22 سنة علىlaquo;انتفاضة 6 شباطraquo; في الضاحية الجنوبية[1من2]
مـــحـــطــــات فـــي مســـيرة الحـــركـــة الشيعية السياسية المسلـــحــة
محمد أبي سمرا ـ النهار
من الحسينيات والمساجد في برج البراجنة والرمل العالي والرمل الواطي انطلقت التعبئة ردا على الخوف الذي تسرب كالشائعات الى مجتمع التهجير والنزوح، بعد حادثة مسجد الرسول الاعظم سنة 1983.
في مناسبة مرور 22 سنة على ما سمي quot;انتفاضة شباطquot; 1984، يروي هذا التحقيق محطات قصة صعود المنظمتين الاهليتين العسكريتين الشيعيتين، حركة quot;املquot; وquot;حزب اللهquot;، من رحم المنازعات والحروب الاهلية الملبننة، في احياء النزوح والعمران العشوائي في محلتي الرمل العالي والرمل الواطي، اللتين تشكلان مع حي السلم والاوزاعي والجناح ضاحية الضاحية الجنوبية.
فالعمران العشوائي، والحطام الاجتماعي الذي نشأ فيه مع نشوء المنظمتين الأهليتين والعسكريتين المذكورتين اللتين تتحصنان بمجتمع الضاحية الجنوبية وتجعلانه غيتو كبيراً، يشكلان وجهين متداخلين للمأساة الشيعية اللبنانية، التي يتهمها البعض بانها تعوق حرية لبنان واستقلاله الجديد، الأشد وقعاً ومعنىً من الاستقلال الاول. كأن المنظمتين الشيعيتين، فيما هما تحرسان انكفاء الشيعة عن لبنان الجديد المتحرر من قبضة النظام السوري، قد ورثتا ادوار المنظمات العسكرية الفلسطينية وملحقاتها اللبنانية عبر quot;انتفاضة 6 شباطquot; نفسها، لتكرس ابقاء لبنان رهينة سياسات اقليمية تمتد من سوريا الى ايران.
عند التأريخ لصعود الشيعية السياسية في لبنان، يمكن التوقف في اربع محطات أو حقبات اساسية:
-1 حقبة التأسيس والولادة مع بروز الامام موسى الصدر الذي اسس تيارا سياسياً شيعياً شعبياً واسعا عُرف بـquot;حركة المحرومينquot; التي نشأت عشية الحرب في لبنان.
-2 حقبة ما بعد حرب السنتين، وهي الحقبة الممتدة بين 1977 و1982، وتتميز بتغييب الامام موسى الصدر، وتحول quot;حركة المحرومينquot; منظمة اهلية عسكرية، هي حركة quot;املquot; التي استخدم النظام السوري نفوذه فيها لمجابهة منظمة التحرير الفلسطينية واحزاب quot;الحركة الوطنية اللبنانيةquot; المسلحة والموالية لها. وفي هذه الحقبة خاضت حركة quot;أملquot; مجابهات عسكرية ضد المسلحين الفلسطينيين ومسلحي الاحزاب اللبنانية quot;الوطنيةquot;، كالبعث العراقي والشيوعي على وجه الخصوص.
3 - حقبة نشوء الحركة الخمينية وتجذرها في بيئة حركة quot;املquot; وخارجها في الثمانينات من القرن العشرين. والحركة الخمينية سرعان ما تحولت حزباً وثيق الصلة بالجمهورية الاسلامية الايرانية، هو quot;حزب اللهquot; الذي نشبت بينه وبين حركة quot;املquot; حروب اهلية شيعية طاحنة ادت الى انتصاره عسكرياً عليها وتصدّره مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني.
4 - حقبة تفرّغ quot;حزب اللهquot; للمقاومة بين ضاحية بيروت الجنوبية والشريط الحدودي المحتل طوال عقد التسعينات من القرن الماضي.
quot;املquot; كياناً شيعياً
طوال الحقبة الثانية (1977 1982) تركزت التعبئة التنظيمية لحركة quot;املquot; وخصوصاً في منطقة برج البراجنة ومحيطها القريب حول أحد أكبر المخيمات الفلسطينية المسلحة في لبنان، على ترسيخ عصبية أهلية شيعية ضد سيطرة المنظمات الفلسطينية المسلحة، وعلى استخراج الموارد البشرية الشيعية من الأحزاب اللبنانية اليسارية والقومية، باشكال شتى.
في أحياء الضاحية الجنوبية من برج البراجنة حتى الشياح، راحت تروج وتتكاثر بين الأهالي الشيعة روايات عن تعديات المنظمات الفلسطينية المسلحة، بعدما كانت قد نشبت مواجهات دامية بين quot;أملquot; وهذه المنظمات في قرى من الجنوب اللبناني. وروى شاب من الرمل العالي ان والده العامل بائع خضر على عربة متنقلة في برج البراجنة، كان يتعرض لاعتداءات من جهاز الكفاح المسلح الفلسطيني الذي كان يضيّق على بائعي الخضر الشيعة هناك. وبعد هذه الاعتداءات انتسب الشاب ووالده واخوته الى حركة quot;املquot; للاحتماء مما يسمونه quot;الاضطهاد الفلسطينيquot; الذي من علاماته، بحسب رواية اخرى من امرأة في الرمل العالي، اقدام احد المسؤولين العسكريين الفلسطينيين على خطف امرأة من الحي والزواج بها عنوة.
في الحقبة نفسها راجت التصفيات الدموية والخطف بين quot;أملquot; والبعثيين العراقيين. فجرى، مثلا، تفجير مبنى جريدة quot;بيروتquot; البعثية العراقية في محلة المشرفية، واغتيل الشاعر الشيعي اللبناني موسى شعيب، وهو من قياديي البعث العراقي في الضاحية الجنوبية.
وروى شخص من آل عواد ان شيعة البقاع وبلاد جبيل (آل عواد) كانوا أقوى حضورا في quot;أملquot; من الجنوبيين في الرمل العالي. فأول قائد عسكري للحركة الناهضة من ركام الحروب والتهجير، وهو المدعو ابو جعفر، كان من آل عواد، واجتمع حوله نحو 15 شخصا بقاعيا بينهم عقل حمية واخوته، ومصطفى الديراني، وشبان من آل المولى. وقد تكون رواية احد ابناء عائلة عواد تنحو الى المبالغة في قوله ان 200 شخص من عائلته كانوا مسلحين في حركة quot;املquot;، وأن المتعلمين من العائلة الموسعة او الممتدة، تركوا حزب البعث العراقي من غير ان يلتحقوا بـquot;أملquot;.
حادثة الرسول الاعظم
صيف سنة 1984، انكفأت quot;املquot; على نفسها وأوقفت نشاطها العسكري، ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان وبعده، وأجلي المقاتلون الفلسطينيون برا وبحرا عن الجنوب وبيروت التي اجلي عنها ايضا الدعاة الخمينيون الايرانيون. ويروي احد مشايخ الحركة الشيعية الخمينية (quot;دولة حزب اللهquot; وضاح شرارة) انه خرج على رأس تظاهرة صاخبة في مناسبة ذكرى عاشوراء اواخر سنة 1982، quot;لزرع الامل وبعث الوعي في نفوس شبابنا، وطرد الخوف منهاquot;. وخرجت هذه التظاهرة من مسجد الرسول الاعظم في الرمل العالي.
والحق أنه يمكن التأريخ لانطلاق الحركة الخمينية في لبنان بالحادثة التي نجمت عن تظاهرة مسجد الرسول الاعظم. فعهد الرئيس امين الجميل جرى تدشينه بالعزم على ازالة المباني والاحياء السكنية غير الشرعية (العشوائية) في الرمل العالي. وفي الأثناء كان مسلحو quot;القوات اللبنانيةquot; يعودون الى أحياء بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، فجرت عمليات ترويع وخطف لبعض الذين كانوا منخرطين في صفوف المنظمات السياسية والعسكرية اللبنانية اليسارية. وبما أنه لم يكن قد مضى وقت طويل على مقتلة صبرا وشاتيلا، فقد تخوّف اهالي الضاحية الجنوبية وبيروت من احتمال تعرضهم للتنكيل، فراجت شائعات كثيرة عن حدوث مجازر، لم تكن في حقيقة الامر سوى حصيلة بلوغ الخوف حد التطيّر والهذيان اللذين جرت مجابهتهما بتعبئة طائفية مسعورة، وخصوصا في الرمل العالي التي لا يكف سكانها عن الكلام على حاجتهم للحماية، بسبب شعورهم المستفحل بأنهم مهددون بالطرد الى العراء من مساكنهم المشيدة اصلا على نحو غير مشروع. وقد ترجموا هذا الشعور الى لغة التعبئة والشائعات التي صوروا فيها العالم كله (اسرائيل، القوات المتعددة الجنسية التي نزلت في بيروت لحماية المدنيين الفلسطينيين، quot;القوات اللبنانيةquot;، الجيش اللبناني) متحالفاً ضدهم لاقتلاعهم وطردهم.
لم تكن التعبئة والشائعات هذه مجازا واوهاماً كلها. فآليات الجيش اللبناني شرعت فعلاً بهدم بعض المنازل المخالفة في الرمل العالي والمحاذية لطريق المطار. وحين تجمع قسم من الاهالي في مسجد الرسول الاعظم هناك، قصف الجيش في اتجاههم. وثمة من يقول انه رد على مسلحين اطلقوا عليه النار من المسجد فسقط من الاهالي المتظاهرين الخائفين الغاضبين قتيلان، وجرح عدد منهم. لكن الجيش سرعان ما انكفأ وتراجع، ليشعر المتظاهرون بجدوى التعبئة والمجابهة اللتين مكنتهما من الصمود.
المساجد والعمليات الانتحارية
اكدت التجربة لحركة quot;املquot; ولخلايا الحركة الخمينية ان التحصن في المساجد والحسينيات يمكّن الناس من مجابهة خوفها ويمنحها القوة والصمود. هكذا اخذت الدعاوى والفتاوى والتعبئة تنطلق من المساجد والحسينيات التي صدحت منها عبر مكبرات الصوت الادعية والأناشيد والخطب الحسينية والكربلائية:
السيد محمد حسين فضل الله جعل من مسجد الإمام الرضا في بئر العبد وحارة حريك، منصة لخطبه ومسرحاً لـquot;الحالة الاسلاميةquot; الناهضة على ايقاع الجمهورية الاسلامية الخمينية في ايران.
الشيخ حسن طراد اطلق نشاطه من مسجد الغبيري. والسيد حسن نصرالله اتخذ مسجد الرسول الاعظم في الرمل العالي قاعدة للتعبئة والتأطير. والى جوار هذه المساجد نشأت نواد حسينية في حارة حريك وحي السلم والشياح قرب روضة الشهيدين.
في خضم التعبئة المحمومة والمجابهات بين مسلحي quot;املquot; والحركة الاسلامية من جهة، والجيش اللبناني من جهة اخرى، ولد quot;حزب اللهquot;، اللبناني، ويقال ان رجال الحرس الثوري الايراني تولوا تشكيل مجموعاته الأولى في الضاحية الجنوبية والبقاع. وحين انضم الاستاذ نبيه بري الى quot;هيئة الحوار الوطنيquot; مع الشيخ بشير الجميل والزعيم وليد جنبلاط اثناء الاجتياح الاسرائيلي، اخذ حسين الموسوي في بعلبك وابرهيم امين السيد (المعروف بابرهيم الامين) الذي كان مبعوث quot;املquot; في ايران، يعدّان للانشقاق عن حركة quot;املquot;. وفي هذا المناخ الملبد والمحموم بدأـت العمليات العسكرية الانتحارية الارهابية: تفجير مقر السفارة الاميركية في بيروت (نيسان 1983) ومقري القوات الفرنسية والاميركية في بئر حسن. اما حين جلت القوات الاسرائيلية عن المتن الجنوبي وعاليه ومعظم الشوف، صيف 1983، فقد اتصل المعقل الشيعي في الضاحية الجنوبية بالجبل الذي بدأت فيه الحرب بين الدروز والقوات الفلسطينية الموالية لسوريا من جهة ووحدات الجيش اللبناني وquot;القوات اللبنانيةquot; من جهة اخرى.
لبنان محمية سورية
مهد هذا الاتصال العسكري الجغرافي لـquot;انتفاضة 6 شباطquot; 1984 التي جمعت في رعاية سورية بقايا المنظمات الحزبية المسلحة لـquot;الحركة الوطنية اللبنانيةquot; والمنظمات الفلسطينية الموالية للنظام السوري وحركة quot;املquot; والحركة الاسلامية. وقد استطاع هذا الحلف الاهلي، الامني والعسكري، على قاعدة حلف شيعي درزي من الضغط على وحدات الجيش اللبناني والقوات المتعددة الجنسية، حتى اخراج الاولى من بيروت الغربية واخراج الثانية من لبنان، فيما سارع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الى العودة بحرا الى طرابلس التي تحصّن فيها مع قواته، متخذا من المدينة اللبنانية الشمالية معقلاً عسكريا لصراعه المرير مع النظام السوري على quot;الساحةquot; اللبنانية. لكن النظام السوري استخدم حلفاءه اللبنانيين من بعثيين وشيوعيين وقوميين سوريين لاخراج ابو عمار وقواته بحراً من طرابلس على غرار ما فعلت القوات الاسرائيلية صيف 1982، حين اخرجت المقاتلين الفلسطينيين بحراً من بيروت.
هكذا أمسى لبنان كله، سوى جبله المسيحي من بعبدا حتى البترون، مسرحاً احتياطياً للسياسات الأمنية السورية. لكن الجبل المسيحي سرعان ما سقط بدوره في القبضة الامنية السورية عقب الحركة التي قادها الجنرال ميشال عون وسحقها في 13 تشرين الاول 1989 الجيش السوري مباشرة من دون وسائط لبنانية هذه المرة، ليصير لبنان محمية سياسية امنية لسوريا حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، بعد اخراجه من الحكم عقب معارضته المكتومة او الصامتة للنظام الامني السور ي- اللبناني المشترك في عهد الرئيس بشار الاسد وحليفه في لبنان الرئيس العماد اميل لحود.













التعليقات