(2)
عقيل سوار
المرة الأولى من مرتين اختلفت فيهما مع علي سيار، كانت في منتصف السبعينات أي في ذروة تميز صدى الأسبوع وصعودها، والمرة الثانية في أوائل الثمانينات أي في حضيض عثرتها، وذلك حين استدعاني علي لاستنهاض صدى الأسبوع من عثرتها تلك، بعد محاولات طويلة مع صنوف من الإخوة المصريين والسودانيين الذين تعاقبوا على إدارة صدى الأسبوع منذ عثرتها الأولى منتصف السبعينيات، حين تركناها متعاضدين ( علي صالح وحافظ الشيخ ، وكاتب السطور) فقد وصل علي سيار بعد تلك التجارب إلى قناعة بأن مجد صدى الأسبوع لا يمكن أن يستعاد إلا باستعادة الوجوه القديمة التي تبادلت مع صدى الأسبوع صناعة مجد الحقبة الصحافية السبعينية، ولم يكن أحد من بقية الزملاء متوفرا وكنت الوحيد المتعطل عن العمل لقرار مزاجي اتخذه المرحوم طارق المؤيد، وزير الإعلام الأسبق منعني بموجبه من العمل في الصحافة.
حين قلت لعلي سيار عن أمر المنع هذا، (كشر) بطريقة يعرفها من عاصره، وشهد مشاحناته مع وزير الإعلام، فما كان الرجوع للوزير في شأن من يشغل أو لا يشغل على أجندة علي سيار، وهذه إحدى حسنات علي سيار في حق صحافتنا ، لكنها إحدى ذنوبه أيضا في حق نفسه ، حيث دفع نظير ذلك غاليا!.
مع ما في المرتين من تباين تفرضه الفروق الطبيعية بين حالتي الارتقاء والتدني ، ومع ما يفصل بينهما زمنيا وما تقتضيه سنة الوقت تبعا لذلك، فقد تم الانفصال الثاني لنفس الأسباب المزاجية التي حكمت الاختلاف الأول بيننا في المرة الأولى، وأحسب أنها نفس الأسباب التي حكمت كل خلافات وخصومات علي سيار مع الآخرين، واتخذت لنفسها غطاءً خارجيا يتعلق بالمال، مما أرسى شبهة التقتير أو البخل الذي تتنبه له الدارسة (زهراء) في عموم تصريحات الزملاء وتتوقف عنده لسبب وجيه، فهذا النوع من المثالب لا يستوي مع حقيقة أن كل الذين اشتغلوا مع علي سيار ودونوا سيرته في الآونة الأخيرة ، أحبوه وظلوا أوفياء لسيرته الصحافية.
إذن كيف نفسر اتفاق الجميع على تقتير علي سيار، وانحصار مشكلاته مع الصحافيين، في الحيّز المادي؟
أجبت على سؤال الدارسة بسؤال مثله، إجابة اعتبرتها هي من قبيل التهرب، أوالتبرير العاطفي ، في حين سقتها من قبيل محاولة التدوين الدقيق، والسؤال هو: كيف يمكن لشخص أن يكون كريما في مشاعره مع الآخرين،- وعلي في هذا الصدد شخصية استثنائية- ، ومقتّرا معهم في نفس الوقت؟
فيما أعرف من مدارس علم النفس، فإن مصدر البخل، والكرم (عاطفيا أو ماديا) هو مصدر واحد، ما لم نكن أمام حالة نفسية مركبة، وهذا ما لا يصدق على علي سيار، فقد كان شخصية إنسانية سوية وثرية، قادرة على الاستدراك والاعتذار والاعتراف بالضعف والخطأ، وأستدل على هذا من عدد من مواقف شهدتها له ومعه، أذكر منها أنني حين زرته بعد أكثر من سنة من انقطاعي الثاني عنه، قال بلا مقدمات، في عرض الحديث: قبل ما أنسى، لك فلوس عندنا خذها قبل خروجك!
قلت له، لكني لم آت لمحاسبتك ، قال : أعرف، لكنها حقك!
للحديث صلة
التعليقات