الخميس: 2006.02.16

مـرسي عطـا اللـه


رغم أن كل الامكانات تهييء للعالم العربي ـ اذا توحدت مقاصده السياسية ـ أن يصبح أحد أهم المراكز الانتاجية في العالم قياسا علي خريطة الثروات الطبيعية المتوافرة لديه فانه مازال يمثل أحد اهم ساحات الاستهلاك والاستيراد علي مستوي العالمrlm;...rlm; والسبب ان هذه الامكانات مشتتة ومبعثرةrlm;.rlm; فالذين لديهم الوفرة المالية ليس عندهم ارض ولا مياه والذين لديهم كوادر وخبرات بشرية يفتقرون إلي رءوس الاموال اللازمة لدفع عجلة التنميةrlm;!rlm;

فما الذي جري حتي وصلت الامة العربية إلي هذه الدرجة من التفكك والتشرذم والانقسام الذي انتقلت عدواه من خانات السياسة والدبلوماسية بكل حساباتها وحساسياتها المعقدة إلي ساحات الاقتصاد والتنمية التي تمس المصالح المباشرة لشعوب الامة؟rlm;.rlm;

في اعتقادي ـ وهذا مجرد اجتهاد ـ ان هناك اسبابا كثيرة اسهمت في صنع هذه التفكك والتشرذم والانقسام ولكن اهم هذه الاسباب ـ من وجهة نظري ـ ان الكل اصبح مهموما بنفسه ولايري ابعد من قدميه والدليل علي ذلك انه برغم الحاح مصر ـ منذ سنوات علي ضرورة الاسراع باقامة السوق العربية المشتركة فان الامة العربية مازالت ـ حتي الآنrlm;,rlm; وبكل أسف ـ بعيدة عن نقطة البداية الصحيحة لاقامة هذا الكيان الاقتصادي العربي والفعالrlm;.rlm;

إن العجز والقصور العربي الراهنrlm;,rlm; وان كان في مظهره الخارجي يبدو عجزا سياسيا إلا أنه في جوهره عجز اقتصادي يتمثل في استمرار القبول بان تظل الاسواق العربية ساحة مفتوحة علي مصراعيها للسلع الوافدة من مختلف دول العالم في غيبة من استراتيجية عربية تكاملية ينبغي أن تعطي افضلية للسلع والمنتجات العربية حتي لو كانت اقل جودة واكثر تكلفةrlm;.rlm;

ولنأخذ أزمة الغذاء في العالم العربي دليلا علي واقع العجز العربي ودليلا مضافا علي تغييب متعمد للقراءة الصحيحة للواقع العربي نتيجة سيطرة فكرة ومبدأ الانكفاء القطري الذي يهدر الامكانات الضخمة لسياسة المنافع المتبادلة ويكرس حالة الاحتياج الدائم للدول الاجنبية التي ترهن قروضها ومعوناتها ومنحها بشروط سياسية واقتصادية تخدم مصالحها في المقام الاولrlm;.rlm;

ولعلنا نتذكر اننا كنا اسبق من دول الاتحاد الاوروبي في الدعوة إلي اقامة سوق عربية مشتركة بسنوات طويلة فقد انطلقت دعوتنا بينما كانت اوروبا مازالت ترمم بنيانها المادي والنفسي بعد الحرب العالمية الثانية التي انهكت اوروبا ودمرتها اقتصاديا وسياسيا ومعنوياrlm;..rlm; ومع ذلك فان اوروبا التي كانت في حالة حرب مع نفسها استطاعت ان تعبر محنتها وان تبني وحدة سياسية واقتصادية باتت مؤهلة لكي تكون الند المنافس للقوة الامريكية العملاقةrlm;...rlm; اما نحن فقد اكتفينا باطلاق شعارات الوحدة ونداءات التكامل ولم نتقدم خطوة واحدة إلي الامام وانما علي العكس تراجعنا كثيرا وكثيرا جدا نحو الوراءrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
ولعله يكون ضروريا ومفيدا ان ندرك الآن انه ليس هناك ماهو افضل وانفع من استرجاع واستذكار بعض دروس التاريخ التي تؤكد ان العرب لم يصبحوا رقما صحيحا في المعادلة الدولية إلا عندما كان يجمعهم تضامن حقيقي خلف هدف محدد تلتقي كلمتهم حوله وتحتشد كل امكاناتهم وطاقاتهم في خدمة هذا الهدفrlm;.rlm;

ان التاريخ يقول لنا بذلك بدءا من معركة حطين التي انطلق منها القائد التاريخي صلاح الدين لتحرير القدس وصولا إلي حرب اكتوبر عامrlm;1973rlm; التي اسقطت الأساطير وبددت الأوهام التي كان يراد لها ان تعشش في عقول ونفوس العرب عقب هزيمتهم الطارئة في يونيوrlm;1967..rlm; ثم انه كانت دائما خلف هذه الانتصارات السياسية والعسكرية المبهرة قاعدة راسخة من وحدة الطاقات والامكانات الاقتصادية للامة بأكملهاrlm;.rlm;

ولعل ذلك هو الذي يدفع إلي طرح سؤال متكرر في الشارع العربي حول اسباب تغييب عناصر التضامن الحقيقي الذي لم تكن الامة العربية بحاجة إليه بمثل ماهي تحتاجه اليوم في مواجهة تحديات هجمة شرسة وبعد ان توهم القائمون عليها والنافخون في افكارها ان كل الاشارات التي تصدر من قلب العالم العربي تعكس علامات ضعف ودلالات عجزrlm;..rlm; مع ان ذلك ليس صحيحا علي الاطلاق وانه حتي لو كان صحيحا في هذه المرحلة فانه بامكان الامة العربية ان تستعيد عافيتها اذا نجحت في ان تستعيد روح التضامن الغائبة
بل ان السؤال الأهم في الشارع العربي هوrlm;:rlm;

أليس لافتا للنظر ان اعداء وخصوم الامة يسعون دائما بكل الطرق والوسائل الي تجنب التعامل مع العرب وهم في حالة اتحاد وتضامن ويبنون استراتيجيتهم علي الاستفراد بكل طرف عربي علي حدة حتي يمكن فرض الشروط الاقتصادية والسياسية المجحفة؟

والحقيقة اننا عندما نتحدث عن التضامن فاننا نعني التضامن الحقيقي وليس التضامن الاعلامي والمعنوي المغلف بخطاب سياسي يصب في خانة ابراء الذمة بأكثر مما يصب في الاتجاه الصحيح الذي يكفل دعم وتقوية الأمن القومي العربي بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنيةrlm;.rlm;

ولاشك في أن هذا التضامن الذي ترتجيه الامة العربية لايحتمل تكرار لعبة الهاء الرأي العام باجتماعات شكلية فوق مسرح للخلافات والمزايدات ثم ينتهي الأمر إلي صيغ توفيقية تستهدف ارضاء كل الاتجاهات بقدر أو بأخر علي حساب ثوابت ومقدسات ينبغي أن تكون فوق كل خلاف وفوق كل مزايدةrlm;.rlm;

ولعلي اسارع بالقول منعا لاي لبس بأنه ليس هناك من يطالب بالمستحيل ويصر علي قرارات واجراءات مفعمة بالعواطف التي تسود الشارع العربي بأكمله ولكن المطلوب هو قرارات وخطوات تعكس جدية التعامل مع مأزق رهيب وصلت خطورته إلي حد تهديد امكانية القدرة علي توفير رغيف الخبز في العديد من البلدان العربيةrlm;..rlm; ومن ثم فلا اقل من كسر قاعدة القرارات النمطية والتوجه مباشرة إلي صلب وجوهر التحدي في شكل رسائل ذات مغزي لكل من يهمهم الامر وبالذات إلي القوي الكبري الممسكة بمفاتيح الاقتصاد العالمي والتجارة الدوليةrlm;.rlm;
rlm;
***rlm;
أريد أن اكون محددا واقول ان الشارع العربي يدرك تماما ان للانظمة العربية حسابات وتقديرات في اطار قراءاتهم للاوضاع العربية والموازين الاقليمية والدوليةrlm;..rlm; وان ذلك يمثل علامة صحة ونضج في التعامل العربي مع الازماتrlm;..rlm; ولكن ذلك ينبغي ألا يكون مبررا لاستمرار بقاء الحد الأدني المعبر عن ارادة عربية موحدة تلتف وتتماسك حول هدف تمكين الامة من استغلال مواردها استغلالا صحيحا لبناء الحد الأدني من الاكتفاء الذاتي خصوصا في مجال الغذاءrlm;.rlm;

وليس هناك مايمكن ان يسقط ذلك الادعاء السائد حول وجود فجوة بين الشارع العربي والانظمة العربية سوي مواقف صريحة وواضحة ترتفع إلي مستوي التحدي الذي تفرضه معطيات المأزق الراهن الذي بات مرشحا لمزيد من التفاقم وافراز انعكاسات سلبية علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لاغلب شعوب الامةrlm;.rlm;

وهنا يهمني التأكيد علي أنني أتحدث عن قرارات عملية ترص الصفوف وتوحد الطاقات وتعمق التضامن وتستثمر الموارد استنادا إلي ماتملكه الامة العربية من قدرات هائلة وطاقات متنوعة اقتصاديا وسياسيا وبشرياrlm;..rlm; وهي قدرات وطاقات توفر الامكانية لآليات عملية يمكن ان تؤثر في مجري واتجاه الأحداث من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية رشيدة تتناغم مع لغة العصر ومتغيراتهrlm;.rlm;
rlm;
***rlm;
ولست أظن انه سوف يكون بمقدورنا ان نشرع في رص الصفوف وتوحيد الطاقات قبل أن نمتلك القدرة والشجاعة علي ازالة اسباب العجز والقصور التي تقيد حركتنا وتشل ارادتناrlm;.rlm;

وهنا يجب علينا ان نعترف بكل شجاعة بأن واقع العجز الذي تعيشه امتنا الآن وتعكسه علي أرض الواقع افرازات وتداعيات مخيفة هو نتاج طبيعي لاستمرار اصرار البعض منا علي تغييب صوت العقل في قراءة الواقع واستسهال سياسات الهروب وتجنب المواجهة وعدم اجهاد النفس من أجل تغييب هذا الواقع نحو الافضلrlm;.rlm;

وايضا فان علينا ان نعترف انه اذا كانت هناك بعض المبررات في هذه الدولة أو تلك حول اسباب عجزها عن انجاز التنمية المستقلة حتي الآنrlm;,rlm; أو قصورها في ترسيخ قواعد العدالة الاجتماعية وملاحقة الفساد أو عدم قدرة بعض هذه الدول علي مواكبة المد الديمقراطي الذي ينتشر بسرعة في كل دول العالمrlm;,rlm; مصحوبا ـ ايضا ـ بعدم القدرة علي تجديد وتطوير الفكرrlm;,rlm; فان الذي لايمكن ان تكون له مبررات ونحن نواجه التحديات الرهيبة للعولمةrlm;,rlm; ان تشعر بعض اقطار الامة العربية بالعجز عن انتزاع حقها في اختيار الطريق الصحيح لتعويض العجز الذاتي عن انجاز التنمية المستقلة وذلك بالانخراط في منظومة تكاملية عربية تحت دعوي الخوف من غضب القوي الكبري التي لاتحبذ السير علي هذا الطريق لاسباب ودوافع تتعلق بأهدافها ومقاصدها الاستراتيجيةrlm;.rlm;

وعلينا ان نطل بأبصارنا علي دول وتجمعات لها نفس ظروفنا ولاتملك مقومات الوحدة والتكامل التي تتوافر لنا ومع ذلك فان هذه الدول والتجمعات سواء في آسيا أو أمريكا اللاتينية نجحت في امتلاك استقلالية قرارها ولم تعبأ بأية تهديدات يجري التلويح بها ومضت علي طريق التنمية المتكاملة التي لابديل عنها لصنع رخاء شعوبهاrlm;!rlm;

والذين فعلوا ذلك في آسيا وامريكا اللاتينية لم يرفعوا سيوف التحدي من اجل الصدام والمواجهة وانما بنوا حساباتهم انطلاقا من فهمهم الصحيح بان القوي العظمي تنطلق في سياساتها من قاعدة اساسية وحيدة هي قاعدة المصالح وانه بقدر مايستطيع الآخرون ان يقتربوا من هذه القاعدة بقدر ماتتجاوب القوي العظمي بنفس درجة اقترابهم منهاrlm;!rlm;

واذا اردنا ان نستفيد من دروس غيرنا فان علينا ان نكف عن ملهاة التناحر والتشاجر فيما بيننا لان ذلك لايعوق حركتنا إلي الامام فحسب وانما يؤدي إلي عجزنا عن رؤية الاخطار التي تهددنا جميعاrlm;.rlm;