الإثنين: 2006.09.18



د. عبدالله السويجي

مرت ذكرى أحداث 11 من سبتمبر أكثر هدوءا مما كنا نتوقع، رغم إحياء العديد من الحكومات والمؤسسات ووسائل الإعلام لها بأشكال مختلفة، لكنها أظهرت مرة أخرى مدى التناقض في أقوال المسؤولين والفاعلين، ومدى الشكوك التي لا تزال تحوم حول الفاعل الحقيقي والمرتكب الأصلي لأحداث 11 سبتمبر، خاصة عندما يرى المشاهدون برجا يتهاوى في مكانه دون أن يزيح مليمترا واحدا إلى اليسار أو إلى اليمين، في ما يشبه عملية تفجير أساسات المبنى بطريقة الهدم المتعارف عليها.

لقد مرت أكثر هدوءا لأن التنظيرات السياسية حولها استنزفت (وتبقى التنظيرات الأمنية)، ولم يعد هناك ما يمكن قوله، لا في الحرب على الإرهاب، ولا في دول الشر، ولا في التطرف، ولا في صراع الحضارات، ولا في الفاشية، وكأن العقل الغربي استهلك كل مقولاته الأيديولوجية. إلا أن هذا يجب ألا يعمينا عن رؤية الحقيقة الناصعة، وهي أن نتائج 11 سبتمبر كانت كارثية على المستوى العالمي بشكل عام، والمستوى العربي الإسلامي بشكل خاص، ويبدو أن حجم الكارثة الذي خلفته هو الذي ساهم في مرورها بهدوء، وكأننا نرى بقايا آلاف الحرائق هنا وملايين من ألسنة اللهب هناك، بعد نشوب نار ضخمة التهمت عشرات الآلاف من الغابات الخضراء، أو بعد قصف مدمر لقرى ومدن دمر آلاف البيوت وقتل آلاف الأبرياء.

إن المرور الهادئ نسبيا لذكرى 11 من سبتمبر حمل في طياته تغطية على نتائجها، أو النتائج التي أرادوها لها، أو للفعل ذاته، فأي إحياء ضخم لتلك الأحداث سيظهر إلى السطح الوجود الأمريكي المباشر في أفغانستان والعراق، والوجود غير المباشر في أكثر من دولة عن طريق القواعد ومراكز الدعم اللوجستي، والوجود الدولي في لبنان، والمذبحة المستمرة في الأراضي الفلسطينية، والتحكم بالنفط الخليجي وممراته، والصراع حول القدرات النووية الإيرانية، والنزاع المسلح في الصومال، وتدويل إقليم دارفور تمهيدا للتحرش المباشر بالحكومة السودانية، وخروج سوريا من لبنان، والقرار ،1959 وبعده القرار ،1701 واعتقال أو خطف حكومة حماس في فلسطين، وعودة الاستخبارات للتحكم في دقائق الحياة البشرية، إن كانت في قلب العواصم التي تفخر بحريتها مثل واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وبرلين، أو في بعض الدول العربية التي هي أصلا محكومة من قبل تلك الأجهزة، مع زيادة نسبية في انتشارها وتسيدها، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وزيادة النعرة الطائفية بين السنة والشيعة، وخلق الشبهات حول الطلاب العرب الدارسين في الدول الغربية وغيرها من نتائج لا تحمد عقباها.

أما على صعيد العلاقة بين الشعوب الغربية والشعوب العربية، فإن أحداث 11 من سبتمبر ساهمت في رفع درجة الحساسية العقائدية وطرحت أسئلة تتصل بجوهر الثقافات والحضارات وأساليب الحياة، وتمخضت عن مجموعات أعلنت تطرفها بشكل مباشر، بل مارست أفعالا عدائية ضد المسلمين.

إن الحرب على الإرهاب، كما تسميها الولايات المتحدة وحلفاؤها، والتي أُريد لها أن تكون أبرز نتائج أحداث 11 من سبتمبر، بما صاحبها ويصاحبها من غموض في تعريف المصطلح، وازدواجية في التنفيذ، والاختلاف في المعايير، أعطت الضوء الأخضر لكثير من الحكومات العنصرية، مثل الحكومة الصهيونية، أن ترتكب المزيد من المذابح اليومية ضد الفلسطينيين، وأن تقصف بوحشية بالغة، المدنيين والأطفال في لبنان.

من الطبيعي أن تكافح الشعوب للحفاظ على شخصيتها الوطنية، وتحتضن عقيدتها (كالقابض على الجمر)، وأن تسعى للتمتع باستقلاليتها قدر الإمكان، لأن كل ما يجري، بعد أحداث 11من سبتمبر يشير إلى تدني مفهوم السيادة، واستباحة أراضي الدول ومقدسات الكثير من الشعوب، وإذا ما استمرت الهجمة بنفس الوتيرة، فإن المزيد من الفوضى والحقد والحنق والكراهية، سينتشر بين الشعوب والأنظمة، ولا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأمور، إلا إذا كان الهدف من وراء كل ذلك، خلق الفوضى في هذه الدول، وخاصة الدول العربية والإسلامية.

سيبقى العالم بلا شك، وإلى سنوات طويلة، يعاني من لغز 11 سبتمبر، وهذه المغامرة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة، بل ستعاني أمريكا نفسها منها، لأنها تتحول تدريجيا، من بلد للحريات والقانون، إلى بلد محكوم بالاستخبارات وتقييد الحريات، ولن يختلف عن الاتحاد السوفييتي المنحل، الذي كانوا يكيلون له الاتهامات، من أنه يقيد حرية مواطنيه. وستتحول أمريكا إلى دولة شمولية، يحكمها حزب واحد، وسيذهب الرأي العام إلى الجحيم، ولا سلطة فوق سلطة أجهزة الأمن، لأن المصلحة القومية تتطلب ذلك.

ويقول البعض إن الولايات المتحدة تعيش هذه الحالة، ولكن بشكل خفي، لأن أحداث 11من سبتمبر أعطت الحق للحكومة مراقبة البريد الإلكتروني للمواطنين الأمريكيين، وهذا يعني أنها اقتحمت الغرف الخاصة للإنسان الأمريكي، وتساعدها التقنية العظيمة التي تراقب 30 ألف رسالة إلكترونية في الدقيقة، وهذا يعني أن كل البريد الأمريكي يمكن مراقبته خلال ساعات، أي أن المواطن الأمريكي يعيش تحت سلطة الاستخبارات دون أن يدري. وهذه الممارسات، التي ستتضخم في يوم ما، هي التي ستقلب السحر على الساحر، خاصة إذا كتب الله لأمريكا رجلاً يستطيع الفوز في الانتخابات بنزاهة، وليس بدعم الصهيونية المسيحية أو اللوبي اليهودي، واستطاع أن يعري ما ارتكبته إدارة بوش الابن من حماقات، أضرت أولاً وأخيرا الولايات المتحدة الأمريكية. وإن الوقت الذي ستعيش فيه أمريكا في عزلة عن العالم، رغم جبروت قوتها العسكرية، ليس بعيدا، لأن الأحداث ستتوالى بسرعة، والمستقبل دائما مع الحق، لأن الله مع الحق.