كتبت فيروز كراوية: يعيش مارسيل خليفة اغلب الوقت، مرتحلا بين القارات ليغني ويقدم موسيقى هي في نظره مشروع للتواصل بين الناس:quot;كان عندي وضوح منذ البداية انني لابد أن اكون قريبا من نبض الناس وتفاعلاتهم، في بحثهم عن سعادة ما، ان اشارك في تبديد هذا البؤس والألم، وإذا كان ثمة فرح فلا بد أن اساهم فيه.quot; يرى مارسيل أن الإلتزام هو مفهوم عام للحياة ولا يوجد فقط في الفن فكل شيء في الحياة نراه ونسمعه ونتحدث به عنده التزام حتى الأشياء المبتذلة والتجارية ولكنه يرى أن كل عمل يحتمل إمكانية كبيرة للتطور هو عمل ملتزم حتى لو لم يصرح بمفهوم سياسي متقدم:quot;سيد درويش فنان ملتزم بطبعه فى كل أعماله، محمد عبد الوهاب ولو لم يكن فنان ملتزم بالمعنى الحرفى لكنه قدم تطور وتجديد يندرج تحت إطار الإلتزام، لا يمكن ان اقول أن لدى ميلا سياسيا واتكل على هذا الميل السياسي ليضعني في مكان خارج النقد، ليقول الناس هذا فنان مع الناس والشعب والعمال بينما لا اقدم عملا جديا بالمعنى الفني وهذه مصيبة وشيء ضد الإلتزامquot;.
كنا نجلس معه وهو يشرب عصير المانجو المصري، يفكر معنا وينفعل ويتساءل، وببساطة شديدة يكتشف من يجالسه أنه على طول الترحال يعرف كل صغيرة وكبيرة حول واقعنا العربى ويعيش بتوتر همومنا الحياتية: quot;انا مواطن عربي ينوء بالحمل العربي ولكني ابحث عن نقطة ضوء في اي مكان، عن إضاءة شمعة صغيرة وسط ظلمة دامسة، فالغناء والموسيقى أشياء بسيطة بجانب مشروعات كبرى يجب أن تنفذ ،إنماء وتطوير المجتمع، إيجاد فرص عمل، التخفيف من الهجرة، الحرية، الديمقراطية، البحث عن الخبز بطريقة طبيعية، رؤية المختلفين عناquot;. هكذا ينساب وسط مطالب الناس ويتحد بها ويرى مصادر إلهامه غير منفصلة عن الحياة من حوله.
ولكن مارسيل يؤكد دوما أن المشروع الفني هو لغة قائمة بذاتها وأن تطوير الجوهر الفني من الداخل هو ما يعني الفنان:quot;على العمل الفني أن يكف أن يكون بوقا لأي علم أيا كان احمر أو أخضر أو اسود وهذا لا يعني أنه لا يحاكي قضايا إجتماعية ومتطلبات تواجهنا صباحا ومساء، تحصيل لقمة العيش، الحب، النضال، الإحتلال. لا اريد أن تشبه لغتي الفنية الخطاب السياسي وإلا فلأعمل بالسياسة. فى جزء كبير من أعمالي لم يكن هناك تصريح مباشر بموقف سياسي ولكنه كان دائما هناك، وإلا أين يمكن أن أضع أعمالا مثل موسيقى جدل أو تقاسيم أو شرق، كلها اعمال تحاكي لغة فنية في داخلها ثم تحاكى الناس بعد ذلكquot;.
لقد بدأ مارسيل منذ فترة طويلة مشروعا ممتدا للتأليف الموسيقي الذى يخلو من الغناء. وهو على عشقه للشعر الذي كون من أجله ثنائيا نادرا مع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش يرى أن للموسيقى حقا عليه، ويرى أيضا أن الجمهور متنوع جدا ومتذوق للموسيقى بطبعه فلماذا تظل الموسيقى العربية مرتكزة على الغناء فقط؟ مارسيل الذي قدم عديدا من الأعمال التي تنبع من تراثه وذاكرته كان يسعى إلى توصيل موسيقاه إلى أقصى حدود العالم، وقد تعامل مع الأوركسترا السيمفوني في عديد من الأعمال التي حملت طابعا شرقيا واضحا:quot;درست الموسيقى العربية والغربية معا، كنت اسمع المؤذن في المسجد القريب منا والكورال يرتل بالكنيسة واطرب لكليهما، يهزني بيتهوفن كما تهزني ام كلثوم، وعندما استعملت الأوركسترا لم يكن ذلك فقط بغرض استخدام التوزيع المعقد وتنوع الآلات الموسيقية بل لأقول إن موسيقى العرب تستطيع أن تتفاعل مع الرؤية العلمية والقواعدية لمفهوم الأوركسترا وهي جزء من موسيقى العالم. وقد حصلت على جائزة العمل الأول من أكاديمية تشارلز كروس في فرنسافي فئة موسيقى العالم لأنهم صدقوا محاولتي ولم يعتبروها تجريبا بل عمل فني مكتملquot;.
يعطينا الكثير من الوقت ولا يبخل بالتصريح، ويسألنا عن أخبارنا وأخبار مصر، فما يراه حوله لا يطمئن:quot; انا قادم إلى مصر يختلط عندي شعور فرح وسعادة كبيرة مع غضب وحزن في الوقت نفسه، تأتي لمكان هو في ذاكرتك يبرق بالشوارع الجميلة والأحداث الكبيرة وتحس ركودا كبيرا، لابد أن يرتاح المصريون أكثر ويعيشون كما النيل الهادئ الذي يهدر بكبر وعمق تاريخي كبير، مصر أنجزت الكثير من الإبداع وعليها أن تواصل، وليس عليها أن تقف مكتوفة الأيدي امام هذه الأزمات، انا مواطن عربي وعندما آتي إلى مصر فانا قادم إلى قلب عروبتي ويحزنني جدا أن أجد هذا القلب بحاجة لمضادات حيوية كى ينتعش ويعيد ضخ دماء جديدةquot;. لا يحزنه فقط حال مصر وإنما العالم العربي الذي تقسمه الصراعات الطائفية وتسوده الخطابات المتشددة وبالذات بلده لبنان:quot;مشكلة لبنان أن هناك نظاما طائفيا، يسمونه توافقيا، وهو نظام غير صحيح شكلته فرنسا قبل مغادرة لبنان، ركبوا البلد تركيبة طائفية، نحن لا ننتمي إلى لبنان، ننتمي إلى طوائفنا، كل من يعن له فعل جريمة يذهب لرئيس طائفته ليشرعنها له، من يحاولون إصلاح حال لبنان يريدون إعادته لتركيبته الطائفية، إذا هذه مساعدتهم فبالله عليكم لا تساعدونا، فليساعدونا لتغييرها إلى نظام علماني، ننتمي إلى الوطن ويذهب كل إلى كنيسته أو جامعه كما يشاء. رؤساء الطوائف لا يعنيهم الحل العلماني لأنهم أصحاب مكاسب من الوضع القائم وكل الأطراف في المنطقة تدعم طائفة ماquot;.
نودعه بعدما أثار برؤوسنا كل هذه الأفكار ومنحنا طاقة كبيرة للبحث عن التغيير والإستمرار في نضالنا اليومي من أجل حياة كريمة، وبعد أن أهدانا بطاقات لحضور حفله بدار الأوبرا حيث نفذت قبل أن نحصل عليها طبعا!!
شارك في الحوار: شاهر عياد وريم عوني
التعليقات