منحدر جديد سقطت فيه الاسرة العربية.. فقد أقدمت سيدة ـ لا تهمنا جنسيتها وإنما انتماؤها العربي هو المهم ـ على بيع زوجها لزوجته الثانية بتسعمئة دولار فقط لا غير، قائلة: انه لا يساوي غير ذلك.. وانها ارتاحت من عذاب السنين.
ربما تكونون قد سمعتم قصتها.. ولمن لم يسمعها أختصرها له: السيدة تزوجت وفقاً للتقاليد من قريبها المزارع بعد ان رفضت اسرتها طبيبا تقدم لها.. لان القريب أولى من الغريب.. عاشت مع القريب في مزرعة صغيرة يملكها راضية بقسمتها ونصيبها.. كافحت معه صعوبة الحياة وقسوة الايام..
كانت تمنع اللقمة عن فمها حتى تجمع النقود لتبني لها بيتا تشعر فيه بالدفء والسترة الكاملة.. وبعد سنوات عجاف تمكنا من بناء بيت لهما.. وبدت سعيدة حتى جاء ذلك اليوم (بعد سبع سنوات من الزواج) الذي أخبرها فيه ان زوجة جديدة ستأتي إلى البيت وعليها أن تدبر أمرها وتفسح للضيفة الجديدة مكانا.. استجارت بكل من حولها ولا فائدة.. استنجدت بأهلها ولكن لا حياة لمن تنادي.. وجاءت الزوجة الجديدة لينقلب البيت إلى جحيم..
عانت الأمرين من جحود الزوج ومنغصات زوجته الجديدة التي لم تقصر في الكيد لها وإذاقتها المرار ألوانا.. وفي النهاية لم تجد بدا من أن تبيع زوجها لضرتها (غريمتها) بتسعمئة دولار!! وترتاح من عذابها.. فأصبح زوجها لا يسأل عنها ولا عن أولاده منها الذين دفعوا ضريبة غيرهم.. وأصبح كل اهتمامه موجهاً لزوجته التي اشترته بحر مالها.. ورغم البيع الاجباري فقد اعلنت أم العيال على الملأ انها تعيش سعيدة الآن ومرتاحة البال.. رغم ان زوجها يرفض ان يمنحها ورقة الطلاق لترتاح نهائياً.
هذه السيدة لم تكن الأولى عالميا.. لكن ربما الأولى عربياً التي تخلع نفسها بلغة البيع والشراء المباشر.. فمن قبل اضطرت سيدة فيتنامية فشلت في اقناع زوجها بالتخلي عن صديقته الشابة للموافقة على بيعه للأخيرة مقابل 7.5 ملايين دونغ 516 دولارا، وقالت صحيفة "ثان نيان" الحكومية: ان الصديقة الشابة دفعت المبلغ على الفور الى الزوجة الغاضبة وتوجهت إلى منزلها بصحبة الزوج.. واضافت الصحيفة: ان الزوجة التي باعت زوجها تعيش الان وحيدة في مقاطعة دونغ ناي الجنوبية.
شكل جديد من أشكال التصدع ظهر على الأسرة العربية جراء العولمة التي ننجرف إليها بلا وعي وبلا أي محاولة للتوقف.. بل إن من يحاول أن يتوقف يجرفه التيار القوي فأصبح لا حيلة له ولا قوة سوى الانحدار مع التيار حتى تأتيه ساعته ويلقى قدره المحتوم.
هذه هي العولمة ونتائجها الوخيمة على الاسرة العربية التي كانت مسالمة تعيش في أمان الله تنعم بالهدوء وتقتات البساطة وتشرب الراحة وترتوي من السعادة وتشد أزر نفسها بالتماسك والتكاتف والتعاطف والوئام.
الأسرة العربية الان مسحت العولمة عقلها وجعلتها مسخا مشوها.. بعد أن نخر سوس الثقافة الغربية في عاداتها وتقاليدها ونمط تفكيرها.. والذي جعلته الفضائيات مثل "النمل الأبيض".. يصعب مقاومته إن تسلل إلى أي بيت.. فهو ينخر في الاساس.. وقد لا يدري أهل البيت به حتى يفاجأوا بانهيار البيت.. ويعتقدوا ان الانهيار حدث فجأة.. لكنه في حقيقة الامر حدث منذ تسلل ذلك السوس إلى أساس البيت.. الذي هو الاسرة في مجتمعنا العربي.
الأم.. وهي الزوجة.. والتي يضرب بها المثل في الحنان والرقة والشفقة والضعف.. اصبحت في عالمنا العربي تقتل الزوج وتمزقه وتضعه في أكياس تلقي بها في عرض الطريق دون ان يهتز لها جفن.. واصبحت تبيع أبناءها.. وها هي تبيع زوجها.. وغداً... لا ندري ماذا سيحدث؟ .. انها مأساة زرعتها في الاسرة العربية الفضائيات التي تقدم كل يوم جرعات هائلة من الثقافة الغربية المتمثلة في العنف والجنس..
فأصبح العري وما حوله مشهدا عاديا.. وتبعاته مشهداً لا يخجل اي رب اسرة أو ربة بيت أن يحدقا فيه حتى أمام الاولاد الصغار.. واصبحت مناظر الدماء والقتل والاشلاء عادية بعد ان كانت تقشعر لها الأبدان.. واصبح الشك ينتاب كل أسرة عندما يبتسم الزوج لذكرى بريئة مرت بخياله.. وكلمة عابرة قالتها زوجته.. اجتماع الاسرة حول مائدة الطعام اصبح مستحيلاً نظراً لظروف الحياة وتقلبات العصر ووجود التلفزيون الذي يمنع التواصل بين افراد الاسرة ..
وان حدث واجتمعوا فإن وجودهم يخيم عليه الصمت الذي يعني عدم الرضا، فالبنت تريد قناة الاغاني.. والولد يريد مشاهدة القنوات الرياضية.. والأم تريد أن تشاهد برامج الطبخ وعروض الازياء. والاب يريد ان يشاهد الاخبار.. فإذا التقوا تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.. فلابد أن يعتري الاسرة الضعف والتشتت.. ثم التمزق.. ثم البيع الفوري.. لان التمزق والتشتت إنما هما في حقيقتيهما بيع آجل!
زوجة تبيع زوجها "برخص التراب" كما يقولون.. لماذا؟ .. لماذا تزوجت رغم انفها من البداية؟ .. ولماذا لم يتحرك لنجدتها احد مع انها تدفع ثمن خطأ غيرها؟
لماذا تتحمل الزوجة دائما اوزار الزوج وتدفع الثمن غاليا بينما هو يستمتع بنزواته .. وهي تكتوي بنار تحرق قلبها وكبدها وسعادتها؟ .. لماذا تكون المرأة دائماً هي "الحيطة المايلة" كما يقولون.. أو الغسالة "الفول اتوماتيك" التي عليها ان تغسل غسيل الزوج الـ (....) وعليها ان تجعله رغم انفها اكثر بياضا؟.. دون ان تشكو أو تئن!..
أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة.. وبعدها نتعجب من زوجة اشترت حريتها وكرامتها وسعادتها وراحتها بالبيع المباشر وامتناع الوسطاء!!.. ومادامت المأساة قد بدأت فعلينا ان نتوقع تواليها وتوابعها.. وعلينا ان ننتظر المزيد.. ولا استبعد أن نجد غدا صندقة (كشك) على قارعة الطريق لبيع الازواج الذين يخونون زوجاتهم كما يحدث مع البطيخ والبارد.. وأقول صندقة وليس محلاً محترماً لأن هؤلاء الأزواج لا يستحقون ـ في رأيي ـ أفضل من صندقة.. وقد يستبعد البعض أن يحدث هذا وأسألهم: وهل كنتم تتوقعون يوماً أن تبيع امرأة زوجها بهذه الطريقة؟!
وإلى أن يتم انشاء الصندقة أو افتتاح محل "سوبر ماركت" أو مكتب وساطة قانونية أو "حراج" لبيع الازواج.. اتمنى أن أجد إجابة للسؤال الذي يؤرقني دوما: لماذا وإلى متى تستمر الزوجة في دفع فاتورة أخطاء وأوزار ورزايا زوجها؟!!!
أفيدوني أفادكم الله.
*البيان الإماراتية