منصور الجمري
في مقال الأمس تم التعرض إلى اختلاف الطروحات التي تتحدث عن سبل التحول نحو الديمقراطية، وفي هذا المقال ننظر الى بعض معالم التجارب الناجحة في التحول نحو الديمقراطية، ومن تلك المعالم مفهوم تطبيق laquo;حكم القانونraquo; مقابل laquo;حلحلة الخلافاتraquo;.
من الناحية النظرية، فإن الدولة وأجهزتها يتوجب عليها تطبيق حكم القانون لكي تستقيم الأمور. وتطبيق القانون يستوجب تنفيذ الإجراءات الرسمية، وقد يكون من بين تلك الاجراءات استدعاءات من النيابة العامة، وتحقيق، وفتح ملف، إلخ. على ان هذا الموضوع المهم لا يمكن له ان ينجح مباشرة من دون ان تكون هناك مقدمات، ومن أهم تلك المقدمات هي laquo;حلحلة الخلافاتraquo; مع الأطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع.
فلكي ينفذ القانون فإنه يجب ان تبعد الشوائب العالقة بالبيئة المحيطة بالقانون. ومثال على ذلك ما قام به عاهل المغرب الراحل الملك الحسن الثاني عندما دعا أطرافاً فاعلة على الساحة وجلس معهم وتوصل الى خطوط عريضة تمكن من خلالها اشراك هذه الاطراف (وبعضها كان يستخدم العنف ضد النظام)، ومن ثم تحرك لتفعيل الاصلاحات داخل المجتمع. وعندما تسلم ابنه الحكم اتخذ خطوات أكثر جرأة وأزاح عدداً من العقبات التي كانت تحول أمام تنفيذ بعض الاصلاحات التي رأت الأطراف الفاعلة ضرورة اتخاذها من أجل ان تتحرك الأمور الى الأمام. وفي المغرب، تمكن النظام أيضاً من استقطاب إحدى أهم الجماعات الاسلامية (العدالة والتنمية)، وهذا وازن الأمور مع الفشل في استقطاب الجماعة الاخرى (العدل والاحسان). ولكن المهم ان طرفاً فاعلاً في الشارع الإسلامي المتحرك دخل اللعبة السياسية، وهذا الطرف لايمكن التشكيك في صدقيته داخل المجتمع، وهذا بحد ذاته يسهم في دعم الأمن والاستقرار.
في شمال ايرلندا التابعة للمملكة المتحدة، فقد ازدادت الامور سوءاً في الثمانينات من القرن الماضي في عهد رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر عندما أعلنت ذات مرة laquo;يقولون انه لاتوجد مقولات مطلقة في السياسة، ولكنني اتحدى ذلك وأعلن أننا لن نتحاور مع الجيش الجمهوري الايرلندي مطلقاًraquo;. السنوات القليلة اللاحقة أثبتت فشل ثاتشر في ذلك، وعندما وصل حزب العمال الى رئاسة الوزراء في 1997 قام رئيس الوزراء الجديد طوني بلير بـ laquo;حلحلة الخلافاتraquo;، ودعا الى مقر رئاسة الوزراء قادة حزب الـ laquo;شين فينraquo;، وهو الجناح السيلسي للجيش الجمهوري الايرلندي. والاكثر من ذلك فإن بلير اعترف بدور مباشر للولايات المتحدة الاميركية (لأن الجالية الايرلندية في أميركا هي التي تتبرع بالأموال الضخمة للحركة الايرلندية)، واعترف بدور مباشر لجمهورية ايرلندا (الجزء الجنوبي من ايرلندا الذي استقل عن بريطانيا في العشرينات من القرن الماضي). وعلى رغم أن المشكلات استمرت الى فترة، فإن إصرار بلير على طريقته في laquo;حلحلة الخلافاتraquo;، أدت الى ان تتحول ايرلندا الشمالية الى بلد مستقر أمنياً، وحالياً ينمو اقتصادياً بسرعة، والعملية السياسية أكثر شمولا.
وفي البحرين فإننا بحاجة الى ان تكون الأطراف المؤثرة في الساحة طرفاً مباشراً، وان تباشر الهيئات العليا في laquo;حلحلة الخلافاتraquo;. فالمؤشرات الحالية تقول إن جمعية الوفاق ستشارك في الانتخابات النيابية المقبلة، ولكن هذه المشاركة ينبغي ان تكون من laquo;القلبraquo;، وليس بسبب laquo;الاضطرارraquo;. فالمضطر ربما يكون مضطرباً نفسياً، وهذا سيؤدي إلى اضطراب العلاقة مع الهيئات الرسمية.
ما نستفيده من التجارب الاخرى هو ان السياسة ليست فيها laquo;مطلقraquo;، وكلها أمور laquo;نسبيةraquo;، والجهات العليا في البحرين تصرف الكثير من الجهود لتكوين تحالفات مع هذا الطرف أو ذاك، ولعل أحد الأطراف الذي يجب ان يكون laquo;طرفاً مباشراًraquo; في laquo;حلحلة الخلافاتraquo; هي laquo;الوفاقraquo;، تماماً كما فعل طوني بلير مع laquo;شين فيraquo;ن. وبلير استطاع ان يحرج حزب الشين فين كثيراً عندما أثبت للاميركان وللايرلنديين وللمراقبين بأن الحزب الذي يمثل الشارع المتحرك هو الذي يخل بالاتفاقات لأنه يخاف من الجناح المتطرف بداخله. وبسبب هذا الاحراج تراجع حزب laquo;شين فينraquo; عن مواقفه التي كانت تقف عقبة أمام استقرار شمال ايرلندا... وتغيرت الأمور كثيرا.
لا أعتقد بأن ما حدث في بلدان أخرى باتجاه laquo;حلحلة الخلافاتraquo; يصعب تنفيذه في البحرين، هذا البلد الصغير الذي يتميز أهله بالطيبة والتسامح والقبول حتى باليسير... إنني من الذين يدعون الى مد يد التعاون مباشرة بين الجهات العليا في الدولة والقادة المعتدلين والمؤثرين في الشارع السياسي المتحرك. واذا كانت الدولة لم تتعود على فتح القنوات مع جمعية سياسية فإن ذلك لا يمنع ان تفتحها مع شخصيات، على رغم انني اعتقد بأن هذا يعني الابتعاد عن المؤسسية، وهو أمر لاينفع على المدى البعيد. حفظ الله البحرين للجميع.
التعليقات