أثار انتشار مشهد قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع مع ليا خيرالله - المرأة السورية التي طلبت التقاط صورة معه فطلب منها تغطية رأسها - تساؤلات حول مستقبل حقوق النساء في سوريا وحرياتهن في ظل الحكم الجديد.

كما زادت تصريحات وزيرة شؤون المرأة في حكومة تصريف الأعمال السورية عائشة الدبس حين أكدت في مقابلة مع قناة تي آر تي التركية أن "مسؤوليات المرأة السورية وفطرتها وأولوياتها تتمثل بأسرتها وزوجها" والارتكاز على الشريعة الإسلامية في الدستور المقبل، لا سيما في ما يخص مسألة تولّي النساء مناصب في السلطة القضائية، مخاوف عديدة من المستقبل.

فهل تغيّر شيء في وضع النساء السوريات في مختلف المحافظات في ظلّ هذا الواقع الجديد، وماهي مخاوفهن، وهل هناك خشية فعلاً من خسارة حقوق تمتعن بها تحت حكم النظام السابق؟

"حالات فردية"

نساء سوريات يرفع العلم السوري الجديد في برلين، ألمانيا.
Getty Images
"الإقصاء ومحاولة التهميش ليس بالأمر الجديد علينا كنساء في مجتمعات ذكورية صرفة"

منذ سقوط حكم الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتولي هيئة تحرير الشام مقاليد الحكم في البلاد، تحدثت بي بي سي إلى عدد من النساء من مختلف محافظات سوريا، لا سيما المدن الكبيرة.

وعلى الرغم من أن النساء اللاتي تحثنا إليهن أكدن أن الأوضاع لم يتغير فيها شيء حتى الآن فيما يخص وضع النساء وحريتهن في الحركة واللباس، إلا أنهن شاركن بي بي سي مخاوفهن من مستقبل تطمح فيه النساء لدور أكبر للمشاركة في مجتمعاتهن.

في محافظة حمص - أكبر محافظات سوريا مساحة - تؤكد سحر أن الأخبار التي انتشرت في الأيام الأولى لسيطرة هيئة تحرير الشام حول تقييد حريات النساء "يمكن أن تكون حالات فردية كانت تتخوف من اسم الهيئة"، لكن في الواقع "لم يحدث حتى الآن أي أجراء منهجي" يمكن اعتباره تضييقاً على النساء وحركتهن ولباسهن.

وتوضح سحر في حديثها لبي بي سي، أن نساء حمص متفائلات من التغيير في البلاد، و "ينتظرن حالياً تحسّن الأوضاع المعيشية".

ومع التغيير الكبير الذي تشهده سوريا حالياً بعد سنوات من حكم الأسد، تحافظ حلب على تنوعها الذي اعتادت عليه، من "المنطقة المعتدلة في لباس المرأة، مروراً بمناطق العزيزية حيث تعيش الغالبية المسيحية، حتى حارات حلب الشرقية التي تتميز بلباس ساتر جداً"، كما تقول غفران لبي بي سي.

و ترى غفران - الناشطة في مجال الثقافة وفي مجال العملية التعليمية في المدينة - أنه "لا يوجد هناك أي فارق لافت في حياة المرأة السورية في ظل الإدارة السورية الجديدة"، وأشارت إلى المسيرات والاحتفالات التي أقيمت في حلب بعد سقوط الأسد، حيث كان "التنوع في اللباس" واضحاً، بالإضافة إلى "حلقات الدبكة، والرقص بين الشباب والنساء، من دون أي تغيير في أجواء المدينة التي تتميز بالتنوع الجميل".

لكن في الوقت نفسه، توضح غفران أن "هناك مخاوف كبيرة لدى المرأة في هذه المرحلة، وهناك الكثير من المخاوف القديمة أيضاً"، إذ أن "الإقصاء ومحاولة التهميش ليس بالأمر الجديد في مجتمعات ذكورية صرفة".

وتضيف أن تطلعات المرأة هذه الأيام "أصبحت أقوى وأكثر رسوخاً، إذ أن المرأة لم تعد كائناً مستكيناً صامتاً غير مهتم، بل إن المرأة السورية كانت عنصراً فاعلاً جداً في الثورة السورية، لذلك سيكون صوتها عالياً وقادراً على تجاوز الصعاب".

وتؤكد أن النساء السوريات والحلبيات خصوصاً "لن يرضين بشكل أكثر تحديداً بالتهميش والإقصاء، وسيظل صوتهن عالياً كحضورهن في شتى المجالات" على حد تعبيرها.

"لن تكون هناك سوريا دون مشاركة النساء"

أما في العاصمة دمشق، فتعتبر رغد، أنه لا يزال من المبكر إصدار حكم واضح حول وضع النساء، إذ أن سوريا "في مرحلة انتقالية، ومن الصعب التحقق من دور المرأة في الوقت الراهن".

لكن ومن خلال خبرتها وعملها في مؤسسة تضم نصف موظفيها من النساء، تقول رغد إن النساء واثقات تماماً من أنفسهن ومن دورهن الكبير الحالي والمستقبلي، وتعتقد أن "التركيبة الحالية ستتيح لنا دوراً مؤثراً جداً"، باعتبار أنه "لن تكون هناك سوريا من دون مشاركة النساء".

وتضيف رغد: "في بيئتي، يتم تقدير النساء، وخلال فترة الحرب أتيحت لهن فرص أكبر للتعلم والتطور، وأغلب النساء اللاتي أعرفهن حاصلات على أكثر من شهادة، ووصلن إلى مناصب عالية في أعمالهن، ومع ذلك، لا يمكنني تجاهل أنني أعيش في العاصمة، وربما في مناطق ومحافظات أخرى هناك تحفظ حول هذا الموضوع نتيجة الثقافة والعادات والتقاليد السائدة".

بينما ترى سلاف التي تقيم أيضاً في دمشق أن واقع النساء اليوم "ليس له اهتمام خاص بسبب الوضع الحالي وأولويات استقرار البلاد من حالة الفوضى"، وتضيف لبي بي سي: "منذ سقوط الأسد إلى الآن لم أسمع عن أي حادث عن فرض الحجاب أو تضييق معيّن سواء في مسقط رأسي درعا أو في مكان إقامتي دمشق، فلا أعتقد أن الأخبار عن فرض ارتداء الحجاب على النساء حقيقة، خصوصاً أنه تم نفي هذه التوجهات من الجهات المعنية، وطمأنة النساء".

وحول واقع النساء في ظلّ النظام السابق، ترى الشابة السورية أن "وضع النساء السوريات لم يكن آمناً في عهد الأسد، إذ كان هناك تهديد للنساء والرجال على حد سواء مثل الاعتقال، والتهجير، والإساءة، وحتى القضايا التي تخصّ النساء فقط لم يكن الوضع آمناً، فلم يعالج النظام مثلاً جرائم الشرف، فيما تبدو عقوبات التحرش والاغتصاب كأنها موجودة لتسهل الجريمة وليس لردعها، بالإضافة إلى غياب قانون لحماية القاصرات من الزواج" على حد قولها.

وتعتبر سلاف أن النظام السوري السابق لم ينصف المرأة في أي جانب، وفي الوقت نفسه "هناك تصالح مع التمييز الذي تعاني منه المرأة اجتماعياً ويتمّ تأويله دينياً، لذلك فإنه من الطبيعي أن يمثل وجود حكم ديني تهديداً للنساء" كما تقول.

امرأة سورية مع ابنتها إلى جانب مقاتل من هيئة تحرير الشام في شارع الشعلان في دمشق
Getty Images
"وضع النساء السوريات لم يكن آمناً في عهد الأسد، وهنا أتحدث خصوصاً عن المشاكل التي تعني النساء ناهيك عن التهديد المتعلق بالرجل والمرأة على حد سواء مثل الاعتقال والتهجير"

شمال شرق سوريا: بانتظار "التحرير"

نساء سوريات من تجمع للاحتفال بسقوط نظام الأسد، خلف مقاتل من هيئة تحرير الشام.
Getty Images
"نأمل في حدوث تغيير إيجابي على صعيد القوانين المتعلقة بقضايا المرأة، وضمان إنصافها في مسائل مثل الحضانة"

شمالاً، حيث مازالت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على المنطقة، تقول شيماء من الحسكة: "لم نستطع حتى الآن الاحتفال بالحرية".

وتراقب النساء في شمال شرق سوريا عن كثب ما يجري في المناطق الأخرى من البلاد، وتقول شيماء إن النساء يتطلّعن إلى "تحرير مناطقهن"، و"حدوث تغيير إيجابي على صعيد القوانين المتعلقة بقضايا المرأة، وضمان إنصافها" في جميع حقوقها.

بينما ترى نالين من القامشلي أن "التغيرات التي شهدتها سوريا، انعكست على واقع المرأة السورية في كل المناطق، التي أصبحت تترقب أي قرارات جديدة سواء في ما يتعلق بضمان استمرار حريتها الشخصية في الملبس وغيره، أو على صعيد التغيرات في هيكلية المؤسسات والهياكل الحكومية".

وتتساءل نالين عن مستقبل القوانين التي أقرتها الإدارة الذاتية في مدينتها، "مثل قانون الأسرة الذي يمنع تعدد الزوجات"، في حال التوصل إلى اتفاقات أو تفاهمات مع الحكومة الجديدة في دمشق، مشيرة إلى أن هناك قضايا مهم يجب طرحها خلال المرحلة القادمة وتطمح النساء السوريات إلى تعديلها، مثل قانون الجنسية الذي يمنح المرأة حق تمرير جنسيتها إلى أولادها وزوجها، والذي "سيُسهم في حل أزمة تعاني منها مئات السوريات اللواتي تزوجن من أجانب بعد عام 2011"، بالإضافة إلى حل مشكلة "نساء كرديات حُرمن من الجنسية لعقود طويلة ويُطلق عليهن لقب المكتومات".

"العديد من السوريات يفتقدن إلى الحقوق الأساسية"

سيدات يشاركن في قداس ليلة عيد الميلاد في كنيسة "سيدة دمشق" في العاصمة السورية دمشق.
Getty Images
"بالنسبة للتضييق العام على النساء، نعم ما يزال موجوداً لكن كان قبل شهر أصعب من الآن"

وتبرز مخاوف النساء السوريات من مستقبل حقوقهن في وقت يواجه فيه واقع النساء السوريات تحديات وعقبات كبيرة ومعقدة، لا سيما مع التغييرات السياسية والاجتماعية بعد سقوط نظام الأسد واستلام الإدارة الجديدة، مقاليد الحكم في البلاد كما تقول عضو الحركة السياسية النسوية السورية نبيهة الطه لبي بي سي.

وتشير الطه إلى أن هناك بالفعل "تقارير تشير إلى فرض قيود وقوانين أو تعليمات ترتبط بمظهر النساء، مثل نوعية الملابس"، إذ شهدت مدينة إدلب فرض قيود على الحريات الشخصية بما في ذلك طريقة لباس النساء وأماكن عملهن، وتوضح: "أنا شخصياً منذ أشهر تعرضت لموقف يتعلق بملابسي هناك".

لكن تؤكد الطه على ضرورة "التفريق بين ما هو صحيح وما هو مبالغ فيه، في بعض الحالات قد تكون الأخبار مبنية على إشاعات أو صور مفبركة أو حتى معلومات غير موثوقة وغير مؤكدة"، مشيرة إلى أن هناك منظمات محلية ودولية تتابع وضع النساء في سوريا بشكل دوري وتسلط الضوء على حقوقهن في التعليم والصحة والعمل والحرية الشخصية.

وترى الطه أنه وعلى الرغم من أن حالات التضييق كانت أصعب بكثير قبل شهر من الآن، إلاّ أن بعضها مازال موجوداً، إذ تعاني العديد من النساء "من فقدان الحقوق الأساسية"، بالإضافة إلى "عدم وجود نساء في أماكن صنع القرار والقيادة".

مواطنة سورية ترفع علامة النصر من ساحة سعدالله الجابري في حلب
Getty Images
"يقلقنا التوغل الإسرائيلي، ويقلقنا التسرع في عقد المؤتمر الوطني الذي كان يحتاج من وجهة نظرنا المزيد من التحضيرات ويقلقنا أن علينا مواجهة خسارات ١٤ عاماً من الحرب"

وحول المخاوف من خلفيات الإدارة الجديدة، أكدت عضو الحركة السياسية النسوية السورية خديجة منصور لبي بي سي، أنها "اجتمعت مع المحافظ والإدارة الجديدة في طرطوس دون وضع أي شيء على الراس، أو أي تغيير بمظهرها الخارجي"، وهو ما يؤكد عدم انتهاج السلطات الجديدة أي خطوات لإجبار النساء على شكل ولباس محدد.

بينما ترى عضو الحركة وجدان ناصيف أن ما تشعر به النساء السوريات حالياً هو "قلق طبيعي ومشروع" باعتبار أنهن مقبلات على مرحلة جديدة.

وأبدت ناصيف خلال حديثها مع بي بي سي مخاوفها من "التسرع في عقد المؤتمر الوطني الذي كان يحتاج إلى المزيد من التحضيرات"، معبرة عن أملها في أن يكون أي انتقال "لصالح شعبنا الذي أرهق كثيراً السنوات السابقة".

أما حول موقف الحركة على تصريحات وزيرة شؤون المرأة في الإدارة الجديدة عائشة الدبس، تقول عضوة الحركة السياسية النسوية السورية لينا وفائي: "لدينا احتجاج على كلامها، لكننا نثمن تسلم امرأة منصب حاكمة المصرف المركزي"، معتبراً أن "الأفعال أهم من الأقوال" خلال هذه المرحلة من تاريخ سوريا.