هل هي بداية الانفلات في لبنان؟

الخميس: 2006.10.05

د. أحمد عبد الملك

ردود الأفعال تجاه الخطاب الأخير لحسن نصرالله زعيم quot;حزب اللهquot; في لبنان، بدأت حامية وذات أبعاد لا يعلم إلا الله نهايتها. رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; وليد جنبلاط يرى في كلام نصرالله quot;انقلاباًquot; وأن نقطة الخلاف مع الأخير هي quot;التصاقه بالنظام السوريquot;. ونُقل على لسان جنبلاط اتهامات لسوريا بأنها quot;تفتعلquot; فتنة في الشارع السنّي ضد النائب سعد الحريري. ويرى جنبلاط أن quot;حزب اللهquot; تجاهل اتفاق الطائف الذي أسس لعودة العافية للجسد السياسي اللبناني. وأن تصنيف نصرالله لجماعته بأنهم quot;أشرف الناسquot; ليس له ما يبرره، فماذا نحن إذن؟ هل نحن خونة بنظره؟ (الكلام لوليد جنبلاط).

رئيس الهيئة التنفيذية في quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع رد على خطاب حسن نصرالله بذكر من سماهم quot;الأوفياءquot; للبنان كبشير الجميل، وأن نظام المقاومة في لبنان لم يقم إلا بعد quot;إحكام المؤامراتquot; علينا ومَنْعنا من إكمال مقاومتنا. ولفَتَ جعجع الأنظار -دون أسماء- إلى محاولة quot;حزب اللهquot; عرقلة جهود الحكومة الوطنية، وتساءل: كيف تقوم دولة وعلى جانبها توجد دويلة (في إشارة إلى quot;حزب اللهquot;)؟ وكيف يمكن أن تكون الدولة قوية، وكل يوم يُمررون سلاحاً وذخائر تحت أنفها؟ كيف يمكن أن تكون الدولة محترمة والبعض يُلزمها باستراتيجياته وروزنامته من دون أن يكون عندها خبر بشيء؟ وانتقد جعجع بقاء سلاح quot;حزب اللهquot;.. واعتبره رهاناً خاطئاً. وبروح من التحدي يقول: quot;لا نهدد بالسلاح بل نراهن على توق الناس للحرية والسلام والاستقرار والتقدم والتطورquot;. ويرفض جعجع منطق أن المقاومة في لبنان هي التي حمت البلد من الحرب الأهلية، ويرى أن وعي القيادات وكافة الشعب اللبناني هو الذي حمى لبنان من الحرب الأهلية. ودعا أنصاره إلى عدم الخوف وعدم اليأس وأن المرحلة يجب أن نواجهها بكل صعوباتها لإعادة التوازن، وquot;لسوف نستعيدهquot;!

زعيم quot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري تناول الأوضاع في بلاده (مُنتقداً) ما آلت إليه الأوضاع بسبب quot;حزب اللهquot;. معتبراً أن ما حل بلبنان quot;جريمة كبرى ارتكبها (أولمرت) في حق لبنان، وهناك من يريد أن يحاسب رئيس الحكومة فؤاد السنيورةquot;. ولمّح الحريري أن من يريد إسقاط الحكومة إنما quot;يترجمquot; خطاب الرئيس السوري بشار الأسد. وتحدث الحريري عن أحاديث quot;الغرف المغلقةquot; والتي يحاك فيها ما ينبئ عن عودة لبنان إلى quot;ثقافة ملوك الطوائفquot;. وأبدى تجاوباً quot;سياسياًquot; مع دعوة حسن نصرالله إلى الدولة العادلة والنظيفة قائلاً: quot;أيدينا ممدودة مهما تعالى الصراخ والاستفزاز من أجل الدولة (العادلة)، لا التي يريدون تعديلها على قياسهم، و(النظيفة) لا الدولة التي يلوحون بتنظيفها من مقومات السيادة والحرية والديمقراطيةquot;.

ويلاحظ أن الفقرة الأخيرة من قول الحريري تحتوي على إشارات واضحة، تغمز من قناة quot;حزب اللهquot;.

رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة امتدح دور quot;حزب اللهquot; في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 مؤكداً شرعية الحزب بوجود ممثليه في مجلس النواب والوزراء، لكنه أكد على النقاط السبع التي وافق عليها الحزب مع الحكومة، والتي تؤكد على أن quot;الدولة صاحبة السلطة الوحيدة، وألا يكون هنالك سلاح آخر، وأن تكون إسرائيل انسحبت من مزارع (شبعا) وأعادت المحتجزين والخرائط المتعلقة بالألغامquot;. وتلك صيغة يصعب التوافق عليها بعد الأحداث الأخيرة، وبعد خطاب حسن نصرالله الأخير.

كل هذه المقاربات على الساحة اللبنانية تجعل quot;تقاطعquot; الأفكار السوداء وارداً، وأن هنالك أيادي تلعب تحت الطاولة، قد لا تفيد quot;قرقعةُquot; أصابعها لبنان وسلامته. وهذا يُدخل اللبنانيين حلقات quot;الحيرةquot;، وتوقع تداعيات سياسية لا تصب في مصلحة لبنان.

وعودة إلى رؤية حول quot;لبنان وصراع الاستراتيجيات في المنطقة العربيةquot; التي أعدها حسن الرشيدي (أغسطس 2006)، أن ما جرى بين quot;حزب اللهquot; وإسرائيل كان مبعثهُ خارجياً وليس محلياً لبنانياً. إذ رغم ما يبدو -في الخلفية- من حذر اختلال التوازن الطائفي، حيث دعم فرنسا للطائفة المارونية ودعم سوريا وبعض الدول العربية الكبرى للسُّنة، وما حدث بعد 1975 حيث اشترك السُّنة والشيعة -على مضض- في قتال المارونيين، وما أدى بعد ذلك -عندما تدخلت سوريا بإيعاز أميركي- ضد السُّنة، انقلب الشيعة ليقفوا في صف (الأسد) والمارونيين. وفي لحظة انكسار شوكة السُّنة بإخراج الفلسطينيين من لبنان ولدت منظمة quot;حزب اللهquot; الشيعية.

وحسب الدراسة، فإن نائب الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; نعيم قاسم يصرّح بأن تكوين الحزب قد أخذ المباركة من الإمام الخميني. وأكد انتماء الحزب لإيران حديث الناطق الرسمي باسم quot;حزب اللهquot; إبراهيم الأمين في صحيفة quot;النهارquot; في مارس 1987: quot;إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيرانquot;.

وتذهب الدراسة إلى أن الشهيد (الحريري) تمكن من إعادة التوازن قليلاً تجاه السُّنة وبعلاقات طيبة مع المارونيين والدروز وغيرهم من الطوائف، مدركاً أن الوجود السوري وميليشيا quot;حزب اللهquot; هما العائق الكبير في سبيل استقلال لبنان. وحاول الحريري استغلال نفوذه الإقليمي والدولي للحد من نفوذ الطرفين المذكورين في لبنان، وهذا ما أدى إلى قتل الحريري quot;حيث تبدأ حقبة جديدة في تاريخ حزب الله وعلاقاته بالدولة اللبنانيةquot;.

وما يؤكد التورط الإيراني في قضية لبنان هو ما تسرب عن اجتماع وزراء خارجية دول جوار العراق في يوليو الماضي، حيث قال وزير الخارجية الإيراني: quot;إن المسألة العراقية باتت خارج أيديهم، وإن العراق بات منطقة نفوذ إيراني ولا دخل للعرب فيه، بل إن إيران مستعدة لمساعدة العرب في قضيتهم الأساسية وهي فلسطين بدون أن تطلب لنفسها شيئاًquot;. وهذا ما فسرته -الدراسة- الاندفاع الرسمي العربي لتحميل quot;حزب اللهquot; مسؤولية حرب لبنان. والغريب أن تلك الرؤية/ الدراسة تورد ما صدر في مجلة quot;الشراعquot; اللبنانية، أن quot;هناك اجتماعاً عُقد في (جنيف) بسويسرا قبل العملية التي شنّها quot;حزب اللهquot; بيومين على إسرائيل -وبالتحديد يوم الاثنين العاشر من يوليو، وضم الاجتماع مسؤولين إيرانيين وأميركانquot;.

حالة الابتهاج التي سادت الشارع اللبناني بانسحاب القوات الإسرائيلية من بلدات الجنوب -باستثناء قرية حدودية quot;الغجرquot;، وسعي السكان نحو بناء منازلهم وإعادة ترتيب حياتهم، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وقيام قوات الأمم المتحدة بمهامها في بسط الأمن وملاحقة أية خروقات من أي طرف، كلها عوامل إيجابية نحو وحدة لبنان. لكن تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي (حالوتس) يضع المنطقة كلها على كف عفريت، إذ أعلن أنه quot;إذا اقترب حزب الله من الحدود بالأسلحة، وحاول ترميم بناهُ التحتية التي دمرناها، فإننا سنستخدم كل الوسائل التي لدينا لمنعه من ذلكquot;.

هذا التهديد، والصراعات على الساحة اللبنانية الداخلية، يجعلاننا نتخوف من المرحلة القادمة، خصوصاً بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بلبنان بشرياً ومادياً. والصراع الإقليمي والداخلي حول المصالح والمكاسب والأدوار قد يهيئ المسرح لتفاعلات جديدة، ليس في الجنوب الذي تحكمه القوات الدولية مع الجيش اللبناني، بل في الأماكن الآمنة، بحيث يتحول لبنان إلى quot;سايجونquot; جديدة، ولكن على الطريقة اللبنانية.