كيف يمكن وصف القطاع الصحي في لبنان مع وجود الثغرات الصحية الكثيرة من أخطاء طبية إلى توزير أدوية، خصوصًا أن تكلفة الفاتورة الصحية تبقى الأغلى في لبنان؟

بيروت: تقدر تكلفة الفاتورة الصحية في لبنان بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب إحصاءات عام 2010، وهي من أعلى الفواتير الصحية في العالم، بعد الولايات المتحدة الأميركية، وتفوق تكلفة الاتحاد الأوروبي التي تصل إلى 8 في المائة، ومع ذلك، فإن الخدمات الصحية تعاني سوءًا في التوزيع ونقصًا في العدالة، لناحية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
وتتكرر مآسي الموت على أبواب المستشفيات في لبنان، كذلك تتكرر الفضائح المتعلقة بالأخطاء الطبية والصفقات على حساب صحة المواطن.&
وكذلك سابقًا انفجرت فضيحة للأدوية المزوّرة في لبنان، إلى ذلك يشهد لبنان تخمة في عدد الأطباء مع وجود 13 ألف طبيب.

فكيف يمكن وصف الواقع الطبي في لبنان مع وجود كل تلك الثغرات فيه؟

في الأخطاء الطبية، يميز الدكتور موريس كرم في حديثه لـ"إيلاف" بين مسؤولية المستشفى ومسؤولية الطبيب المعالج.

ويقول:"في المستشفى عادة أربعة أجهزة: جهاز العناية الطبية، وجهاز التشخيص الطبي المتمثل بالطبيب وجهاز إداري حيث تتم المعاملات وأخيرًا جهاز صيانة المتمثل بصيانة المستشفى، من هنا يجب التمييز أين وقع الخطأ ومحاسبة المسؤول عن خطئه.

أما الخطأ فيحدّد وفقًا للقوانين المرعية الإجراء والتي تتمثل بالآداب الطبية والاستشفائية.
ويرفض كرم أن يحدّد أي مستشفيات في لبنان عرضة للأخطاء الطبية أكثر من غيرها ويكتفي بالقول: "هناك لجنة &آداب طبية تتكون في نقابة الأطباء والمستشفيات وهي فاعلة جدًا في إبداء الرأي أما التنفيذ فيقع على السلطات الرسمية".

المسؤولية الطبية

الطبيب رياض عون تحدث بدوره لـ"إيلاف" عن المسؤولية الطبية التي حدّدها قانون الآداب الطبية، ويقول إن كل طبيب مسؤول عن أعماله المهنيّة، ومع مراعاة نظام المؤسسة المتعاقد معها ونصوص العقد، وينص هذا القانون على الآتي:
لا يحق للطبيب أن ينيب عنه للقيام بنشاطاته المهنية ولأجل محدود سوى زميل له مسجل في نقابة الأطباء.
ويعمل الطبيب البديل باسم الطبيب الأصيل وعلى مسؤوليته، والطبيب البديل ملزم بإعطاء وصفات العلاج باسمه وبتوقيعه.
لا يحق للطبيب الاختصاصي المؤهل إستنابة زميل له إلا إذا كان من الاختصاص ذاته.
ويحظر على الطبيب إعطاء تقارير غير صحيحة أو شهادات مجاملة.
كل تقرير أو وثيقة تصدر عن الطبيب يجب أن تحمل توقيعه، وفقًا للنموذج المسجل في وزارة الصحة العامة، كما يحظر على الطبيب تسهيل عمل كل من يمارس الطب بصورة غير مشروعة.
ويضيف:" كل عمل فيه جهد بشري يبقى معرضًا للخطأ ويأتي دور النقابات ووزارة الصحة والأطباء لخفضه قدر الإمكان، وهو ما حصل خلال الأعوام الماضية حيث قامت النقابة بملاحقة المخالفين، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، وعن احتمالات حصر الأخطاء يقول:"يتم اعتماد الملف الطبي وهذه من أهم المبادئ الواردة في قانون الآداب الطبية.

في القانون

المحامي كميل فياض تحدث بدوره لـ"إيلاف" عن النص الأساسي في القوانين اللبنانية والذي يتناول هذا الموضوع معتبرًا أنه في الأساس هناك نص عام ضمن ما يسمى بقانون الموجبات والعقود يرعى أي خدمة أو عمل يقوم به شخص سواء كان محاميًا أو طبيبًا، لشخص آخر، إلا أن القواعد المتعلقة بمهنة الطب نجدها مبوبة كما هو واضح في قانون الآداب الطبية.
ومادة هذا القانون الأساسية هي المادة 22 المأخوذة عن مبدأ عام يميز بين موجب النتيجة وموجب الوسيلة، فموجب الطبيب هو وسيلة، هذه المادة تعلم للأطباء في درس الحقوق في الجامعة، من خلالها يتعهد الطبيب بأن يشفي المريض ويلتزم أن يوفر أفضل عناية ومعالجة ممكنة ولكن إذا لم يشف المريض لا يعتبر الطبيب مسؤولاً لكن في المعالجة عليه أن يبذل كل طاقاته ملتزمًا بقواعد المهنة الفنية وغيرها، لذلك فإن تنفيذ موجب الوسيلة يتم بكل إخلاص وروح مهنية، وبكل ما يتطلب الأمر من آداب وقواعد فنية.
وبما أن موجب الطبيب هو موجب وسيلة يظن الناس بأن هناك صعوبة في ملاحقة أي طبيب والحصول على نتيجة سريعة أمام المحاكم، لأنه لا يكفي أن يثبت المريض أنه لم يشف بل عليه أن يثبت الإهمال أو التقصير أو الخطأ من قبل الطبيب، ويبقى أن هناك ثلاثة عناصر في موجبات العقوبة:
أولاً: الخطأ الذي ارتكبه الطبيب.
ثانياً: الضرر أو الإصابة أو الوفاة.
ثالثاً: العلاقة السببية بمعنى أن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب هو سبب الضرر.
وتبقى المرحلة الأساسية في موجب الوسيلة في التشخيص، إذ على الطبيب واجب إجراء التشخيص وفقًا لأسس علمية سائدة، وبذل العناية الكاملة لتحقيق ذلك.
وأهمية التشخيص تكمن في اتخاذ الطبيب من خلاله قرار العلاج، فإذا كان التشخيص خاطئًا كذلك يكون العلاج، وفي حال اختلف الأطباء في التشخيص يبقى المعيار بالنسبة للمحاكم وللقانون بشكل عام ما يسمى " بالأب الصالح" وهو ما يعني طبيب ذو خبرة كبيرة يملك التقنيات والظروف نفسها، وهنا يجب القول، يضيف فياض، إن التشخيص لا يرتب مسؤولية بشكل مطلق دائمًا، فبإمكان الطبيب أن يخطئ في التشخيص إذا لم يكن يملك العناصر الكافية لذلك، فضلاً عن التشخيص هناك واجب إعلام المريض وذويه وتحديد العلاج المناسب ومتابعة العلاج والسهر، وتبقى هذه العوامل الخمسة التي ذكرتها أساسية في قانون مهنة الطب.
كيف بالإمكان المحافظة على الخط الرفيع بين ممارسة الطبيب لمهنته بحرية وبين سلامة المريض في القانون اللبناني؟
الحل موجود في النصوص، يقول فياض، والمطلوب هو تفعيل العمل القضائي بطريقة يستطيع أي شخص مقتنع بالتقصير من قبل الطبيب المعالج ملاحقته أمام المحاكم والوصول إلى حقه بفاعلية وبسرعة وبصورة عادلة وبالتالي يحصل على التعويض اللازم، وهناك حالات في لبنان أعطي فيها المتأذي مبلغ 200 مليون ليرة لبنانيّة.

الأدوية المزورة

هذا بالنسبة للخطأ الطبي ماذا عن الأدوية المزورة في لبنان؟
في هذا الصدد يعتبر النائب السابق الدكتور عاطف مجدلاني (رئيس اللجنة النيابية الصحية سابقًا) أن تزوير الدواء هو أبعد من لبنان وظاهرة الدواء المزور عالمية موجودة في العالم، ويتفاوت حجمها بحسب النظام الصحي والتغطية الصحية الاجتماعية لكل بلد، في فرنسا الأدوية المزورة غير موجودة لأن النظام الصحي هناك يؤمّن كل شيء للمريض، في أفريقيا يموت أكثر من مئتي ألف شخص في السنة نتيجة الأدوية المزورة بسبب عدم وجود أنظمة صحية تحمي المواطن الأفريقي في بلده، وفي لبنان هناك أدوية مزورة والظاهرة موجودة أما نسبتها فلا أحد يعرف لأننا لا نملك أرقامًا ونسبًا.
وردًا على سؤال كيف يمكن الحد من ظاهرة الأدوية المزوّرة في لبنان؟ يجيب مجدلاني:"99% منها تأتي من الخارج، وأول مستوى لمحاربتها هو التفتيش على الحدود البرية والبحرية والجوية، والمستوى الثاني يصل الدواء المزور إلى المريض عبر الصيدليات والمستودعات والمستوصفات ومراكز الرعاية الصحية الاجتماعية، لذلك يجب أن يكون هناك تفتيشًا دوريًا ومستدامًا على هذا المستوى أيضًا.
ولدى سؤاله الا تعتقد بضرورة وجود هيئات رقابة على الصيدليات والمستودعات والمستوصفات؟ يجيب مجدلاني:"الرقابة المفروض أن تكون موجودة، وهناك دائرة صيدلة في وزارة الصحة وهناك مفتشون صيادلة عيّنوا لذلك، وهناك تفتيش صيدلي أيضًا في نقابة الصيدلة ويجب أن يتفعّل، ولكن مع الأسف موضوع الرقابة يعرف إشكالية كبيرة على صعيد المؤسسات العامة وأجهزة الدولة، الرقابة شبه معدومة في وزارة الصحة وكذلك في الضمان الاجتماعي، لذلك هناك ضرورة لإعادة النظر في موضوع الأجهزة الرقابية لمختلف الوزارات.
وردًا على سؤال بأن موضوع تزوير الدواء قديم وبين فترة وأخرى يتفاعل هل سنصل الى وقت ننتهي منه ومن تفاعلاته؟ يجيب مجدلاني:"الحل الجذري لإنهاء موضوع الأدوية المزورة هو توسيع رقعة الضمان الاجتماعي الصحي كي يطال كل المواطنين، حينها نتخلص من الأدوية المزورة، لأنه لن يشتري أحد بعدها دواءًا رخيصًا.
ويتابع مجدلاني:"نحن نشجع على شراء الأدوية النظامية (جينيريك) ليست مزورة بل هي بالإسم العلمي للدواء وسعرها أرخص.