عوني صادق

تعود ذكرى هجمات سبتمبر/أيلول للمرة الخامسة في وقت يتأكد فيه فشل ما تطلق عليه إدارة جورج بوش (الحرب الشاملة على الإرهاب)، وتتزايد فيه أعداد القتلى والجرحى من الجنود الأمريكيين وحلفائهم وتتضاعف تكلفة هذه الحرب، وتتجمع مؤشرات هزيمة قوات الاحتلال الأمريكي سواء في العراق أو أفغانستان، وأيضا هزيمة المشاريع الأمريكية سواء في فلسطين أو لبنان، ما يؤكد أن (المهمة) التي حددها بوش وتعهد بالقيام بها هي ببساطة مهمة مستحيلة. وعلى الرغم من كل المعلومات والحقائق المتوفرة، وكلها تستند إلى تقارير وتقديرات أمريكية أغلبيتها رسمية، فإن بوش لا يزال يصر على (إنجاز المهمة) والادعاء بأن كل شيء على ما يرام ويسير في الاتجاه الصحيح.

ففي منتصف أغسطس/ آب الماضي رفض بوش، في خطاب أمام مناصريه في مدينة لانكستر بولاية بنسلفانيا، مطالب الداعين إلى سحب القوات الأمريكية من العراق قائلا: إن ldquo;الرحيل قبل إنجاز مهمتنا سيؤدي إلى قيام دولة إرهابية في قلب الشرق الأوسط، دولة تمتلك احتياطيا من النفط قد تسعى الشبكات الإرهابية الى استخدامه لإلحاق الأذى اقتصاديا بالذين يؤمنون بالديمقراطيةrdquo;، مؤكدا أن ldquo;الجبهة المركزية للحرب على الإرهاب حاليا في العراقrdquo;. وأضاف: ldquo;إن انسحابا قبل إنجاز مهمتنا سيضر بمصداقية الولايات المتحدة...rdquo; متسائلا: ldquo;من سيقف إلى جانب الولايات المتحدة إذا لم ننجز مهمتنا وهي مهمة يجب إنجازها وسيتم إنجازهاrdquo;. وبعد أسبوعين، أي في نهاية أغسطس/آب الماضي، أعاد بوش التأكيد على أقواله قائلا: ldquo;إذا انسحبنا من العراق قبل إنجاز العمل، فإن ذلك سيكون هزيمة كبرى للولايات المتحدة في الحرب الشاملة على الإرهاب... وسيقوض ذلك مصداقية الولايات المتحدةrdquo;.

وبينما يبدو واضحا أن بوش، من خلال أقواله تلك، لم يلاحظ بعد أن هزيمة الولايات المتحدة قد تحققت فعلا، كانت التقارير والإحصائيات وآراء الخبراء والمحللين تؤكد أن الهزيمة قد تحققت بالفعل، فتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في نيسان/إبريل الماضي، أقر بأن ldquo;الحرب على الإرهاب تعرضت لانتكاسة جديدة في العام 2005rdquo; حيث وقع نحو ldquo;11 ألف هجوم قتل فيها 14600 شخص في أماكن مختلفة من العالم، مقابل 651 هجوما قتل فيها 1907 أشخاص في العام 2004rdquo;.

وفي نهاية أغسطس أيضا، قدر ldquo;مشروع الأولويات الوطنيةrdquo; الأمريكي تكلفة الحرب على العراق بأنها بلغت حتى تاريخه (5،318) مليار دولار. وجاء في التقرير ldquo;هذا يعنى 1075 دولاراً لكل مواطن أمريكي، وأن الحرب تكلف (10) ملايين دولار كل ساعة و(344) مليون دولار كل يومrdquo;. وفي يونيو/ حزيران الماضي، أجاب 116 خبيرا ومحللاً وسياسياً أمريكياً عن أسئلة طرحتها عليهم مجلة (يو إس فورين بوليسي)، بأقوال تناقض ما تزعمه إدارة بوش حول نتائج حملة (الحرب على الإرهاب) حتى الآن. وقد أجاب 84% منهم أن واشنطن تتجه إلى هزيمة، فيما رأى 86% منهم أن العالم اليوم هو أكثر خطرا وخطورة مما كان عليه قبل بدء هذه الحرب.

وإذا كان لا بد من كلمة سريعة عن الوضع في أفغانستان، فإن كل التقارير الواردة من هناك تفيد بأنه منذ مايو/أيار الماضي يزداد وضع نظام قرضاي صعوبة وتتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية بسرعة تعيد إلى الذاكرة ما كان يحدث في الفترة التي سبقت وصول حركة طالبان إلى الحكم، فالمعارك تحولت إلى مواجهات مكشوفة مع القوات الأمريكية وحلفائها، وأعداد القتلى والجرحى في صفوف هذه القوات ترتفع يومياً، إضافة إلى أن كابول نفسها ليست آمنة وتتعرض للهجمات بشكل شبه يومي، وهو ما يكشف عن فشل واضح للسياسة الأمريكية في أفغانستان.

وهكذا يتضح أن ldquo;المهمةrdquo; التي يصر بوش على إنجازها هي مهمة مستحيلة بالفعل، وأن هزيمة مؤكدة تنتظره فيما يخص ما يسميه ldquo;الحرب الشاملة على الإرهابrdquo;... ولا عزاء للمهزومين.