الأربعاء 20 ديسمبر2006
عاطف الغمري
كان الرئيس بوش وهو يجهز لإعلان موقفه من توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون لدراسة الوضع في العراقrlm;,rlm; محاطا بعناصر جذبrlm;,rlm; كل منها تشده ناحيتهاrlm;.rlm; فمن جهة هو واقع تحت تأثير عناصر ضاغطة لتغيير سياسته الخارجية بكاملها في الشرق الأوسطrlm;.rlm; ومن جهة أخري تجذبه عناصر مضادة بعيدا عن فكرة التغييرrlm;.rlm; وهو بين هذا وذاك لم يكن يغيب عنهrlm;,rlm; ما الذي سيحدث من منظور توصيات اللجنة للموقف في العراق وفي الشرق الأوسط عامة في فترة ما بعد انتهاء عهده في البيت الأبيضrlm;.rlm;
صحيح أن بوش وعد من البداية بالتعامل بجدية مع توصيات اللجنة إلا أن تسريبات من البيت الأبيض ألمحت إلي أنه ليس متوقعا أن يقبل كل ما جاء في التقرير وانه يضع أمامه خيارات أخري يفكر فيهاrlm;,rlm; منها تقارير مجلس الأمن القوميrlm;,rlm; ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزيةrlm;.rlm;
توصيات اللجنة أقرت بأن قدرة أمريكا علي السيطرة علي الأحداث في العراق والامساك بزمامها تتراجعrlm;,rlm; وواجهت اللجنة بوش بالخيار الحاسمrlm;,rlm; وهو أن يتخلي عن سياسته الخارجية أو سيكون مآلها الفشلrlm;,rlm; ليس في العراق وحدهrlm;,rlm; بل في الشرق الأوسط بكاملهrlm;.rlm; وكانت لهجة التقرير ناطقة بهذا المعني في قولها نحن قد خسرناrlm;.rlm;
إن تقرير لجنة بيكر ـ هاملتون تحول في فترة الاسابيع الثلاثة الماضية إلي المركز الذي تدور من حوله كل المناقشات في واشنطنrlm;,rlm; خاصة انه جاء معارضا كل سياسات الأمن القومي التي اتخذتها حكومة بوش منذ الحادي عشر من سبتمبرrlm;2001.rlm; واللجنة التي أعدته جاءت من خلال اختيار سياسي عامrlm;,rlm; من جانب النخبة المختصة بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدةrlm;,rlm; التي تعد بحكم طبيعة عمل النظام السياسي الأمريكي طرفا مشاركا في صناعة السياسة الخارجيةrlm;,rlm; فلقد كانت معاهد ومراكز الفكر السياسي في الفترة الماضية تناقش كيفية الوصول إلي رؤية مستقلة للوضع السياسي في العراقrlm;,rlm; وكيفية التصرف إزائهrlm;,rlm; واستقر رأي مجموعة منها تولت المهمة تضم المعهد الأمريكي للسلامrlm;,rlm; ومركز دراسات الرئاسةrlm;,rlm; ومركز الدراسات الاستراتيجية والدوليةrlm;,rlm; علي اختيار بيكر وهاملتون لرئاسة مجموعة من الحزبين تختص بدراسة الوضع في العراقrlm;.rlm; واشترط بيكر موافقة الرئيس بوش أولاrlm;,rlm; وان يكون الرئيس علي علم بأن النتائج قد لا تأتي علي هواهrlm;.rlm; وجاء التكليف من الكونجرسrlm;.rlm; وتشكلت اللجنة وأتمت عملها واصدرت توصياتها وهنا وجد بوش نفسه أنه يصعب عليه قبول النتائجrlm;,rlm; فقبوله لها يعني التحولrlm;180rlm; درجة عن سياسته الخارجية التي بنيت علي استراتيجية الأمن القومي الجديدة فيrlm;20rlm; سبتمبرrlm;2002rlm; فيما يتعلق بمجمل أوضاع الشرق الأوسط ومشروعه الاستراتيجي في هذه المنطقةrlm;.rlm;
وهو قد اعطي مفهوم العمل العسكري أسبقية علي الدبلوماسيةrlm;,rlm; بينما تقرير اللجنة يوصي بضرورة ايجاد جهد منسق عسكريا وسياسيا ودبلوماسياrlm;.rlm;
واعتبر التقرير أن المخرج من المأزق في العراق هو ايجاد مناخ لتفادي انتشار الفوضي هناكrlm;.rlm; لتتحول إلي فوضي اقليميةrlm;,rlm; إنما يتطلب ايجاد اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال وساطة أمريكية فعالةrlm;,rlm; ومبادرة دبلوماسية نشيطةrlm;,rlm; هذه التوجهات تصطدم بكل ما آمنت به جماعة المحافظين الجدد وعملت علي تطبيقهrlm;,rlm; في رفض للحل الشاملrlm;,rlm; وعدم الاقتناع بالتفاوض مع الفلسطينيينrlm;,rlm; وان يكون الحل هو ما تراه إسرائيل وما ترضاهrlm;.rlm; كان هذا سلوكهم العملي برغم أي كلام وتصريحاتrlm;.rlm; وإذا أخذ بوش بهذه التوصيات فإنها تعني تحولا عن عقيدة ايديولوجية حكمت تفكير البيت الأبيض تجاه العراق والشرق الأوسط بأكمله ـ وقد صدر عن الحكومة تلميح بأن توصيات بيكر تناسب الشرق الأوسط عامrlm;1991,rlm; وليس الشرق الأوسط الموجود الآن عامrlm;2006rlm; بعدrlm;3rlm; سنوات من غزو العراقrlm;,rlm; وهو تلميح لم يرض عنه بيكر ومجموعتهrlm;.rlm;
يبقي ما الذي سيحدث بعد انتهاء حكم بوش؟
إن التقرير ليس عن العراق فحسبrlm;,rlm; بل هو ايضا عن مجمل السياسة الخارجية فهو يسعي لتفادي كارثة للسياسة الخارجيةrlm;,rlm; ويضع في اعتباره ان ظهور أمريكا بمظهر الدولة المنهكة من الحرب يشكل أكبر تهديد لهاrlm;,rlm; ولعلاقتها بأصدقائها وحلفائها ويسعي لايجاد صيغة لهدنة سياسية في واشنطن داخل مجتمع النخبة المعنية بالسياسة الخارجية حرصا علي حالة التوافق بين النخبة وفيما بين الرأي العامrlm;,rlm; وهو ما اعترف به ليون بانيتا عضو لجنة بيكر في المؤتمر الصحفي الذي أعلنوا فيه تقريرهمrlm;.rlm; بأن توصيات اللجنة ليست عن العراق بل عن أمريكاrlm;,rlm; فنحن دولة منقسمة حول حرب العراقrlm;,rlm; ولن يستطيع الرئيس ان يحكم ولا مؤسسات الدولة ان تعمل بكفاءة مع استمرار هذا الانقسامrlm;.rlm;
ويحاول التقرير كذلك تجنب أزمة في النظام السياسي الأمريكي من داخله بعد أن أصبحت سياسة بوش سببا في تمزيق المجتمع الأمريكيrlm;.rlm;
وهناك اتفاق بين الجميع في واشنطن علي أن التوصيات تمثل منطق تفكير ما يسمي في الولايات المتحدة بالواقعية السياسيةrlm;,rlm; وهي علي النقيض من المدرسة المثالية التي ينضوي تحتها ـ مع غيرهم ـ المحافظون الجددrlm;.rlm;
والخلاف بين الاثنين هو في الأسلوب وليس في الهدفrlm;.rlm;
فالاثنان يؤمنان بالسيادة الأمريكية في العالمrlm;,rlm; لكن الواقعيين يعطون أولوية للتعامل مع الواقعrlm;,rlm; بينما المثاليون يرون فرض أهدافهم علي الواقع بالقوةrlm;,rlm; ولذلك فالتوصية بالانسحاب من العراق لا تعني التخلي ـ من أي منهما ـ عن النفوذ السياسي هناكrlm;,rlm; أو من حوله من أوضاع سياسية اكتسبت في المنطقةrlm;.rlm;
وستظل الولايات المتحدة تمارس نهجا سارت عليه دائماrlm;,rlm; وهو حساب خطاها وتحركاتها في الشرق الأوسط من منظور ميزان القوي مع دول المنطقةrlm;.rlm; فما دامت المنطقة في حالة ركود وسكون فاقدة القدرة والاستراتيجيةrlm;,rlm; فان ميزان العلاقة يميل تلقائيا ناحية ما هو في غير صالح العربrlm;,rlm; ليس فقط لأن أمريكا تريد ذلكrlm;,rlm; بل لأن تلك طبيعة حركة ميزان القويrlm;.rlm; ومادامت أنها تؤمن بأن المنطقة بما فيها من احتقان وعدم استقرارrlm;,rlm; وغياب للديمقراطية ستظل تفرز مصادر تهديد لأمنها القوميrlm;,rlm; فهي لن تسحب خط المواجهة من داخل العالم العربي إلي أن يأتي يوم يفيق فيه العربrlm;,rlm; ويعرفوا كيف يميلون بميزان القوي ناحيتهم علي الأقل من أجل صد أية أخطار تهدد أمنهم القومي ومصالحهم وحاضرهم ومستقبلهمrlm;!rlm;
التعليقات