جهاد الخازن

مرّة أخرى وحديث الديموقراطية في العالم العربي، والحديث هذه المرة في الدوحة التي استضافت المنتدى السادس للديموقراطية والتنمية والتجارة الحرة.

حضرت جميع المنتديات السابقة على ما أذكر، وحضرت معها مؤتمرات عن الديموقراطية في مصر والامارات العربية المتحدة ولبنان وغيرها، وسأحضر مؤتمرات مقبلة، فالحديث عن الديموقراطية شلال منهمر، ولكن الديموقراطية نفسها بالقطّارة.

بعض الدول العربية أفضل من بعض، وهناك حدّ معقول من الممارسة الديموقراطية في بلدان عدة، الا انه لا يوجد في أي بلد عربي ديموقراطية اثينية، أو النموذج الاسكندينافي العصري لها. ونحن مسؤولون قيادات وشعوباً عن نقص الديموقراطية، أو العجز في ميزانها أو موازنتها، فأنا لا أحاول ان أجد الأعذار لأحد، ومع ذلك أجد اننا لسنا المسؤولين الوحيدين، فالانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل ينفر الناس في بلادنا من الديموقراطية على الطريقة الأميركية، وربما يشجع الارهاب والارهابيين.

وأتوكأ هنا على رأي أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة في افتتاح المنتدى، فهو امتدح الممارسة الديموقراطية الفلسطينية التي تمثلت في الانتخابات البرلمانية ودعا الى laquo;احترام هذه التجربة العربية المهمة وتشجيعها بدل الضغط عليها او التدخل في حق أصحابها في اختيار قيادتهم، أو التهديد بقطع المعونات عنهمraquo;.

وأكمل وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر بالفكرة نفسها في اليوم التالي وقال ان قرارات عدة صدرت عن مجلس الأمن تتعلق بالوضع الفلسطيني لم تنفذها اسرائيل، ولم تعاقب. وزاد انه يعرف العلاقة الخاصة التي تربط الولايات المتحدة باسرائيل، الا انه حذر من ان عدم تنفيذ القرارات أعطى حجة للذين يريدون ممارسة الارهاب. وقال: laquo;لا نستطيع ان ندافع عن هذه السياسة أمام مواطنينا وشعوبنا، فنحن أيضاً لدينا رأي عام وهو لا يقبل...raquo;.

الوزير قال ان سياسة الكيل بمكيالين لا تفيد في نشر الديموقراطية، وأعطى مثالاً بالتركيز على الملف النووي الايراني وإهمال ما تملك اسرائيل من أسلحة نووية مؤكدة.

كلنا يقول هذا، وشخصياً فقد وجدت دائماً ان الادارة الأميركية الحالية تنتصر للديموقراطية بالكلام وتنقضها بالممارسة، في فلسطين والعراق وايران وغيرها.

الولايات المتحدة وعدتنا بأن يصبح العراق نموذج الديموقراطية لدول الشرق الأوسط. يا لها من ديموقراطية تقسيم وحرب طائفية وقتل وتدمير.

مرة أخرى الديموقراطية في الشرق الأوسط غائبة لأننا مقصرون، ولأن الولايات المتحدة فقدت صدقيتها عندنا، بل ربما زدت ان الديموقراطية المحدودة في بلدان عربية معينة تراجعت في السنوات الثلاث الاخيرة، فالحكومات العربية لا تثق بالادارة الأميركية، وهي ترى مثال العراق، والشعوب العربية أقل ثقة بهذه الادارة.

الشيخ حمد بن خليفة ألقى كلمة مدروسة هادئة، ومع ذلك قاطعها الحاضرون مرة واحدة، كانت عندما تحدث عن تجربة الانتخابات النيابية الديموقراطية التي مارسها الفلسطينيون ثم وجدوا أنفسهم يعاقبون عليها. والحاضرون صفقوا ايضاً لبعض المداخلات عن الموضوع نفسه عندما جرى حوار مع وزير الخارجية. واذا كان هذا ما يحرك ضمير المثقفين العرب، فلا بد من ان الشعور بالجرح والغبن والتمييز أعمق في الشارع.

يكفي ما سبق من حديث الديموقراطية، فالمؤتمرات عنها لن تأتي بها، الا انها توفر فرصة لرؤية مفكرين عرب، ومن حول العالم وزملاء وأصدقاء، وتبادل الرأي معهم والاستفادة، وربما الافادة. ووقف خلفي مشارك سوداني شكا من انه أبعد عن بلده ست سنوات. وقلت له انه يجب ان يكون شاكراً.

ووجدت دائماً ان الهامش الطيب للندوات والمؤتمرات لا يخلو من منغصات (لي وحدي على الأقل)، وقد كان بين المشاركين في منتدى الدوحة الدكتور فؤاد عجمي، وهو من المحافظين الجدد، ولعب دوراً كريهاً في التحريض على العراق. ولا أتمنى له أي أذى شخصي، فأكثر ما أطلب له هو ان يوضع يوماً بين أمهات ثكالى وأرامل وأيتام من ضحايا الحرب في العراق ليرى أي جريمة ارتكبها المحافظون الجدد في حق ذلك البلد وشعبه. وعلى الأقل فلم أسمع بعد ان الدكتور عجمي ربما لأنه عجمي، يحرّض على ايران، فلعله تاب، ولعلها توبة نصوح.

أفضل من ذلك كثيراً ان أرى الرئيس اللبناني الأسبق الشيخ أمين الجميل في الدوحة، فهو صديق قديم جمعتنا دائماً أخبار السياسة وقصص شخصية ليست للنشر. وكان هناك العماد ميشال عون، وأنا لا أعرفه شخصياً، الا انني أعرف مدى شعبيته، وقد رأيتها تتبعه الى قطر، وهو يجتمع باللبنانيين هناك.

وسعدت بعشاء يمني في ضيافة الأخ عبدالعزيز عبدالغني، رئيس مجلس الشورى ورئيس الوزراء السابق. وقد كان عندي دائماً شعور لا أفهم كنهه عن علاقة تربطني باليمن، ثم قرأت يوماً للزميل الكبير غسان تويني عن شعوره بجذور يمنية له. وربما هو نسي هذا الكلام، الا انني أؤكد انه قاله.

ضمّ العشاء نحو 20 ديبلوماسياً ومفكراً وإعلامياً لاحظت بينهم مستوى عالياً من الحضور النسائي والحسن، فكانت معنا فرح الأتاسي التي ترأس شركة اعلامية في واشنطن، وماجدة مراد، وهي شريكة في مجموعة ابراهام، وهذه شركة خدمات نافذة، وفاتنة صلاح الدين، المديرة التنفيذية لجريدة laquo;الصحافةraquo;، جريدة العرب في أوهايو. وسرّني أنهن لا ينسين أصولهن العربية مع ان ليس فيها ما يشجع على الذكرى هذه الايام.

أخيراً، سمعت الشيخ حمد بن جاسم بن جبر يقول ان حقوق المواطنين في قطر محفوظة الى درجة ان الحكومة خسرت 97 في المئة من القضايا التي رفعتها على مواطنين أو رفعها مواطنون عليها. وقلت له: شيخ حمد، غيّروا محاميكم.