علي سعد الموسى


أعود اليوم لمدينة جازان بعد غياب ست سنين، حيث أنا فيها لإجازة نهاية الأسبوع. أسافر في الدروب القديمة التي أعرفها فأشاهدها اليوم تماماً مثل العروس التي تلبس للتو قطعة لباسها الأولى فلم تكتمل بعد. لكنها، وكما يبدو، تبدأ المشوار، ولا أجد تعبيراً دقيقاً يفوق وصفها بأفضل من شعارها الذي اختاره أميرها المتحرك الشاب النشط: جازان، جاهزة الآن.
ما الذي جعلها بعد هذه السنين تجهز للتو و تبدأ الرحلة في هذه المرحلة المتأخرة؟ كفاكم وكفانا جواباً جملة ولي أمرنا الشهيرة في خطابه الأخير وهو يزور هذه المنطقة. قبل سنين، استمعت لتكليف الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة جازان في نشرة أخبار وأنا بالجزء الشمالي البعيد من هذه المنطقة الأثيرة هي وأهلها على النفس. أشفقت عليه لأن مجرد وصوله للمكان يحمِّله ثقيلاً من آمال وآلام وهموم هذه الكثافة المكتظة. في ذات الوقت، كنت أغبطه، لأنه من القلائل الذين لم يذهبوا للمكان الجاهز. لم يذهب لعملية ترميم وتحسين بل جاء لعملية تدخل جراحي لعملية معقدة. نصحته عبر هذا المكان في مقال قديم أن - يستأصل - لينجح وأن يغامر كي يبني. اليوم، إخاله من القلائل المحظوظين الذين تدفعهم الظروف إلى المكان البكر، ذاك أنه اليوم سيقف على الفارق الجوهري بين يوم التكليف وبين هذه اللحظة بكل ما بينهما من البناء والطوب والفوارق واليوم أشهد له شهادة حق وأنا أعرف تفاصيل الفارق في المكان: لقد نجح وبامتياز وسيبقى له في قلوب الناس هنا كل الفارق بين صورتين. كل ما يحتاجه هذا الفارس المغامر ليس إلا استغلال الدعم الهائل من القيادة العليا لهذا البلد وهو الذي لم يكن متفاجئاً مثلنا بجملة عمِّه العزيز عبدالله بن عبدالعزيز. يحتاج إلى وقفة رجال من حوله لا تعرف القيلولة ولا جلسات ما بعد الظهيرة لأن - جهوزية - المكان الآن تحتاج إلى يوم عمل إضافي في ظهر كل يوم وإلى ساعة - اختلاق - تدمج مع كل ساعة حقيقية. جازان هي أرض الإنسان وبها من المقومات ما يجعلها استثناءً مدهشاً لا تقارعها فيه منطقة أخرى ولو أن لي كلمة أقولها لفارس التغيير في جازان لاستثنيت كل دبلجة الشكر وطلبت منه الصبر بشرط وحيد: أن يبث في من حوله ذات روحه التي قشرت جلد المكان القديم. لقد أثبت لي وأنا القادم هنا على بعد ومن بعد: أن باستطاعة الفرد أن يعمل وأن يغيِّر.