الخميس: 2006.05.04

فنجان قهوة
أبو خلدون


الحديث عن أن الشباب شباب القلب يحمل جانباً فلسفياً للحياة وتحديداً للهدف منها، فإذا كنا نرى الحياة عطاء وقيماً وأخلاقاً وفكراً، فإنك لست بحاجة إلى عضلات الشباب وقوته وعنفوانه، وعطاؤك يستمر حتى لو لم ترفع أثقالاً وتتدرب على الكاراتيه والجودو، بل حتى لو وهن العظم منك واشتعل الرأس شيباً. أما إذا كنت ترى أن هدفك هو الجري وراء متع الحياة الحسية والإقبال على ملذاتها، فإن شباب القلب لا يكفي، وستكون بحاجة إلى صحة الشباب وعضلاته وقوته.

وكان الشاعر أحمد الصافي النجفي يرى أن الشباب هو شباب الروح لا القلب، وكنت في الستينات أقتحم أحيانا عليه معتكفه في قلعة صيدا البحرية حيث يمضي الساعات يجلس على الصخر ويتأمل البحر ويستمع إلى هديره، وذات يوم سألته عن عمره فأجابني شعرا:

ldquo;عمري بروحي لا بعدّ سنيني

فلأسخرن غداً من التسعين

عمري إلى السبعين يركض مسرعاً

والروح باقية مع العشرينrdquo;.

وعندما كان يلقي شعره كأنه يقف على مسرح سقطت نظارته فبدأ يبحث عنها بين الصخور متلمساً بيديه، فسقطت وجبة أسنانه، وعندما استعادهما وأعادهما إلى مكانهما، قلت له: ldquo;أي روح تلك التي تتحدث عنها يا أستاذ والشيخوخة تأخذ حقها من كل إنسانrdquo;؟ فأجابني: ldquo;كل شيء تسلبه الشيخوخة منك يمكن تعويضه من محلات قطع الغيار، فإذا ضعف السمع تستخدم سماعة إذن، وإذا ضعف البصر تستخدم نظارة مكبرة، حتى إذا وهنت ساقاك فإنه يمكنك استخدام عكاز يسندك، أما إذا وصل الوهن إلى الروح فإن علاجه يصبح مستحيلاًrdquo;.

وقبل مدة صدر في الولايات المتحدة كتاب بعنوان ldquo;الحياة تبدأ بعد الخمسينrdquo; لا يزال يحتل قائمة أكثر الكتب مبيعاً، يقول مؤلفه: إن الشيخوخة موجودة في داخلك وليس على ملامح وجهك، وأن سن الخمسين والستين هي قمة العطاء في حياة الإنسان، فبعض الكتاب والموسيقيين والفنانين نشروا أفضل أعمالهم في هذا العمر، ومتوسط أعمار الذين حصلوا على جائزة نوبل يزيد على 65 سنة، وعندما كان الاتحاد السوفييتي في أوج قوته وعظمته كان يخضع لحكم مجموعة من العجائز في المكتب السياسي متوسط أعمارهم يزيد على 70 سنة، وعندما احتفل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بعيد ميلاده السبعين أثناء وجوده في الحكم أرسل له ليونيد بريجنيف برقية يقول له فيها: ldquo;الآن بدأت مرحلة النضج في حياتكrdquo;.

والشعراء يتبعهم الغاوون، ولم أجد فيهم غير النجفي من يؤمن بأن الشباب شباب الروح، فها هو ابن الرومي يندب حظه العاثر، لأن المشيب حرمه من نصيبه من وصل الغواني، وابن أبي حصيفة يقول: إن الشيب ليس وقاراً وإنما وقرٌ في الأذن. وفي قصيدة لإبراهيم اليازجي يقول: إن المشيب أقعده عن الجري وراء ملذات الحياة وأسلمه للأسقام، ويضيف: ldquo;ذاك المشوق إليك إبراهيم قد / قعد المشيب به إلى أسقامهrdquo;. وفي قصيدة من أجمل القصائد التي كتبها أمين نخلة يقول إن المشيب أسقطه عن عرشه، ويضيف: ldquo;نحن الذين هوى بهم فلك وأسقط في يدينا / كنا الملوك على العروش وكانت الدنيا لدينا / كنا الرماح السمهريات العوالي فانثنيناrdquo;.

ويا حضيري أبو عزيز، نتذكرك عندما نسمع شاعرا يقول:

صبا قلبي إلى زمن التصابي

وأبكاني المشيب على الشباب