أحمد العمري


كان أحرص الناس على حياته وأشد الناس تفريطاً بحياة غيره غامر بالأرواح في حروب طائشة وغامر بمصالح بلده ومصالح جيرانه. حكم فعدل في الظلم وبطش فكان النموذج الذي يضرب به المثل. أسقطه الغرب وحاكمه الشعب ولكن رغبته لم تتحقق فالشنق وليس الرمي بالرصاص هو الحكم الذي صدر ضده. كان يتوقع أن يعدم ولكن ليس كالعامة إنما كما يليق برئيس عظيم هذه الأمنية أيضاً لم تتحقق. إنها مرحلة مضت وانتهت أزهقت معها أرواح ثلاثة ملايين عراقي، مليون في حرب ضد إيران، ومليون في حرب ضد الكويت والعالم وحصار دام عشر سنين، ومليون في حرب إسقاط النظام ودوامة العنف المتواصل.
إنه القائد الرمز الذي رفض أن يسير بالعراق إلى العزة والمجد وأبى ألا أن يحطم إنجازات حضارة عظيمة فهو الخبير في التدمير والتخريب. فهل كان يا ترى ينتقم من شعبه؟ أم يمارس جنون العظمة؟ أم ينفس عن إحباطاته ويروي عطشه وآلامه؟ أم ينافس الطغاة ليكون في مقدمتهم بلا منازع؟ لقد سقط النظام وسقط معه الحزب ودخل العراق في نفق مظلم من الحروب الأهلية، فالطوائف والمذاهب تتصارع على السلطة وتتحارب في الميدان والمقاومة توجه حرابها نحو قوات الاحتلال، والإرهاب وجد لنفسه أرضاً خصبة حتى أصبح العراق حالة تستعصي على الفهم.
إن حكم الإعدام شنقاً على الرئيس الرمز لن يكون سوى الختام لمن جعل الظلم والطغيان منهجاً وطريقاً وهدفاً، ولكن كيف يكون حال أهل العراق فيما بعد تنفيذ الحكم؟ إنهم على مفترق طرق. إن الدجيل والأنفال والإعدام بلا محاكمات واستخدام الأسلحة الكيماوية والغاز ضد المواطنين ومأساة حلبجة التي سقط فيها ما يزيد على خمسة آلاف وتصفية رجال الدين والغدر بالأصدقاء واغتيال الرفقاء وغيرها مما يصعب حصره كلها جرائم لم يكن لها ما يبررها في أي قانون. إن حال الخليج العربي قد تبدل منذ أن تسلم الحكم في العراق فهو المتسبب الأول والوحيد في تحويل الخليج العربي إلى منطقة توتر دائم وهو من تسبب في تحويل مياه الخليج إلى مرتع دائم للقوات الدولية وهو المتسبب في تهجير ما لا يقل عن أربعة ملايين عراقي ساحوا في كل دول العالم وأصبحوا جاليات ممزقة في بقاع الأرض لهم حرية بلا وطن وأرض بلا قانون فهم شعب تحرر من قيوده ليقع فريسة الاحتلال والتآمر والتهجير.
إن الحكم بالإعدام أقل ما يستحقه القاتل في جريمة واحدة ذهبت ضحيتها نفس واحدة بريئة فكيف بمن ضحي بالجميع ليبقى على كرسي الزعامة متفرداً متمرداًً على القانون والأعراف والقيم؟ وهو اليوم بين يدي شعبه وغداً بين يدي ربه. إنه لا يستحق أي لقب سوى المجرم لأنه مدان بارتكاب جرائم الإبادة والتي تستعصي على الحصر. وليس هناك من يتوقع عدم التصديق على الحكم، فالرئيس العراقي الحالي جلال طالباني ليس أمامه سوى التصديق على الحكم بعد أن يرفع إليه من الهيئة التمييزية. إن الغريب أن هناك من يناقش في شرعية المحكمة ولكنهم لم يناقشوا شرعية ما قام به صدام من جرائم ضد جيرانه وضد شعبه وضد الإنسانية.
إنه لا أحد يتصور أن يوجد يوماً ما شرطي عالمي لمراقبة العدالة في أي دولة فالسيادة حصانة للحاكم ولنظام الحكم، ولكن هناك عدالة دولية تفرض نفسها من خلال الحرب التي هي الوسيلة الوحيدة لوقف الجريمة الدولية متى بلغت حداً مؤذياً للمجتمع الدولي. وما صدام حسين سوى واحد من سلسة طغاة ألحقوا الدمار بالمجتمع الدولي ومعه معاصرون فالزعيم الصربي ميلوزوفيتش والرئيس التشيلي بينوشينه نماذج معاصرة تكررت جرائمهم ومعها معاناة شعوبهم ولكنها الفتنة فهي أشد من القتل وهي أكبر من القتل وهي والقتل وجهان لجريمة واحدة ولكن العدالة على ميعاد والله بالمرصاد.