومة" أثبتت لياقة عالية للبيت بحياة العاجزين وشبه العاجزين عن الحياة بمفردهم. ولم يكن تجهيز البيت الإلكتروني المعقد حاجزاً أمام برونو( الذي يعاني من مرض التصلب المتعدد) وزوجته التي تعاني مرض النسيان في حياتهما بمفردهما.

وربما ان مثل هذا السيناريو المتقدم عن حياة المسنين يحاول إبعاد شبح فيلم "ثورة العجائز" الذي عرضه التلفزيون الألماني بجزئين قبل بضع سنوات، ويتحدث عن ثورة أكثرية المسنين المسلحة في المستقبل ضد المجتمع احتجاجاً على ظروفهم المعيشية الصعبة، واحتجاجاً على إهمالهم من قبل الأقلية الشابة.

تسهيلات لدخول الحمام دون مصاعب
يتيح الحمام للإنسان الدخول مباشرة إلى البانيو مع كرسيه السيار، وهناك مساند معلقة تتيح للمقعد الجلوس والنهوض بمفرده عن المرحاض. ويمكن للزوجين المبيت في غرفة في الطابق الثاني بمساعدة مصعد مركب على السلم يتيح للزوج ذلك وهو على كرسي المقعدين. وحرص المهندسون على نصب مقابض ومساند"مخفية" داخل ديكورات المنزل تعين المسنين في التنقل، وتساعد المقعد على رفع جسده عن الكرسي، فهي مخفية تحت المرآة في الممر تارة، وعلى البانيو مرة، وعلى جسد المدفئة تارة أخرى.
والمهم في هذه المقابض انها صنعت من مواد لاتعلق عليها الأوساخ ولا تنمو عليها البكتيريا، لأنها تنظف نفسها بنفسها. هذا ينطبق على مقعد التواليت أيضاً، لأن هذه المقعد المدور يدور حال انتهاء الاستعمال ويغوص داخل جهاز للتعقيم. ثم يعود إلى مكانه السابق. وتم تغليف بقية قطع الأثاث بطلاء مصنوع من نفس المادة الطاردة للأوساخ والجراثيم، وهو ما يبقي البيت بدرجة عالية من الطهارة.

11 مليون شقة مماثلة

نال مشروع"بيت الحياة المدعومة"، الذي أطلقته وزارة البحث العلمي/ قسم السكن، مبلغ 125 مليون يورو من الوزارة. وتخطط الوزارة، بعد النجاح المتوقع للتجربة الأولى، بناء 11 مليون بيت وشقة من هذا الطراز حتى العام 2030. ويمكن لمثل هذا العدد من الوحدات السكنية أن يكون بديلاً معقولاً لأكثر من 16 مليون مسن سيعيشون فرادى أو كزيجات.

وسبق لوزارة البحث العلمي الاتحادية ان أجرت استفتاء بين المسنين، سواء المقيمين مع عائلاتهم أو المقيمين في دور المسنين، واتضح منها ان معظمهم يحلم بالعيش بمفرده دون مساعدة أحد. وهذا يعني ان البيوت الفردية لحياة المسنين المدعومة سترفع ثقلاً نفسياًعن كواهل العائلات التي ترعى مسنيها، وتبعد شبح الاجهاد والعصبية عن هذه العائلات، كما تقلل من الشعور بالاهانة الذي يعاني منه المسنون تجاه موظفي دور العجزة.

وكان49% من المسنين المقيمين في دور العجزة، أو مع عائلاتهم، قد أكدوا في دراسة لوزارة الصحة انهم تعرضوا مرة واحدة في الأقل إلى إهانات موظفي الرعاية أو أحد أفراد العائلة. وقال ماريو تشايا، وزير الصحة في العاصمة برلين، أن 95% من شقق وبيوت برلين غير ملائمة لمعيشة المسنين والعجزة.

باب يرحب بالضيوف وأرضية إنقاذ

لايحتاج المسنون المقيمون في بيت الحياة المدعومة إلى مفتاح قد تعجز أيديهم المرتجفة عن إدارته في القفل، لأنهم يستخدمون تقنية تستخدمها السيارات الحديثة عن بعد لفتح الأبواب. ثم يطلق الباب موسيقى جميلة عبارة ترحيب بالداخل لأن المسن قد يكون بعيداً عن الصالون عند ضغطه على مفتاح التحكم عن بعد. ثم ان كل البيت مزود بخطوط من سلاسل إنارة مدمجة في الأرضيات، كما هي الحال في الطائرات، تهدي المسن ليلاً إلى الطريق الصحيح إلى التواليت أو إلى الصالة...إلخ

التحكم بالأجهزة عن بعد

وهناك لوحة الكترونية في كل غرفة يستخدمها المسن للتحكم بالأجهزة مثل التلفزيون والراديو والطباخ...إلخ. وكل الأجهزة، وخصوصاً الطباخ والمكوى، مجهزة بتقنية لقطع الكهرباء عنها بعد فترة قصيرة من استعمالها. الأنوار تضيء وتنطفيء عند حركة الإنسان أوتوقفه، والدش مزود بتقنية للتوقف يضاً بعد الاستعمال، وحنفية المطبخ أيضاً.

شيد المهندسون كل أرضيات الشقة بأرضيات مزودة بمجسات، بعضها ظاهر والقسم الأعظم مخفي، تحذر من الحريق أو من سقوط ماء حار، كما انها تحذر من دخول لص إلى البيت ليلاً. وغني عن القول ان أرضيات الغرف، والحمام على وجه الخصوص، مؤمنة 100% ضد الانزلاق.

يموت 40 ألف مسن ألماني سنوياً بسبب السقوط وارتطام الرأس بالأرض أو بالأشياء الصلبة المحيطة، بحسب معطيات معهد فراونهوفر. ولذلك فقد زود المعهد بيوت المسنين بأرضية تطلق تحذيراً في المستشفى حال سقوط ساكن البيت المسن على الأرض وبقائه لفترة قصيرة بلاحركة.

أجهزة استشعار في الأرضية

تعمل الأرضية بأجهزة استشعار الوزن لكشف كل ما يدب أو يسقط على الأرض. ويمكن استخدام هذه الألواح بمثابة جهاز إنذار مبكر في المستشفيات ودور العجزة لتحذير أطباء الخفر عند سقوط أحد المرضى او المسنين، كما يمكن ان تستخدم في البنوك والقاعات المحظورة للكشف عن اللصوص والمتسللين.
وهذه الأرضيات مزودة بمجسات تلاحق حركة الانسان على مختلف السطوح الأمر الذي يجعلها صالحة الاستخدام في مختلف المناطق وليس على الأرض فقط. ولأن هذه الأرضيات تكشف وتلاحق حركة الانسان فان من الممكن استخدامها في المباني الكبيرة لإرشاد الزائر الى الغرفة أو إلى القسم الذي يود الوصول إلإليه. كما يمكن استخدامها من قبل حرس المراقبة لكشف مسار الدخيل أو المتسلل الى البناية.

مصعد مدمج في خزان المطبخ
قد يتوقف المصعد المثبت على السلم عن العمل لسبب أو آخر، ولهذا فقد أخفى المهندسون مصعداً صغيراً داخل الدولاب الطويل في المطبخ. ويتسع المصعد لشخص واحد بمفرده أو مع كرسي المقعدين.
والأبواب في هذا البيت تنفتح تلقائياً عند وصول الإنسان إليها، اما التلفون فمزود بأرقام كبيرة يتمكن المسن من قراءتها دون نظارات، وهناك ثلاثة أزرار للطواريء في الهاتف يكفي لمسها لإطلاق جرس انذار في مركز المراقبة، أو في المستشفى المسؤولة عن متابعة حياة المقيمين في البيت.

وزود المهندسون بيت العجزة بمقاعد ترتفع وتنخفض تلقائياً عند اقتراب جسد المسن منها كي تعينه في الجلوس والنهوض. هذا يعني ان الكرسي يرتفع اوتوماتيكياً عندما ينهض المسن عنه ثم يعود إلى ارتفاعه الأصلي برفق عند ابتعاد الجالس.

المطبخ يعمل أوتوماتيكيا
كل شيء في المطبخ يعمل اوتوماتيكياً أو بكبس الأزار، وهكذا يتوقف الفرن عن العمل حال قناعة أجهزة الاستشعار بأن الطعام قد جهز. وتتحرك رفوف الصحون في دواليب المطبخ المعلقة إلى الأسفل بحيث يستطيع المقعد الوصول إليها وهو جالس على الكرسي. وهذا يحدث مع الملابس المعلقة في دولاب الملابس لأنها تنخفض أيضاً باستخدام جهاز التحكم عن بعد، إلى مستوى الجالس. اما الستائر فتنفتح وتنسد أيضاً بحهاز التحكم، كما انه من الممكن خفضها إلى مستوى الأرض عند نزعها من أجل الغسيل.

ولاينبغي للمسن أن يتعثر بكابلات الأجهزة ولا أن يسير عليها بمقعده السيار، ولذلك فان كافة الأجهزة في البيت تعمل بالحث الكهربائي وغير مجهزة بكابلات. تتولى أنظمة إلكترونية متكاملة تنظيم درجات الحرارة والرطوبة في بيت المسنين اوتوماتيكياً. ولأن المسنين عرضة أحياناً للسطو والسرقة فالبيت مؤمن تماماً ضد السرقة بواسطة أجهزة الاستشعار والانذار.

نظام تيليميدسن متكامل
فضلاً عن الأجهزة التي تراقب حركة ونشاط المسن وتنقل المعطيات إلى مركز الرقابة على هذه البيوت، فان المسنين سيكونون مجهزين بمختلف التقنيات الملبوسة والمحمولة التي تتيح للأطباء متابعة وضعهم الصحي على مدار الساعة. فالساعات اليدوية تقيس الضغط والحرارة والنبض، وتخطيط القلب، وتنقل ذلك عبر الأجهزة الذكية إلى الأطباء. كما تلتقط الكاميرات المخفية الصور لوجوه المسنين صباحاً ومساء لمعرفة التغيرات التي قد تسببها الأمراض أوالأدوية.

يتعاطي كل مسن في ألمانيا نحو 5 أدوية مختلفة كمعدل، بحسب نقابة الصيادلة الألمان. ولهذا يستخدم مسنو المستقبل علب أدوية يجري تنظيم الأدوية فيها حسب وظيفتها وأوقاتها مع نور أزرق يحدد موعد كل قرص من الأدوية. وتصدر علبة الأدوية صوتاً يذكر حتى المصاب بمرض الزهايمر بموعد تناول الدواء.

عموماً، تبلغ مساحة النموذج التجريبي من بيت المسنين نحو 140 متراً مربعاً، وهناك أكثر من 88 نظاماً إلكترونياً يعمل على توفير الراحة والاكتفاء الذاتي للمسنين في بيتهم المستقبلي.