الخميس: 2006.04.06

السيد يسين




يزداد يقيني كل يوم أن كتاب مرصد الإصلاح العربيrlm;:rlm; الإشكاليات والمؤشرات الذي أصدره مرصد الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية ووزع في مؤتمر الإصلاح العربي الثالث في أول مارسrlm;2006,rlm; سيصبح مرجعا رئيسيا لكل الباحثين العرب المهتمين بالمؤشرات الكمية والكيفية لتقييم عملية التحول الديمقراطي وتطورات مؤسسات المجتمع المدنيrlm;.rlm;

المجتمع المدني العربي
ونريد اليوم أن نعرض لصعود المجتمع المدني العربيrlm;..rlm; وهذه العملية البالغة الأهمية لها علاقة وثيقة بصعود وسقوط الشمولية والسلطوية في العالم العربيrlm;..rlm; فمن المعروف تاريخيا أنه منذ الخمسينيات التي شهدت استقلال عديد من الدول العربيةrlm;,rlm; تأسست الدول الوطنية متحررة من قيود الاستعمارrlm;.rlm; بعض هذه الدول كان لديها ماض ديمقراطي وليبراليrlm;,rlm; ولذلك واصلت مسيرتها الديمقراطيةrlm;,rlm; وإن كان في سياق جديد متحرر من ضغوط الاستعمارrlm;,rlm; وذلك مثل تونس والمغرب والعراق وسوريا ومصرrlm;.rlm; وبعض هذه الدول قطعت مسيرتها الديمقراطية انقلابات عسكريةrlm;,rlm; كما حدث في انقلابrlm;23rlm; يوليوrlm;1952,rlm; الذي سرعان ما تحول إلي ثورة بحكم مشروع النهوض الاجتماعي الشامل الذي تبناه الضباط الأحرارrlm;,rlm; وحدثت انقلابات مشابهة في سوريا والعراق وليبياrlm;.rlm;

وقد أدت هذه التغيرات الجسيمة في بنية النظم السياسية العربية إلي تجميد مؤسسات المجتمع المدنيrlm;.rlm; غير أن عمليات التحول الديمقراطي في عديد من البلاد العربية في العقود الماضية أدت إلي إحياء مؤسسات المجتمع المدني بصورة غير مسبوقةrlm;,rlm; وساعدها في ذلك ظهور المجتمع المدني العالمي بتأثير العولمة بتجلياتها المختلفةrlm;.rlm;

وقد عرض الأستاذ أيمن عبدالوهاب خبير العلوم السياسية والمسئول عن المجتمع المدني في مرصد الإصلاح العربي لكل هذه التطوراتrlm;,rlm; من خلال معرفة عميقة بالموضوعrlm;.rlm; وجاءت دراسته في كتاب المرصد المنهجي بعنوان المجتمع المدني العربيrlm;:rlm; السمات العامة وإشكاليات الفاعليةrlm;.rlm;

وهو في صدر دراسته يشير إلي أن عملية إحياء المجتمع المدني العربي تنطوي علي طرح عديد من القضايا الشائكةrlm;,rlm; وفي مقدمتها إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمجتمعrlm;.rlm; وهو يحدد في هذا المجال ثلاث إشكاليات رئيسيةrlm;:rlm; الإشكالية الأولي تتعلق بصعوبة قياس حجم الإسهام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمؤسسات المجتمع المدنيrlm;,rlm; والإشكالية الثانية تتعلق بدور المنظمات في تعظيم قدرات الدولة ومواردها عبر دورها الخدمي والرعائي ودعمها لعمليتي المشاركة والتوزيع في المجتمعrlm;,rlm; لتسهم بذلك في إضفاء المزيد من الشرعية علي النظام السياسي وتدعيم أركانهrlm;.rlm;

أما الإشكالية الثالثة والأخيرةrlm;,rlm; فهي تتعلق بما أفرزته سياسات الدمج الوظيفي والهيكلي الحكومية تجاه المنظمات الأهلية من نتائجrlm;,rlm; أبرزها هشاشة المجتمع المدني العربي نتيجة للقيود العديدة التي تفرضها الدول علي أنشطة المؤسساتrlm;,rlm; غير أنه يمكن القول إن دور مؤسسات المجتمع المدني بدأ يتصاعد مع تعمق عملية التحول الديمقراطي العربي والتي تستند في الواقع إلي جناحينrlm;:rlm; مطالب الداخل وضغوط الخارجrlm;,rlm; وقد حرص الأستاذ أيمن عبدالوهاب علي تقديم عرض متكامل لمفهوم المجتمع المدني وتطوره قبل أن ينتقل إلي بيان خصائصهrlm;.rlm;

غير أن الإسهام البارز الذي قدمه هو اقتراح مجموعة من المؤشرات والمعايير الدولية التي يمكن من خلالها قياس حدود فاعلية وقوة أي مجتمع مدنيrlm;,rlm; مستندا في ذلك إلي التراث العلمي العربي المعاصر في الموضوعrlm;.rlm;

المؤشر الأول هو مؤشر المؤسسيةrlm;,rlm; لأن السمة المؤسسية هي أحد أبرز مؤشرات وجود مجتمع مدني قويrlm;,rlm; وتتحدد هذه السمة وفقا لتوافر أربعة معايير أساسية للحكم علي مدي التطور الذي بلغته مؤسسة أو منظمة ما وهيrlm;:rlm; القدرة علي التكيف في مقابل الجمودrlm;,rlm; والاستقلال في مقابل التبعية والخضوعrlm;,rlm; والتركيب في مقابل الضعف التنظيميrlm;,rlm; والتجانس في مقابل الانقسامrlm;.rlm;

أما المؤشر الثاني فيكاد يكون أهم المؤشرات قاطبةrlm;,rlm; فهو المؤشر القانوني والسياسيrlm;,rlm; حيث يدور البحث حول الإطار القانوني السياسي بما يتضمنه من قواعد قانونية وسياسية توفر الضمانات اللازمة لحركة ونشاط منظمات المجتمع المدنيrlm;.rlm; وذلك لأن وجود قواعد قانونية ودستورية تكرس سياسات التعددية السياسية والفصل بين السلطات واحترام القضاء وتعمل علي تفعيل المشاركة الشعبية في صناعة القرارات علي المستويات المختلفةrlm;,rlm; يساعد علي تكثيف الممارسة السياسية من جانب التنظيمات الأهليةrlm;,rlm; ومن ثم زيادة هامش حركتها في المجتمعrlm;.rlm; والمؤشر الثالث هو المؤشر الثقافي وهو يرتبط بالإنتاج الفكري للمجتمع المدني والمتمثل في نظام القيم التي يعتنقهاrlm;,rlm; ولاسيما قيم الاستقلالية الفردية والحرية الشخصية ونمط العلاقات الإنسانيةrlm;.rlm;

ونصل أخيرا إلي المؤشر الاقتصادي والاجتماعي وهو يرتبط بقياس درجة فاعلية المؤسسات الأهلية

تطبيق قواعد المنهج
وإذا كانت المؤشرات السابقة أشبه بقواعد المنهج في دراسة وتحليل حركة المجتمع المدني العربيrlm;,rlm; فإنه من الأهمية بمكان أن نري نتيجة تطبيقها الواقعي علي المجتمع العربي لعامrlm;2005,rlm; وهو ما فعله الأستاذ أيمن عبدالوهاب في تقرير المرصد الأولrlm;.rlm; وإذا كان المجال لا يتسع للأسف لعرض تفصيلي لأبرز النتائج إلا أنه يكفينا أن نشير إلي التقييم العام الذي توصل إليه وهو يقررrlm;:rlm; شهد عامrlm;2005rlm; استمرارا للنهج المتصاعد الذي تبنته بعض منظمات المجتمع المدني العربي للتشابك مع مؤسسات المجتمع المدني العالمي من جانبrlm;,rlm; والتفاعل مع ما حملته الأجندة العالمية من قضايا تتعلق بالأمن الإنساني والتنمية البشرية من جانب آخرrlm;.rlm;

غير أنه يضيف أن التغيير في الرؤية والآليات الذي شهدته بعض المنظمات الأهلية يظل محدود الأثر والفعاليةrlm;,rlm; ويؤكد مجموعة من الملاحظات الأساسيةrlm;:rlm;

الملاحظة الأوليrlm;:rlm; ترتبط بالتباين الواضح في درجة التطور والأداء الخاص بمؤسسات المجتمع العربي وعلاقاته بالدولةrlm;,rlm; ومن ثم بأجندة الإصلاح فيما بين الدول العربيةrlm;.rlm;

الملاحظة الثانيةrlm;:rlm; تتعلق بحالة الحراك السياسي التي تشهدها بعض الدول العربية والتي تبدو كعامل دافع لدور جديد للمجتمع المدني باتجاه بعض الأنشطة التي لم تكن تضمها أجندته التقليدية في فترات سابقةrlm;.rlm;

والملاحظة الثالثة تعبر عن تداخل العديد من الإرادات المتضاربة لدي غالبية النظم العربية والتي تتمحور بين الرغبة في زيادة درجة توظيف المجتمع المدني والخوف من تنامي دورهrlm;.rlm;

والملاحظة الرابعة وهي تتعلق بالاتجاه التنموي لمؤسسات المجتمع المدني العربيrlm;,rlm; الذي بدأ يأخذ نمط المشاركة مع الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والإقليميةrlm;.rlm;

ونصل للملاحظة الخامسة والأخيرة وهي ترتبط باستمرار تزايد نمط التنمية بالمشاركة وما تحتويه فلسفته من دعم لقدرات المنظمات الأهلية وتدعيم للدور التنموي لتلك المنظماتrlm;.rlm;

هذا عرض وجيز لأبرز النتائج التي توصل إليها تقرير مرصد الإصلاح العربي لعامrlm;2005,rlm; وهو لا يغني في التعرف علي مجمل الملامح الواقعية لنشاطات المجتمع العربيrlm;,rlm; وإن كان يؤشر إلي أهمية الاطلاع التفصيلي علي تقرير المرصدrlm;.rlm;

وعلي وجه الإجمالrlm;,rlm; يمكن القول إن اتجاه عديد من الدول العربية نحو مزيد من الانفتاح الديمقراطي في ضوء الحراك السياسي الملموس في الوقت الراهنrlm;,rlm; مؤشر علي تعاظم الدور الذي ستقوم به مؤسسات المجتمع المدني العربي في المستقبل القريبrlm;.