مـَن يحاكم مَن في العراق؟

الإثنين:16. 01. 2006

عائشة المري

جردة حساب معتادة لأحداث عام مضى تقليد سنوي دأبت عليه وسائل الإعلام سنويا تأتي فيه الأحداث السياسية، الاقتصادية الاجتماعية والرياضية والكوارث الطبيعية والإنجازات العلميةmiddot; وحتى لا ننسى قائمة بمن رحلوا من العالم عربيا أو من السلطة ومن برزوا على الساحة السياسيةmiddot; وجوه تأتي ووجوه تغيب لكن يبقى العالم العربي عصيا على التغييرmiddot; مشاهد عام مضى تصلح للتحليل والمراجعة، مشاهد مأساوية كالمشهد العراقي ومشاهد مضحكة مبكية كدعوات الإصلاح السياسي في الدول العربية، لكن دائما ما يغيب عن البال أن الهدف من جردة الحساب السنوية للأحداث، خاصة الأحداث السياسية، هي استخلاص العظات المكتسبة من الأحداث، فالتاريخ الحي للأحداث يجعلنا أكثر استيعابا لها ولانعكاساتهاmiddot;
شهد عام 2005 مشهدا لم يتكرر ولن يتكرر، مشهد محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وأعوانه، جلسات المحاكمة تتوالى، ومازالت فصولها الأولى تترىmiddot; مسرحية عبثية، صورة سوريالية، مهزلة عربية أم ''إهانة'' أميركية للعرب، محكمة انتخابية بحتة، مهما كانت وجهة نظرنا بالمحاكمة فهي حدث عربي فريدmiddot; محاكمة علنية لرموز نظام عربي بالصوت وبالصورة ولو كانت مقتطعة، محاكمة للمسلَّمات العربية من كل بقايا ومواريث الإيديولوجيات الساخنة التي رحلت عن عالمنا لكنها ما تزال تعيد إنتاج مفرداتها الفكرية في العالم العربي ومازال شطر لا يستهان به من العرب يقتلون زمنهم وفكرهم بل وحتى حياتهم من أجلها، محاكمة تجعلنا نتذكر قوله تعالى في سورة النمل (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) صدق الله العظيمmiddot;
الجلسة الأولى: افتتاح محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وسبعة من أعوانه في التاسع عشر من أكتوبر 2005 ، تلى القاضي رزكار محمد أمين - الذي يرأس المحاكمة- التهم الموجهة لصدام حسين وأعوانه الذين يحاكمون معه، اتهامات تراوحت بين القتل والتعذيب لأكثر من 140 مواطنا في بلدة الدجيل بعد محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس السابق صدام في عام middot;1982 المتهمون ادعوا كلهم البراءة حين سألهم القاضي إذا كانوا يعترفون بالتهم التي قرأهاmiddot; الرئيس المخلوع رفض الاعتراف بشرعية الجهة التي أمرت بتشكيل المحكمة، رافضا التعريف بنفسه أمام القاضي قائلا: ''من أنتم؟''!
الجلسة الثانية: الثامن والعشرون من نوفمبر، احتج صدام حسين أمام القاضي على سحب الحراس قلمه وأوراقه منه، وطالب المتهم الأساسي القاضي الذي وصفه بأنه ''عراقي'' بإصدار أوامره للقوات الأميركية التي تحتجزه من أجل تحسين ظروف احتجازهmiddot; المدعي العام الأميركي السابق رامزي كلارك وكذلك وزير العدل القطري السابق نجيب النعيمي ينضمان للطاقم الدفاعي متعدد الجنسيات، وتستحضر المحكمة شهادة الشاهد الميت وضاح الشيخ، وضاح الشيخ الذي كان يرأس جهاز الأمن والاستطلاع في عام middot;1982
الجلسة الثالثة: الخامس من ديسمبر، عمت الفوضى منذ بداية الجلسة التي أجلت في أعقاب انسحاب هيئة الدفاع من قاعة المحكمة إثر رفض القاضي السماح لهم بمخاطبة المحكمة للتشكيك بشرعيتهاmiddot; صدام حسين قال إن القانون هو من صنع الأميركيين، وتعالى هتاف أخيه غير الشقيق برزان التكريتي مذكرا بالأيام الخوالي: ''يعيش صدام''middot; وأسدل الستار على الجلسة بعد سماع عدد من الشهود بشأن مذبحة الدجيلmiddot;
الجلسة الرابعة: السادس من ديسمبر، أدلت ''الشاهدة أ'' بشهادتها من وراء ستار، وتم تمويه صوتها لحمايتها وتحدثت عن تعرضها للتعذيب على أيدي قوات الأمن العراقي، تلتها ''الشاهدة ب''، ''فالشاهد ج''، وأثناء الاستماع فقد الرئيس المخلوع أعصابه وقال إن ''الأميركيين والإسرائيليين يريدون الإعدام لصدام حسين''، واتهم الولايات المتحدة بمحاولة تقديم عرض مسرحي وليس محاكمةmiddot; وأضاف مشيرا إلى شهادة إحدى الشاهدتين التي تحدثت عن طريقة معاملتها ''يجب أن ترى زنزانتي'' وفي موجة غضب أخرى صرخ صدام قائلا للقاضي: ''لن أعود، لن أحضر إلى محكمة ظالمةmiddot; اذهب إلى الجحيم''middot;
الجلسة الخامسة: السابع من ديسمبر، لم يحضر الرئيس المخلوع إلى المحكمةmiddot;
الجلسة السادسة: 21 ديسمبر، اتهم صدام حسين أثناء الجلسة القوات الأميركية بضربه وتعذيبه أثناء اعتقاله قائلا ''تعرضت للضرب في كل أنحاء جسدي وما زالت علامات التعذيب واضحة''middot; وأثناء المحاكمة طلب صدام وقتا مستقطعا للصلاة، وما أن رفض القاضي حتى حول كرسيه باتجاه القبلة وراح يصليmiddot; فيما استمر الشهود في رواية ما حدث في الدجيل، تحدث أغلبهم من وراء ستارmiddot;
الجلسة السابعة: الثاني والعشرين من ديسمبر، حولت الجلسة إلى جلسة سرية بعد بضع ساعات من بدء الجلسة إذ قرر القاضي وقف تصويرها وبث وقائعها عبر وسائل الإعلام، بعد أن قال برزان التكريتي، إنه بحاجة للتحدث في أمور سريةmiddot; و''سيطر'' صدام على المحكمة واستمر في اتخاذ المحكمة منصة لإذكاء لهيب العمليات المسلحة التي يشهدها العراقmiddot; وكان برزان ''بطل'' الجلسة الثاني بكل المقاييس إذ استجاب القاضي لطلبات من الدفاع وأمر بإخراج حارس أمني من قاعة المحكمة لتهجمه على برزانmiddot;
الجلسة الثامنة: 24 يناير لم تتم بعد لكن سيناريو الجلسة استنساخ لسابقتها من جلسات، منبر خطابي متاح لصدام حسين، يكرر من خلاله إدانتة للغزو الأميركي للعراق، وشهود مازال الخوف يحاصر أكثرهم، فوضى تغلف الجلساتmiddot; صدام حسين يعيش في عالم متخيل يلعب فيه دور الرئيس العراقي، جلسة قد يغيب عنها رئيس المحكمة القاضي رزكار محمد أمين بعد أن قدم استقالته من منصبه، والسؤال دائما: ماذا بعد؟middot;
تساؤلات تتبادر للأذهان بعد سبع جلسات استماع ماذا حققت هذه المحكمة حتى الآن؟ هل حققت العدالة أم القصاص للمتهمين والضحايا، هل تحمل فصولها القادمة مفاجآت تخرجها من رتابة الفوضى، هل تحمل جديدا للمتهمين غير الإدانة؟ تجادل منظمات حقوق الإنسان لصالح مثول الرئيس العراقي السابق وأعوانه أمام محكمة دوليةmiddot; تحولت جلسات المحاكمة إلى محاكمة لشرعية المحكمة أولا، للغزو الأميركي للعراق، لرواية الشهودmiddot; حولها صدام منبرا خطابيا، مسرحا رديء الإخراج، المتهم الأول فيه رئيس عربي سابق مازال يعيش في ''أمجاده'' السابقة ومن كرسي الاتهام ينتقل لكرسي الادعاء فكرسي القاضي، ساحة لاستعراض ماض مخزٍ والنتيجة، سابقة عربية لن تتكرر لكنها درس عربي، فكيف نستطيع أن نخضع تجاربنا السياسية ومواقفنا العربية للمراجعة إن لم تكن المحاسبة؟ ولا يسعنا إلا أن نقول: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)middot; صدق اللـه العظيـمmiddot;