الإثنين: 17. 10. 2005

لن يطول الأمر حتى يصبح تدخل الأمم المتحدة أمراً لازماً من خلال تشكيل محكمة دولية تحاكم كل من يصدر فتوى أو مقالاً أو خطاباً يؤيد الإرهاب ويحض عليه. وهو أمر ولا شك جيد, حيث سيساق أمثال هؤلاء المجرمين من رجال الدين وأشباههم إلى هذه المحكمة الدولية لتتم معاقبتهم. لكن من سيعاقب الدول التي تضع القوانين المقيدة للحريات وتضع المثقفين في السجن لمجرد أنهم انتقدوا موضوعاً دينياً أو فترة تاريخية معينة? ومن الملاحظ أن جميع الدول العربية والاسلامية لديها تشريعات وضعية تزعم من خلالها حماية الدين وملحقاته من أشخاص وتاريخ, وهي حالة خاصة بالمسلمين فقط, إذ لا يعرف عن أي دولة تبنيها لدين محدد, أي بشكل رسمي, أنها تتصرف بمثل هذا السلوك الهمجي الذي نراه في البلاد العربية تجاه الكتاب والمثقفين, فالدول العربية التي تعد الإسلام الدين الرسمي للدولة في دساتيرها, تضع تشريعات بزعم حماية الدين, تضم عقوبات متشددة ضد كل من يكتب نقداً للنصوص الدينية أو الشخوص التاريخية. وهذا الاسلوب ضد المثقفين يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, والذي نص على حرية التعبير.
الدول العربية التي تمارس هذا الاستبداد لا تزال بمنأى عن أي عقوبة بحجة السيادة الوطنية, لكن قرار مجلس الأمن (1559) الذي أجبر سورية على الخروج من لبنان, وبموجبه سيتم تجريد الميليشيات المسلحة مثل حزب الله, من السلاح لكي ينعم لبنان بالاستقرار بعيداً عن أي تهديد, هذا القرار أصبح مدخلاً دولياً فرض حق المنظمة الدولية للتدخل في الشأن الداخلي للدول الأعضاء, وهو منهج جديد في أسلوب عمل المنظمة الدولية لم يكن معهوداً من قبل, بدليل أن الوجود السوري في لبنان قد مضى عليه قرابة الثلاثين عاماً. وهذا التدخل الذي أيدته الولايات المتحدة وفرنسا, ودعمه القرار الدولي الخاص بهذا الشأن, يطرح على بساط البحث أهمية, بل وضرورة تدخل القوى العظمى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من أجل حماية حقوق الشعوب والأفراد في العيش بكرامة وحرية, فالأقليات الدينية والعرقية تعاني من الظلم والاضطهاد, وكذلك بعض الشعوب, كما هو حال الشعب العراقي قبل تحريره من نظام البعث الديكتاتوري, وهناك المثقفون الذين لم يلتفت إليهم أحد إلى الآن.
هؤلاء »المثقفون« يعانون الأمرين من نظمهم السياسية, ويعيشون في ظل قوانين قمعية حيث يتحكم النظام السياسي في حق حرية التعبير, بل وجميع الحريات الفكرية, وحيث يتعرضون للإذلال في أروقة النيابة العامة وقاعات المحاكم, وتوقع عليهم الغرامات وأحكام السجن بسبب ما يبدونه من آراء, كما تتدخل الأنظمة في السماح بالكتب ومنعها بحيث أصبح لزاماً الآن حدوث تدخل دولي على غرار ما حدث بالنسبة للوجود السوري في لبنان, ولابد من صدور قرار دولي من مجلس الأمن بانشاء هيئة رقابية قانونية دولية تراقب أوضاع الحقوق الفكرية في الدول الأعضاء, وأن توضع لائحة بأسماء الدول التي تنتهك حرية التعبير والرأي, وأن تخضع هذه الدول للرقابة المستمرة دولياً من خلال تقارير دورية, وإرغام هذه الدول على تغيير قوانينها حتى تتلاءم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, ثم فرض عقوبات دولية على الدول التي لا تلتزم بذلك, أو تلك التي يتواجد في سجونها سجناء سياسيون أو سجناء رأي.
لقد حان الوقت لكي يتم تصنيف الدول المارقة على القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وذلك حتى يتنسم المثقف نسيم الحرية, بعد كل هذا الغياب للحريات, وقد أثبتت التجربة أن هذه الدول تخاف ولا تستحي, فضلا عن هشاشة نظمها القانونية المستبدة. لقد آن الأوان أن يتقدم المثقفون العرب الذين يعيشون في الغرب باقتراح يتضمن حماية المثقفين الذين ترغمهم ظروفهم على البقاء في أوطانهم, وذلك من خلال الأمم المتحدة.

كاتب كويتي