عبد الرحمن الراشد

اعلنت نتائج الامتحان السياسي العراقي بلا ضجيج، بعد ان خبت اخبار الانتخابات والاتهامات والتوقعات بسبب طول وقت الانتظار. رغم هذا فانها نتائج مهمة لأنها ديموقراطية جيدة حيث ان الاغلبية فازت، وهذا حقها الطبيعي، لكن الاقليات انتصرت بمقاعد كافية تؤهلها للمشاركة في الحكم، ولنأخذ اهم قضية مقبلة نموذجا وهي الفيدرالية.

حزب الاغلبية، الائتلاف العراقي، لا يستطيع، رغم انه يحتل 128 مقعدا، ان يفرض الفيدرالية خاصة بعد ان دخل السنة المعارضون البرلمان وصار لهم 44 مقعدا. لا بد ان تقنع الأغلبية الاقلية بالفيدرالية، لا ان تفرضها عليها، والا سيستحيل تمرير المشروع المثير للجدل بين الاطراف السياسية في العام المنصرم.

انظروا كيف قربت الانتخابات بين العراقيين الذين مزقتهم صراعات السلطة، جميعهم شركاء في البرلمان الجديد، وجميعهم يحتاجون الى بعضهم البعض من اجل ضمان سير عمل الدولة. والذي احدث التوازن الجديد مشاركة ثلاثة ملايين عراقي انضموا الى ركب الناخبين لم يصوتوا في المرة الأولى. برهنت مشاركتهم ان بلدا فسيفسائيا مثل العراق لا يمكن ان يعيش الا بالصندوق الانتخابي، وان ثقافة الديموقراطية المستمرة، لا في زمن التصويت فقط، ضرورة من اجل استمرار التجانس السياسي وضمان التعاون الداخلي. كما اثبت نجاح الانتخابات ان المقاطعة وحمل السلاح لا يفلحان في منح الحقوق، بل يمكن الحصول عليها بطريقة سهلة ومريحة من خلال الحضور الانتخابي والمشاركة البرلمانية الفعالة.

هذا المشهد الكبير تكرر على المستوى الأصغر، حيث ان التيار الصدري شارك في الائتلاف، كما كسر الحزب الاسلامي الكردي احتكار الحزبين الكرديين للسلطة في الشمال.

وهذه النجاحات لا تخفي اشكالات السياسة العراقية التي ستستمر تفرض نفسها مثل الانقسامات الصريحة طائفيا وعرقيا ومناطقيا، وهي الأخرى عليها ان تتعايش انتخابيا او تتصارع ديموقراطيا، كما فعلت في الحملات الماضية ويصبح كل عراقي هو الحكم من خلاله التصويت. أي ان اعظم المخاطر المحتملة داخليا يمكن حلها جميعا اذا استمرت الوسيلة هي الاحتكام الى الصندوق.

واستمرار التجربة العراقية مرهون بادراك كبار المتنافسين للحقائق الاساسية. فالعراق وعاء يتميز بحدة اختلافاته وعمق اشكالاته ولن يستطيع فريق واحد، مهما علا صوته ونفوذه، ان يحكم العراق كاملا، الا ان كان ديكتاتورا كما فعل صدام بالحديد والنار، وهذا زمن ولى مع صدام نفسه. ولعل الذين عارضوا الانتخابات وقاطعوها في اول مرة، اكتشفوا حجم الخطأ الكبير الذي ارتكبوه بعد ان ذاقوا طعم المشاركة. فالنظام العراقي الجديد في أصوله عادل ويمنح الجميع، مهما صغرت الاقليات حقوقها الاساسية لكنه لا يحمي من يتخلف عن المشاركة.

ولعل ازمة الانتخابات الاخيرة عندما ارتفعت الاصوات تقول بوجود عمليات تزوير كانت ازمة ايجابية. فهي اعطت فرصة للجميع من خلال المراقبين الدوليين ان يعيدوا الحساب، ويكتشفوا ان معظم الاجراءات وعمليات الفرز كانت سليمة والقليل اصابه التزوير، بما لا يؤثر كثيرا على النتائج النهائية.


[email protected]