أمير طاهري
فيما تنتهي عطلة الحج، من المتوقع أن ينتقل الوضع السياسي في العراق بسرعة ارتباطا بتشكيل حكومة جديدة في قمة الأجندة.
وعلى الرغم من أن جميع الأطراف يعتزمون ممارسة مختلف الأساليب، فهناك ما لا يقل عن ثلاثة مبررات للتفاؤل.
المبرر الأول يتمثل في ان أطرافا وجماعات كثيرة تنافست في انتخابات الشهر الماضي اصطفت في أربع كتل، لتقلب الاتجاه نحو الانقسام الذي تسببه الأجندات الشخصية والطائفية.
وكما هو معتاد، ففي عراق ما بعد التحرير احتل الأكراد موقع الطليعة في ذلك الاتجاه باعلانهم عن laquo;التوحيد الذي لا مفر منهraquo; للادارتين المتنافستين، اللتين اقاموهما في السليمانية وأربيل منذ عام 1991. ويعرف المطلعون على القضايا السياسية الكردية اهمية ذلك التطور بالنسبة للعراق ككل. وقد مثلت الادارتان المتنافستان طرفين سياسيين، هما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذان لديهما تاريخ من الشكوك المتبادلة والعداوة لفترة أربعة عقود قبل تحرير عام 2003. وقد خاض الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ما لا يقل عن ثلاث حروب أهلية كانت آخرها عام 1995، وفي أثناء هذه العملية تحالفوا مع الجميع تقريبا، بمن فيهم صدام حسين ورجال الدين في طهران.
وتخلق هذه الوحدة الكردية قوة كبرى بوجه تهديد السياسات الطائفية.
وتمثل الكتلة الثانية جزءا كبيرا من السكان الشيعة في العراق الذين يشكلون حوالي 60 في المائة من مجموع السكان، ومن المتوقع ان يحصلوا على نصف عدد مقاعد البرلمان الجديد البالغة 275 مقعدا. وهذا لن يكون كافيا لتمكين الكتلة من تشكيل حكومة جديدة وحدها. وفي بحثها عن شريك في التحالف يتعين عليها العمل اما مع الأكراد او واحدة من الكتلتين المتبقيتين او كلتيهما. بل ان الكتلة يمكن ان تكون اضعف اذا ما قررت بعض الجماعات الشيعية التخلي عن مشاعرها الطائفية، وانضمت الى تحالف أوسع تحت راية النزعة القومية العراقية.
ثمة أمر جدير بالملاحظة، وهو ان الأحزاب الشيعية التي كانت متنافسة، بل وخاضت معارك دامية ضد بعضها بعضا، كما حدث بين الأكراد، توحدت الآن وتركت خلافاتها وراء ظهرها. كما ان إنشاء كتلة مثل هذه يمكن ان يقلل النفوذ الذي تمارسه ايران من خلال مليشيات شيعية صغيرة، لكنها تتمتع بتمويل جيد.
تتشكل الكتلة الثالثة من مؤيدي مقتدى الصدر وأحمد الجلبي. ربما تحصل هذه الكتلة على عدد كاف من المقاعد يمكنها من عرقلة فوز الكتلة الشيعية بأغلبية تؤهلها للانفراد بتشكيل الحكومة الجديدة، حتى اذا توصلت الى اتفاق مع الأكراد. بوسعها ايضا ان تلعب دورا غير متكافئ في تحديد الشخص الذي سيقدمه الشيعة مرشحا لرئاسة الوزراء. أبقى الصدريون على الخيارات مفتوحة، وإذا قدمت لهم شروط جيدة، فربما ينضمون الى حكومة عراقية ائتلافية علمانية.
الكتلة الرابعة التي برزت يطلق عليها laquo;مرامraquo;، وهي تضم احزابا عربية سنية والقائمة الوطنية العراقية بقيادة إياد علاوي. وتعتبر كتلة laquo;مرامraquo; ائتلافا يضم اسلاميين وشيعة وسنة، يعملون جنبا الى جنب مع علمانيين وديمقراطيين واشتراكيين وشيوعيين.
واختارت الكتلة الاسبوع الماضي إياد علاوي، وهو شيعي علماني، رئيسا لها. وتضم الكتلة نجوما صاعدة من الطائفة السنية مثل صالح المطلق وعدنان الدليمي.
من المحتمل ان تحصل هذه الكتلة على عدد يتراوح بين 80 و100 مقعد، ما يؤهله لتشكيل حكومة عراقية بالتحالف مع الأكراد وبعض الشيعة وفصائل اثنية صغيرة تضم تمثل التركمان والآشوريين ومسيحيين آخرين.
السبب الثاني للتفاؤل ينبع من ان التحالف بين المتمردين والارهابيين ربما يفقد أي تأييد له وسط العرب السنة.
تجاهلت الأحزاب السنية دعوة أيمن الظواهري الرجل الثاني في laquo;القاعدةraquo; وأبو مصعب الزرقاوي رئيس laquo;القاعدةraquo; في العراق لمقاطعة الانتخابات العامة. وفي الأسبوع الماضي عاد الزعيمان الإرهابيان بدعوة أخرى للسنة العرب، طالبين منهم هذه المرة للانسحاب من العملية السياسية. ولم يكن رد السنة إلا بالاتجاه المعاكس، حينما دعموا علاوي باعتباره زعيما لكتلة مرام. وبالتأكيد فإن علاوي هو الذي نظم العمليات العسكرية بقيادة الأميركيين لاقتلاع الزرقاوي وعصابته من الفلوجة عام 2004، ومنذ ذلك الوقت ظل الزرقاي واضعا علاوي في أول قائمته للقتل.
بدأ العرب السنة يدركون أنه ببنائهم لتحالفات، يستطيعون أن يكسبوا حصة أساسية من السلطة في النظام الديمقراطي العراقي. وهم الآن يرون أن سيناريو الزرقاوي قد فشل. فخلال إرهاب السنوات الثلاث الذي جرى باسم السنة، تم قتل 30 ألف عراقي أغلبهم من المدنيين بدون ضمان أي شبر في الحكم. وبالمشاركة بانتخابات واحدة فقط تمكن السنة من أن يعودوا إلى مركز السياسة العراقية باعتبارهم كتلة أساسية. ويفهم العرب السنة الآن ما فهمه الأكراد والشيعة بعد التحرير بفترة قصيرة: لن يكون ممكنا لأي طائفة أن تفرض حكمها على العراق، فمن الآن فصاعدا ستكون المشاركة في السلطة هو اسم اللعبة الجديدة في بغداد.
وعلى الرغم من أن العراقيين قد صوَّتوا بشكل واسع على أساس اثني وطائفي، فإنه من الواضح الآن أن البرلمان والحكومة الجديدين، سيتم صياغتهما على أساس الاعتبارات السياسية الوطنية بشكلها الأوسع خصوصا بما يتعلق بموضوع الفيدرالي المثير للجدل. وعلى الرغم من ظهور أربع كتل كبيرة، فإن الوضع السياسي يبقى محفوفا بالمخاطر.
ويمنح الدستور الجديد سلطات هائلة الى الهيئات التشريعية بينما يضعف السلطة التنفيذية. وبطريقة ما ربما لا يعتبر ذلك فكرة سيئة. فقد ظل العراق لفترة طويلة دولة ذات مركزية مبالغ فيها، بينما تتركز السلطة في يد فرد واحد مسؤول عن السلطة التنفيذية. ويمكن لسلطة تنفيذية ضعيفة ان تسمح لأجهزة الحكومة الاخرى، بما في ذلك القضاء للحصول على سلطة لم يحصل عليها ابدا. وفي الوقت ذاته، فإن سلطة تنفيذية ضعيفة بالاضافة إلى برلمان يمكن ان يؤديا الى اختفاء سلطة الحكومة المركزية في العراق. وهو ما يمكن ان يشجع الطائفية والقبلية، وبالتالي يؤدي الى احباط آمال البلاد الديموقراطية. ويجب على البرلمان الجديد اعادة النظر في الدستور وتعديله لجعل السلطة التنفيذية اكثر قوة بدرجة بسيطة بينما يقلل مخاطر وجود برلمان مشلول. والخطر الآخر هو ان بعض الساسة السنة ربما يتعرضون لإغراء الافكار الماكيافيلية من الدوائر السنية في دول عربية اخرى ويحاولون ممارسة لعبة مزدوجة من السياسة والتمرد العسكري. ومثل هذا البديل يمكن ان يؤدي الى خسارة اكبر لهم. وفي النهاية فإن العراق ككل سيخسر ايضا.
واخيرا هناك خطر أن يؤدي التركيز كثيرا عمن يحصل على منصب ما، ان تتجاهل الكتل قضايا حاسمة مثل اعادة تشكيل الاقتصاد ومستقبل وجود قوات التحالف، والدور الذي يجب ان يلعبه العراق الجديد في المنطقة.
وبالرغم من معاناة العراقيين لأكثر من نصف قرن من الحكم الاستبدادي، يبدو ان العراقيين يتعلمون مبادئ السياسات الديمقراطية بسرعة كافية، والاهم من ذلك انهم يعجبون به. وهو ايضا سبب التفاؤل بخصوص مستقبل العراق.
التعليقات