منذ متى كانت في المملكة أحداث شغب؟
عبدالله بن بخيت

بالكاد نسي الناس الأحداث التي جرت في معرض الكتاب الذي أقيم بالرياض قبل عدة أشهر حتى بدأت أحداث جديدة أشد وأكثر تنظيماً وتماسكاً. في تطور متوقع قام به عدد من الشباب (الموجه والمنظم) بمحاولة السيطرة على المهرجان الثقافي الذي تنظمه كلية اليمامة والعمل على تخريبه. الذي شاهد الأحداث والذي قرأها في وسائل الإعلام المختلفة سيتبين له أن الأمر كان مدبراً ومخططاً له، وهو في الواقع ثمرة النجاح الذي حقّقه نفس التنظيم في معرض الكتاب. إن نجاح هؤلاء في معرض الكتاب ونجاتهم من أي عقاب أو مساءلة والانصياع إلى تحقيق بعض مطالبهم والتحاور معهم بصفتهم (تنظيم) كرّس لديهم روح العمل الجماعي الميداني، وأكد صدقية وقوة رؤسائهم وشجّعهم على الانتقال إلى المرحلة التالية. ما جرى في كلية اليمامة لم يكن مفاجئاً، كل من تابع مواقع الإنترنت الإرهابية كالساحات كان على علم بأن هذا سوف يحدث، بعضهم حضر للتفرج على الشغب المتوقع والتمتع به، والبعض الآخر غاب خوفاً على نفسه مما سوف يجري. لا شك أن الذي جرى في الكلية كان أكثر تطوراً وتنظيماً وأبعد أثراً مما سبق، وهي الخطوة التي انتقل فيها التنظيم من التهليل والتكبير والشوشرة والإنكار بالصراخ إلى مرحلة التكسير والتخريب والاعتداء الجسدي (دون سلاح). ترى ما صيغة العمل والوسائل التي سوف يستخدمها هذا التنظيم في المرحلة التالية؟ سنحصل على الإجابة عن هذا السؤال من خلال تعامل الأجهزة المعنية مع الذين تم إلقاء القبض عليهم ومدى الجدية في إحضار من فرّ منهم، كما سنحصل على الإجابة من خلال كمية الإذعان التي سوف يقوم بها المعنيون والمجتمع لمطالب هؤلاء فيما سيجدّ من مهرجانات قادمة.
الانتقال إلى العمل اليدوي كالتخريب جاء نتيجة التسامح الذي لقيه التنظيم بعد أحداث معرض الكتاب والتنازل لضغوطهم. هذا يبرهن أن الشغب والخروج عن النظام لا يتطور إلا إذا حقّق نجاحات في مراحل سابقة. أهم نجاح يحققه المشاغبون (والإرهابيون) دائماً هو الإحساس بالقوة. الإحساس بالقوة يأتي ترجمةً لأي تسامح تبديه الأجهزة المعنية أو ترجمةً لأي تنازل يقدّمه المجتمع لمطالبهم؛ لأنهم سوف يعتقدون (وهذا طبيعي) أنهم انتزعوا هذا التسامح وهذا التنازل بقوة تنظيمهم وبقدرتهم على الخروج على النظام. مع كل مكاسب يحققونها مهما صغرت سوف يتطور هذا التنظيم وتتطور معه وسائل عمله وسوف تتوسع مطالبه. كما لاحظنا بدأ هذا التنظيم بالكلام والشوشرة اللفظية، ومع التسامح انتقل في المرحلة الثانية مباشرة إلى التكسير والتخريب والشغب اليدوي، إلى أن بلغ الأمر الالتحام مع رجال الأمن.
منذ متى تستنجد الجهات المعنية بالقوات الخاصة وبهذا العدد الكبير من رجال الأمن لتنظيم محاضرة أو مهرجان فني أو تجمُّع ثقافي؟ ما الجديد الذي طرأ على المشهد الثقافي السعودي؟
أسماء مثل محمد العلي، علي الدميني، عبد الله الغذامي، معجب الزهراني، سعد البازعي، محمد الثبيتي.. إلخ أسماء مألوفة للمواطن السعودي منذ أكثر من ربع قرن. شاركت هذه الأسماء في كل المهرجانات والندوات والأمسيات الثقافية التي أقيمت عبر المملكة من نجران إلى القريات ولم يحدث مثل هذا الذي حدث في معرض الكتاب أو في مهرجان اليمامة، لم يحدث مثل هذا حتى في عزّ وقوة الصحوة وسيطرتها على المنابر ووسائل الإعلام المختلفة.