في لقاء الأمير خالد الفيصل مع قناة العربية الأسبوع الماضي تحدث عن مفهومين لما نشاهد من إرهاب، فهناك إرهاب تكفيري وإرهاب تخديري، أي استخدام المفاهيم الإسلامية لتخدير الناس من اجل أن يحل بهم الإرهاب فيذبحوا بعد ذلك بدم بارد.
ولعل استسلام أبو سليمان المكي في الأسبوع الماضي قادما من إيران يطرح الكثير من الأسئلة للنقاش الجاد، فخالد الحربي الرجل المقعد الذي ظهر للعالم فجأة بعد انهيار البرجين في نيويورك ليقول على الملأ، ويشاهده ملايين الناس على شاشات التلفاز، انه جاء لتهنئة ابن لادن على فعلته ومباركته على نجاحه في قتل آلاف الأبرياء، سواء في البرجين أو في مبني وزارة الدفاع الأميركية، أو في الطائرات المختطفة المكتظة في صباح الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر.
وأن ( العجايز و الشيبان يلهجون بالثناء على العمل الفذ)، ثم يعود نفس الشخص ليقول للعالم من جديد، انه قدم إلى الوطن بسبب العفو المعلن عن الخطيئة، ولهج بالشكر من جديد ،بعد ابن لادن، إلى ولاة الأمر. لعل في هذه الشخصية المزدوجة أحد مفاتيح ما نحن بصدده من مناقشة لمثل من يسير في هذا التيار، فهذا العمل ان تحول من تكفيري إلى تخديري، أصبح أكثر خطورة، ولن ينتهي هذا العبث الكلامي و السطحي إلا إلى تعطيل قدرات امة تواجهها التحديات، وهي تحاول أن تلحق بالركب العالمي للتقدم.
نيابة عمن تحدث خالد الحربي عندما هنأ ابن لادن على العمليات الانتحارية؟ وعن أي رجال (شيبان) وعن أية نساء ( عجائز) يتكلم، وترى من فوضه أن يقدم باسمهم كل ذاك المديح على فعل هو قتل صريح للأبرياء، دون أن يكونوا قد جنوا ما يستدعي ذلك العقاب الفج والبدائي؟.
لا أحد فوض خالد الحربي مباشرة أو مداراة، غير خيال مريض له علاقة بقرون مضت ولا ينتمي إلى الواقع الحالي الذي تعيشه الإنسانية، خيال محشو بالأساطير و الخرافات.
ان كان يتكلم عن أناس لا نعرفهم فله الحق في ذلك، أما ما نعرف فان الكثيرين يستنكرون بشدة أن تزر وازرة وزر أخرى، ترى ما هي المرجعية التي يستند إليها خالد الحربي في تهنئته تلك، غير مرجعية القتل العمد، مع سبق الإصرار لاستهداف آدميين عزل، وتلك مرجعية عمياء لا تفرق بين الفعل ونتائجه، ومردوده على الناس و البشرية وبني جلدته.
ان كانت خلفية التهنئة، وهو افتراض، ما يفعله الإسرائيليون في أهلنا في فلسطين، فان الرد بهذا الشكل وبذاك المنطق، قد زاد من آلام الفلسطينيين ولم ينقصها، فقد اعتبرت دولة إسرائيل والعالم معها أن قتل الناس عشوائيا هو ( إرهاب) واستفادت من الفرصة الذهبية التي هيأها ابن لادن ومجموعته، بما فيها تهنئة خالد الحربي، كي تشن عدوانا أكثر ضراوة وأوسع عنفا على الفلسطينيين الذي أصبحوا يعانون ضعفي العذاب،ويشردون من ديارهم بمباركة العالم.
أما إن كانت أميركا هي المقصودة، فان ردة الفعل منها التي نراها حتى اليوم ، وقدرتها في السنوات الثلاث السابقة و السنوات اللاحقة على الدفاع عن نفسها، هي في ازدياد مع وضع ثقافة العرب المسلمين في موضع الشك ووجودهم في بلدان المهجر في موضع التذمر.
ولعل البعض يتذكر المناجاة التي تمت بين الحربي وابن لادن، حيث ذكر الأخير (رؤيا) لشيخ ما رأي فيها انهيار البرجين مسبقا رؤية العين، وتمحور عقل الرجلين على (رؤيا) في الوقت الذي يبحر العالم فيه بكل قوة إلى آفاق رحبة من التطور التقني و الفني لا يحدها خيال!!.
إذا كان الموضوع الفلسطيني أو غيره هو هاجس الحربي ومن يساند رؤيته، فإن الطريق أوضح من أن يُعرف، انه طريق العلم الحديث الى اليقين و التنمية و الكرامة الوطنية ، وليس رؤيا الأحلام في المنام، انه مناطحة المختبرات الحديثة و السباق العلمي، و المساهمة في تطور البشر، لا العيش في الكهوف، وحتى هذه الكهوف تحتاج لحمايتها إلى سلاح لم يساهم أحد من أصحاب الرؤيا في تطويره، إن ما نحن بصدده هو عقلية قريبة إلى البدائية قد تتقن القتل العشوائي، وهو سهل جدا، ولكنها لا تتقن البناء وهو الأصعب و الأشق.
لا أعرف إن كان خالد الحربي( وأنا أشير إلى الرمز هنا وليس الشخص) يعرف ما وصلت إليه إسرائيل من تطوير للعلم في مجالات كثيرة، وهو الذي يصطاد اليوم بنتائجه أهلنا في فلسطين، وهو الذي يدر على إسرائيل بلايين الدولارات من الهند و الصين ذات العدد السكاني الضخم، ومن أماكن أخرى من العالم، وليس الرؤية المنامية و الضرب في الأساطير والإغراق في الخرافات، ولا أعرف إن كان قد سمع بمعهد وايزمان للتقنية أو بتطوير المؤسسات هناك، وجميعها أدوات حديثة تسخر لخدمة الأهداف الإسرائيلية،وبها لا بغيرها تقهر أهلنا هناك،لا برؤية أو خيال.
ما هو مطروح اليوم في الواقع هو مناقشة جادة للفكر الذي يتستر وراء اطروحات تراثية ولا أفضل من وصف الأمير خالد الفيصل الصريح لها في قناة العربية حيث قال ان أقوى عناصر المواطن السعودي هي اضعف نقاطه، وهو يعني ذلك الخط الرفيع بين الحث على العلم و العمل والايمان بالتطور وتوسيع المعقول من المنقول، وبين توسيع ظواهر الخرافة ولوم الآخر، والاعتداء على الخلق، وسفك الدماء دون تمييز، ودون اجندة عقلانية، كل ذلك تحت مظلة الدين وهو من أعمالهم براء، فلا يستوي الدين الذي يحض على العلم وينبذ الجهل مع دعاوى جاهلية للقتل و التخريب، يقوم بها التكفيريون، ويهيئ لها التخديريون.