تُذكر سيرة ذاتية جديدة بحقبة اختفت منذ فترة طويلة، عندما أنقذ قادة الرؤية والنزاهة العالم حرفيًا.

إيلاف من بيروت: قبل سنوات، في غرفة اجتماعات ضيقة فوق شارع ماساتشوستس بواشنطن العاصمة، علق تشارلز هيل، الأستاذ في برنامج الاستراتيجية الكبرى في جامعة يال، قائلاً إن جورج شولتز، في نظره، كان أعظم وزير خارجية في تاريخ أميركا، وهو رأي كان من المؤكد أن يعترض عليه رجل أشار إليه ببساطة باسم "هنري".

وبينما لم يكن هيل، الذي شغل منصب المساعد التنفيذي لشولتز في وزارة الخارجية، بالضرورة المراقب الأكثر حيادية في ما يتعلق بمكانة شولتز في البانتيون الدبلوماسي، إلا أنه كان محقًا بالتأكيد. بمرور السنين وفتح الأرشيفات وتدفقات الكتب والمقالات، أصبح واضحًا أنه لولا تصميم شولتز العنيد، ربما لم تكن الحرب الباردة قد وصلت إلى خواتيمها السعيدة.

يقول جاك ماتلوك، السفير الأميركي في الاتحاد السوفياتي من 1987 إلى 1991، في سيرة حياة شولتز الجديدة التي ألفها فيليب توبمان بعنوان "في خدمة الأمة: حياة وعصر جورج شولتز" In the Nation’s Service: The Life and Times of George P. Shultz (504 صفحات، منشورات جامعة ستانفورد، 29 دولارًا)، إن وصف دور وزير الخارجية الستين بأنه "أساسي" في إنهاء الحرب الباردة سيكون "معتدلًا للغاية". يضيف: "لا أستطيع أن أتخيل تطور العلاقات مع الاتحاد السوفياتي بالطريقة التي كانت عليها لو لم يكن وزيرا للخارجية".

مع ذلك، قلة من المراقبين في السنوات الأولى لشولتز كانوا يتوقعون تحقيق هذه الأمجاد. جاء الخلل الوظيفي والغيبة والإجرام العرضي داخل جهاز الأمن القومي لإدارة ريغان بمثابة إيقاظ فظ لشولتز، الذي كان يتمتع بخبرة قوية ومتشددة في واشنطن، حيث شغل ثلاثة مناصب وزارية (مكتب الإدارة والميزانية والعمل والخزانة) خلال إدارة نيكسون.

زمرة متشددة ضد السوفيات

ليشق طريقه في السياسة السوفياتية، كان على شولتز أن يبذل جهدًا شاقًا للتغلب على معارضة زمرة من المتشددين المناهضين للسوفيات داخل الإدارة، بمن فيهم مدير وكالة المخابرات المركزية وليام كايسي، ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية روبرت غيتس، ووزير الدفاع كاسبار واينبرغر. وأكثر من ذلك، كان على شولتز أن يتعامل مع مكائد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون و "هنري " السالف الذكر الذي سعى إلى تقويض كل جهد بذله شولتز للمشاركة الدبلوماسية مع السوفيات. مع ذلك، كان الفارق بين شولتز ووكالات الاستخبارات ومستشاري ريغان الصقور هو أن شولتز كان يفهم ميخائيل غورباتشوف. بعد لقائه الأولب السكرتير العام السوفياتي الجديد، لاحظ شولتز أن "لدينا نوع مختلف تمامًا من القادة في الاتحاد السوفياتي عما شهدناه من قبل".

كان شولتز (بمساعدة كبيرة من نانسي ريغان) قادرًا أيضًا على الاستفادة من طبيعة ريغان وأقنع الرئيس أن غورباتشوف كان رجلاً يمكنه التعامل معه. وعلى مدار أربعة اجتماعات قمة في ثلاث سنوات، مهد ريغان وغورباتشوف الطريق لإنهاء سلمي للحرب الباردة التي استمرت أربعة عقود، وبلغت ذروتها في خطاب الأخير في 7 ديسمبر 1988 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كتب توبمان أن غورباتشوف أعلن نظامًا عالميًا جديدًا يحكمه "مبدأ حرية الاختيار". في الخطاب، أعلن غورباتشوف أيضًا انسحاب ست فرق من القوات السوفياتية من أوروبا الشرقية، مقرًا بمساهمة ريغان وأعضاء إدارته، "وعلى رأسهم السيد جورج شولتز".

كان أحد الانتقادات التي وجهت إلى شولتز، بحسب الكتاب، هو أنه كان أقل من مقاتل بيروقراطي ممتاز، ساذجًا أو سريعًا جدًا لتحية رؤسائه. يمكن المرء أن يجيب: وماذا في ذلك؟ إذا كان القتال البيروقراطي بالسكاكين هو مقياس الحنكة السياسية، فسنقوم ببناء تماثيل لدونالد رامسفيلد وديك تشايني في المركز التجاري الوطني.

صنع الأخبار

في بعض الأحيان، تبدو رغبة توبمان في صنع "الأخبار" من الكتاب قد جاءت على حساب قضايا أخرى أكثر صلة بإرث شولتز. في حين أن اتفاقية باريس لإلغاء نظام بريتون وودز للعملات الثابتة بعد الحرب تستدعي مجرد فقرة واحدة، فإن الحلقة الغامضة المتعلقة بمراجعة مصلحة الضرائب المستوحاة من نيكسون للعميل الديمقراطي لاري أوبراين تحصل على خمسة عشر صفحة. مع ذلك، مؤكد أن تداعيات الحدث الأول كانت أكثر أهمية من الثاني.

وتلاحظ الباحثة راديكا ديساي، في العقود التي تلت الاتفاقية "أصبح الدولار معتمداً على سلسلة من عمليات التمويل، أو سلسلة من التوسعات في النشاط المالي البحت، بحيث لا يجذب الدولار للاستخدام الاقتصادي العادي، للاستخدام التجاري"، وما إلى ذلك، من خلال التوسع الهائل في الطلب المالي على الدولار. وهذا هو السبب في أن عصر هيمنة الدولار المزعوم هذا كان أيضًا عصر الأزمات المالية المتكررة.

مؤكد أن استكشاف إيمان شولتز الأعمى بقوة "الأسواق" والوعد المتأصل بـ "العولمة" تستحق تدقيقًا أكبر من العلاقات المؤسفة التي تربط شولتز بوادي السيليكون. كل هذا يعني أنه إذا كان هناك ضعف في كتاب توبمان، فهو أنه يتعامل أحيانًا مع القضايا التي تعتبر عرضية لإرث شولتز على أنها مركزية، على حساب القضايا الأهم. لكن، بالنظر إلى السلسلة الطويلة من الأيديولوجيين التي خلفت شولتز، فإن هذا الكتاب تذكير في الوقت الملائم بحقبة اختفت منذ فترة طويلة، عندما احتل الدبلوماسيون ذوو الخبرة والرؤية والنزاهة الطابق السابع من وزارة الخارجية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها جيمس كاردين ونشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" الأميركي