الخميس: 2006.09.07

مارك ليسي

مراسل نيويورك تايمز في quot;مكسيكو سيتيquot;

منذ ثلاثين عاماً خلت، كان أستاذ التاريخ في الصف الأول الإعدادي في إحدى مدارس مدينة quot;موريلياquot; وهي مدينة عتيقة على الطراز الكولونيالي القديم، تقع في وسط المكسيك يطوف بالفصل كي يجري استقصاءً يسأل فيه التلاميذ الصغار عن الوظيفة التي يريد كل واحد منهم أن يشغلها عندما يكبر.

كان هناك من قال إنه يريد أن يعمل طبيباً أو مهندساً أو محامياً.. ولم يكن ذلك بالشيء الجديد حيث إن تلك المدرسة كانت هي أرقى المدارس في تلك المدينة ولكن الجديد هو أن صبياً ممتلئ الوجه غزير الشعر أجاب على سؤال الأستاذ بجدية شديدة قائلاً إنه يود أن يصبح رئيساً للجمهورية.

هذا ما تتذكره جيداً quot;الما ديليا الفاريز زاموديوquot; رفيقة التلميذ ذاته في الفصل والتي تعمل مدرسة الآن حيث تقول: quot;لقد اخترنا كلنا وظائف عادية باستثناء زميلنا فيليب كالديرون الذي قال إنه يريد أن يصبح رئيساً للجمهورية بلهجة تجعل من يسمعها يعتقد أنه واثق من أن هذا سيحدث بالفعل في يوم من الأيامquot;.

واعتبارا من يوم الثلاثاء أول من أمس أصبح quot;فيليب جيساس كالديرون هينوجوساquot; الذي يبلغ من العمر 44 عاماً رئيساً للمكسيك بصفة رسمية (ويعتبر أصغر من تولوا المنصب في تاريخ البلاد).

وكان كالديرون قد فاز في الانتخابات التي جرت في الثاني من شهر يوليو الماضي بفارق ضئيل، كما صمد بعد ذلك أمام الاعتراضات التي أثارها منافسه الرئيسي quot;اليساريquot; وهو quot;أندريه مانويل لوبيز أوبرادورquot; بشأن سلامة العملية الانتخابية. وفي صباح الثلاثاء أول من أمس أعلنت المحكمة الانتخابية العليا في البلاد فوز كالديرون بصفة رسمية على أن يتولى مهام منصبه اعتباراً من الأول من ديسمبر.

ولو وصفنا ذلك الرجل الآخذ شعره في التضاؤل والذي يرتدي نظارات بأنه سياسي محترف، فإننا سنكون بذلك قد قللنا من شأنه في الحقيقة، لأن حملته الانتخابية الأولى حدثت عام 1962 عندما كان لا يزال جنيناً في بطن أمه. في ذلك العام كان والده quot;لويس كالديرون فيجاquot; الناشط السياسي البارز والذي كان أحد مؤسسي حزب quot;العمل الوطنيquot; يخوض انتخابات quot;المحافظينquot; في نفس الوقت الذي كانت أمه الحامل به تقوم بمجهود كبير لمساعدة والده في حملته الانتخابية.

ولم يكن هذا هو السباق الانتخابي الوحيد الذي شارك فيه quot;كالديرونquot; قبل أن يولد، وإنما ساعد وهو طفل في الكثير من الحملات الانتخابية التي كان يترشح لها والده أو أحد أقاربه حيث كان يقوم بتوزيع المنشورات في الوقت الذي كان أقرانه من الصبية يلعبون الكرة، أو كان يطوف بعربة مُركّب عليها مكبر صوت كي يقوم بالدعاية في الوقت الذي كان زملاؤه يلعبون ويمرحون في الحدائق. وفي تلك المرات ومرات أخرى عديدة غيرها كان حزب quot;العمل الوطنيquot; ذو الأجندة المؤيدة لرجال الأعمال وحرية السوق يخسر الانتخابات.

وفي كل مرة كان أصدقاء quot;كالديرونquot; في المدرسة يغيظونه بسبب فشل عائلته في الانتخابات، ويسخرون من محاولة الحزب الذي تنتمي إليه أسرته زحزحة الحزب الحاكم القوي، الذي كان يقود المكسيك في ذلك الوقت بقبضة من حديد. وعندما كان quot;كالديرونquot; يذهب إلى والده ويشكو له من سخرية زملائه في المدرسة كان والده يطيِّب خاطره، ويقول له إن الديمقراطية مشروع طويل الأمد ويتطلب جلداً وصبراً طويلاً.

كان والده على حق حيث احتاج الأمر إلى عدة عقود قبل أن يؤدي الانتصار الذي حققه quot;فينسنتي فوكسquot; في الانتخابات الرئاسية عام 2000 إلى إنهاء سيطرة الحزب الحاكم وهو الحزب الدستوري الثوري على مقدرات البلاد.

وكان كالديرون واحداً من السياسيين الذين ساهموا في تحقيق تلك اللحظة الفاصلة، حيث كان يقوم بجمع أطفال الأحياء ويجعلهم يقومون بمراقبة لجان الانتخابات لكشف الألاعيب التي كان يقوم بها الحزب الحاكم. وفي نهاية المطاف ونتيجة لجهده ودأبه بدأ اسمه يتردد باعتباره واحداً من أعضاء حزب العمل الوطني الذين ينتظرهم مستقبل سياسي مرموق.

وعندما بلغ السادسة والعشرين من عمره أصبح quot;كالديرونquot; عضواً في الجمعية البلدية التابعة لمكسيكو سيتي، ثم انتخب بعد ذلك عضواً في مؤتمر الحزب قبل أن يصل إلى الثلاثين من عمره، ثم قفز إلى منصب رئيس الحزب وعمره لا يزال 34 عاماً. واللافت أن كالديرون قد قابل زوجته quot;مارجريتا زافالاquot; في الحزب حيث كانت عضوة فيه وتزوجها بعد أن كان قد طلب يدها أثناء جولة انتخابية وأنجبا ثلاثة أطفال.

وبعد أن قضى فترة في الدراسة في مدرسة الحكم في هارفارد عام 1999 خدم كالديرون لفترة قصيرة كوزير للطاقة في حكومة الرئيس quot;فوكسquot;. بعد ذلك سعى إلى خوض انتخابات الرئاسة عن حزبه حيث تغلب على quot;سانتياجو كريلquot; الرجل الذي اختاره quot;فوكسquot; بنفسه كي يخلفه وزير الداخلية السابق وذلك في الانتخابات التمهيدية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي.

على الرغم من تلك الإنجازات فإن هناك في المكسيك من يرون أنه قد صعد درجات السلم السياسي بسرعة غير عادية وأن ذلك لم يتح له الوقت الكافي للحصول على خبرة سياسية حقيقية. وفي أثناء الانتخابات الأخيرة وصفه خصمه quot;لوبيز أوبرادورquot; بأنه سياسي ينتمي إلى طبقة الأغنياء وأصحاب النفوذ وأنه منفصل تماماً عن المعاناة اليومية لملايين المكسيكيين البسطاء.

ولكن بعض الذين يعرفون كالديرون منذ أن كان صبياً يختلفون مع هؤلاء الذين يحاولون أن يصوروه على أنه سياسي ينتمي إلى عائلة غنية، ويقولون إنه قد عاش طفولة عادية في بيت متواضع وكان يمارس أنشطة عادية مثل كرة القدم أو العزف على الجيتار كما كان يتردد مع عائلته على كنيسة متواضعة.

ويقول quot;لويس ميجيا جازمانquot; الناشط بالحزب إن quot;كالديرونquot; قد تعلم السياسة من خلال تجارب عملية صعبة وذلك بمشاركته في دعم المرشحين عن حزبه ثم رؤيتهم بعد ذلك وهم يخسرون المرة تلو المرة مما مكنه من تعلم الكثير من الدروس التي لاشك أنها ساعدته أخيراً على الفوز في الانتخابات الأخيرة، حتى وإن كان هذا الفوز قد جاء بفارق ضئيل للغاية لا يزيد على 1 في المئة من مجموع الأصوات.

وقد تعهد quot;لوبيز أوبرادورquot; الذي خسر السباق الانتخابي أمام كالديرون بفارق 243 ألف صوت من مجموع 41 مليوناً أدلوا بأصواتهم أنه سيستمر في معارضة فوز quot;كالديرونquot; خلال السنوات الست القادمة.

وعلى الرغم من أن القرار القاضي بفوز quot;كالديرونquot; بتلك الانتخابات يعني أن ذلك الفوز قد صار نهائياً وواجب التنفيذ، إلا أن المتوقع أن يواصل quot;أوبرادورquot; في معارضته، وهو ما يعني أن كفاح quot;كالديرونquot; السياسي سيتواصل حتى بعد أن حقق حلم طفولته بتولي منصب رئيس الجمهورية.