الرأي الأردنية: الجمعة: 10 ـ 06 ـ 2005
في هذا العام وفي هذه الايام، اثار الصحفيون والكتاب ذكرى مرور (57) عاما على النكبة، ومرور (36) على النكسة، وما بعد النكبة وما بعد النكسة ذكريات اخرى تستحق التوقف كذلك، مثل ذكرى حريق الاقصى، وذكرى جريمة الحرم الابراهيمي، وقبلها قبية وقباطية ودير ياسين، ومسلسل من الذكريات لا يتوقف، ويصاحب هذا التاريخ من الدم نقاط مضيئة، بلا شك، ثورة القسام والحسيني وانتفاضة (87) وانتفاضة الاقصى، وغيرها.
كل هذا التاريخ من الاحداث التي لا تنسى، والتي تشكل معالم مرحلة مهمة وخطيرة من تاريخ هذه الامة، اود ان نقف على شيء جامع ليس محلا للخلاف وهو: «حق العودة».
* «حق العودة» حق اصيل ومقدس، تقره كل شرائع الارض والسماء، وتنص عليه كل المواثيق الانسانية والدولية قديما وحديثا، ويصلح ان يكون محور الخطاب السياسي والتفاوضي على جميع المستويات، في القاعدة والقمة، ويجب عدم نسيانه او التغاضي عنه، او محاولة التقليل من اهميته، لانه بالاضافة الى ما سبق، يمثل اشواق الفطرة الانسانية المجبولة بحب الديار والاوطان، ولن تستطيع قوة في الارض نزع هذا الجذر الفطري المتكون في اعماق النفس البشرية، مهما كانت محاولات التدليس والخداع والتضليل العالمي.
* «حق العودة» يمثل مصدر الهام ادبي، يصيغ الوجدان، ويبني رصيدا من المشاعر المتراكمة عبر الاجيال، التي تشكل ذاكرة شعب تحفظ وجوده وحاضره ومستقبله، وحق العودة ينبغي ان يمثل ارضية ثقافية صلبة لصياغة مناهج تربوية وخطط سياسية للقوى والاحزاب السياسية، وخلفية حية لتنشئة جيل من القيادات المستقبلية التي تقود شعوبها نحو تحقيق هدف اصيل لا تمحوه السنون مهما طالت وامتدت، ولا تعفو على اثره كل محاولات الضياع والتيه والغربة والهجرة.
* «حق العودة» يتعزز بالمعاناة والجراح والشهادة، ويزداد رسوخا وعمقا في الاجيال القادمة، وان تبدل الاجيال وموت الكبار والقادة، وذهاب الاجداد والجدات، لا ينسي هذا الحق، لانه ينتقل بالدم ويسري سريان الروح، ويتوهج في عتمة الليل امام أعين الجماهير الممتدة على ساحة الالم الواسعة عبر افاق الارض كلها..
* «حق العودة» والتمسك به، يمثل معيار الوطنية الحقة، والانتماء الاصيل للعقيدة والامة والوطن، ويمثل معيارا للخط السياسي الصحيح وفرقانا بين الحق والباطل عندما ينظر في الافعال والتصرفات ويستمع الى الاقوال والخطابات والتنظيرات.
فمن كان كلامه وخطابه وحديثه يصب في مصلحة «حق العودة» وتأصيله، وصيانته وبنائه وتعزيزه، والتذكير به، وجعله قاعدة فكرية يبني عليها نظرته المستقبلية، فهو وطني اصيل، ومناضل شريف، يصلح ان يتسنم مواقع القيادة والريادة، وان تفسح له المنابر في مخاطبة العامة وبناء الاجيال.
ومن يحمل هذا الهم يصلح ان تفسح له الصدور، وان يحاط بعميق المودة، وتربط معه وثائق الاخوة ووشائج القربى، ونقاط الالتقاء الفكري والنضالي بكل الوانه واشكاله، وان يؤثر على النفس ولو كان بها خصاصة.
لا يستطيع احد ينتمي الى المجتمع الانساني، فضلا عن روابط الاخوة والعقيدة والدم والعشيرة، الا ان يقف مع وأمام وخلف من رهن نفسه للنضال والجهاد والكفاح المتعدد الاوجه الصحيحة، السلمية والعسكرية من اجل تحقيق العودة الى «الارض والديار» ومع كل من جعل من «حق العودة» منارة هادية للاجيال القادمة وعلامة فارقة على نمطط الحياة ولون المعيشة.
وفي مقابل ذلك تتضح الصورة بكمالها ووضوحها ونقائها، والضد يظهر حسنه الضد، فكل من يخدش الوحدة الوطنية، او يسيء الى روابط الاخوة، ويثير الفتنة، ويقطع الاواصر والارحام ويفسد في الارض، بخطاب سياسي مشبوه، او كلمات ومصطلحات مريضة، تنقصها الحكمة وتعوزها الكياسة وتخلو من السياسة ، فضلا عن الوطنية الصادقة، والانتماء العقدي السليم، فيجعل العرب عربين، والشعب شعبين، وينفث السم ويغرس الاحقاد فهو يحصد الشوك والهشيم، ويمارس التناقض بكل وضوح مع نفسه وفكره وخطابه ووجوده.
وفي الختام نحن مع اصحاب الحق، وجند الحق، جميعا بلا استثناء، نحيا معا ونموت معا، يختلط الدم بالدم، ويضمنا قبر جماعي واحد في طريق توصيل الراية للاجيال القادمة، ولكننا نختلف ونفترق عندما يتحول النضال وبوصلة الطريق نحو حقوق منقوصة ورايات جاهلية تبدد الجهد وتضيع الدماء وتفرط بتراث الشهداء، وتبيع المعاناة في اسواق النخاسة، والمزايدات السياسية.
عنوان المقال الأصلي: في ذكرى النكسة وذكرى النكبة
التعليقات