د. حسن مدن
امرأتان من لبنان، ايفون المسيحية وهدى المسلمة، تحملهما ظروف الحرب الأهلية في بلدهما إلى الهجرة بعيدا. تذهب هدى إلى كندا حيث تعمل مخرجة مسرحية ممارسة المهنة التي طالما حلمت بها والتي تعيق ظروف تنشئتها الاجتماعية، كونها ابنة رجل دين، من ممارستها لها في لبنان، فيما تهاجر ايفون إلى لندن،وهناك تؤسس شركة إعلان وعلاقات عامة ناجحة. تلتقي المرأتان في بيروت بمحض المصادفة حين تنظم هيئة أهلية مؤتمرا أو لقاء لتكريم اللبنانيات المتفوقات أو الناجحات في أعمالهن خارج لبنان، أو ما يمكن وصفه بتجمع للمغتربات اللبنانيات للتعارف وتبادل الخبرات والتجارب. تنعقد بين هدى وايفون علاقة صداقة قوية، وتقرران اللقاء ثانية بعد أن تعود كل منهما إلى حيث تقيم.
حين أزف موعد اللقاء تتداولان في مكانه: لا تحبذ ايفون السفر إلى كندا البعيدة للقيا صديقتها، كما تعبر هدى عن رغبتها في الابتعاد عن ضباب وروتين لندن، فتختاران مدينة ايطالية على البحر الأبيض المتوسط، نفس البحر الذي نشأتا بجواره وقضتا طفولتهما وصباهما على شطآنه، ونفس البحر الذي جعل من ايفون سباحة ماهرة قفزت مرة من أعلى صخرة بجوار بيتها، كانوا يسمونها الصخرة المحرمة لخطورة القفز منها، في شيء اقرب إلى التحذير من الاقتراب منها.
ليست أحداث اللقاء في ايطاليا هي ما يشكل صلب رواية ldquo;امرأتان على شاطئ البحرrdquo; للروائية اللبنانية حنان الشيخ، إنما تداعيات كل من ايفون وهدى، ذلك الشريط الاسترجاعي الصاخب، الحافل بالظروف التي نشأت فيها كل من الفتاتين اللتين باتتا الآن صديقتين، لا لنتعرف الى اختلاف البيئة الاجتماعية الثقافية التي جاءت منها كل منهما فحسب، وإنما لنتعرف في صورة أساسية إلى وضع المرأة المستلب في بيئة شرقية، وذلك عبر لغة جميلة وبناء موفق للمعمار الروائي الذي يقربنا من العالم الداخلي للمرأة على لسان النساء أنفسهن، ليس فقط عبر تداعيات وحوارات ايفون وهدى، وإنما أيضا عبر التدخل الذكي غير المنفر للكاتبة التي تبسط أمامنا سيرة بطلتيها وهما تقطعان المسافة بين بلديهما لبنان وبين مهجريهما، كندا وبريطانيا، وتعيدان تشكيل العلاقة مع الماضي بعد أن باتتا على مسافة كافية منه، في الزمان وفي المكان على حد سواء.
ورغم أن هدى أتت من جنوب لبنان فيما أتت ايفون من شماله، ورغم الفروقات البالغة، البليغة التي نلمسها بين بيئتي كل واحدة منهما، إلا أن الكاتبة تأخذنا على مهل للقناعة التي تهيمن على مناخ الرواية، وهي أن هذه الفروقات ليست سوى تنويعات على معاناة واحدة، هي معاناة المرأة ليس فقط أمام ضغط التقاليد وإنما أيضا أمام طغيان الفهم الذكوري في المجتمع، وهو طغيان لا أحد أكثر مقدرة من المرأة الكاتبة على تلمسه.
التعليقات