الثلاثاء: 2006.07.18


سمير عطا الله


كانت الحرائق على بعد مئات الامتار من البيت في الحازيمة. والدوي المتلاحق اعاد صورة الحرب كاملة. وبعد يومين انتقلت زوجتي وابنتي الى منزل ابنة شقيقتها في اعالي بيروت. وصار الدوي اقل والقلق اكبر. لا انا قادر على العودة الى بيروت، بأي طريق، ولا العائلة قادرة على الخروج. وسألنا ان كان حملة الجنسية البريطانية سوف يجلون كما هو الحال غالبا. فقيل لا قرار بعد. لكن الفرنسيين يجلون والاميركيين والايطاليين. ولا علاقة لنا بالامر. كان الحل الوحيد بالنسبة لنا في تلك الحال هو البحث عن فرقة نازحة. لكن مَن؟ وباسم ماذا نطلب من القافلة الاماراتية او الكويتية او السعودية، الانضام اليها؟ ان يكون المرء صديقا، امر، وان تحق له حقوق المواطنين في حالات الحرب، فأمر مختلف جدا.

مساء ذلك اليوم اتصل الامير عبد العزيز بن سلمان. وهو اذا اتصل عادة، يسأل عن كتاب او ناشر او مكتبة قديمة، تسبقه دائما ابتسامته. هذه المرة كان شديد الاقتضاب: اين انت واين عائلتك وكيف نساعدكم. وشكرت، وقلت لا ادري ان كان من الممكن ان تنضم عائلتي الى الرعايا السعوديين، على الاقل حتى دمشق. ومن هناك تأخذ طائرة الى أي مكان في اوروبا.

كانت طريق البر الى سورية قد امتلأت حتى فاض عنها. والطائرات المغادرة مطار دمشق مكتظة مثل طائرات رواندا في الايام الاولى. واتصل الامير عبد العزيز بالسفير السعودي الدكتور عبد العزيز الخوجة، فقال السفير: سنعامل عائلة صديقنا كمواطنين في حاجة الى تأشيرة. والتأشيرة جاهزة. فليأتوا الآن.

عاد الامير عبد العزيز وحرمه فأصرا ان تذهب العائلة الى الرياض. ومن هناك تسافر الى فرنسا. واي دخول في التفاصيل سوف يحرج تواضع الامير الشاب وحرمه. وليس مسموحا في هذه الجريدة ان ازيد على عبارة الشكر، عندما يتعلق الامر بالامير سلمان او أي من ابنائه.

زال قلقي الشخصي عندما رأيت عائلتي. ولكن ما هو الفرد في مثل هذه الحالات العمياء؟ هل هو وحدة منفصلة عن جماعة، ينتهي قلقه بمجرد ان ينتهي خوفه؟ وماذا عن الذين لا يستطيعون حتى النزوح؟ وماذا عن الفقراء، وخصوصا فقراء الغد الذين ستجوّعهم هذه الحرب، والى كم سنة سوف تستمر تداعيات هذا التدمير الشامل؟

هل ثمة لعنة خاصة حلت على هذا البلد؟ ان يكون جماله دائما في محنة، وان يكون هو دائما الجبهة الوحيدة وينبوع التهجير الوحيد ومصدر التشريد الوحيد؟ هل كتب عليه ان يكون كفارة جميع الذنوب العربية؟ هل ان شرف العروبة وكرامتها لا يحميهما سوى ان يدمَّر لبنان كل عشر سنوات، وان يترك امره لأعتى عتاة الارض واظلم ظالميها؟ لماذا لا يتكرر هذا المشهد إلا في لبنان: ألوف النازحين ومئات الضحايا والبيوت المرمدة ومقابر للاطفال وطوابير تلجأ الى المدارس مثل ضحايا الزلازل؟