الجمعة: 2006.09.29
باسكال بونيفاس
في الثالث والعشرين من سبتمبر الجاري أشارت صحيفة quot;ليست ريبيبليكانquot; المحلية الفرنسية إلى احتمال وفاة زعيم تنظيم quot;القاعدةquot; أسامة بن لادن في مكان ما بالجبال ما بين أفغانستان وباكستان جراء إصابته بحمى التيفوئيد. وكانت الصحيفة استندت في تقديم هذه المعلومة المثيرة إلى وثيقة استخباراتية بتاريخ الحادي والعشرين من سبتمبر صادرة عن الاستخبارات الفرنسية التابعة للإدارة العامة للأمن الخارجي. الوثيقة أشارت إلى أن مصادر أمنية أوضحت أن العزلة الجغرافية لابن لادن بسبب فراره المستمر حالت دون تلقيه أية مساعدة طبية لازمة، في الوقت المناسب. وقد أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك وجود هذه الوثيقة، ولم ينفها، غير أنه لم يؤكد خبر الوفاة تحديداً. ونتيجة لذلك، ما زالت علامات الاستفهام قائمة حول مآل العدو العمومي والمطلوب العالمي quot;رقم واحدquot;، وذلك بعد أكثر من خمس سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاغون.
والواقع أن ثمة معلومات شبه متطابقة أشارت إلى تردي صحة الإرهابي الذي ما زال مجبراً، في حال لم يُقبض عليه، على مداومة الاختباء والفرار. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن وفاته فرضية تتوفر على قدر لا بأس به من المصداقية. ذلك أن احتمالات موت بن لادن أو اعتقاله على المدى المتوسط تفوق بكثير احتمالات نجاحه في الاستمرار في الفرار إلى ما لا نهاية وإفلاته من الأميركيين الذين يتعقبونه. والحال أن العثور على جثة بن لادن والأدلة عبر اختبارات الحمض النووي هما الوحيدان اللذان يمكنهما أن يقطعا الشك باليقين ويثبتا خبر وفاته أو أن ينفياها.
وبطبيعة الحال يرى البعض أنه ليس من مصلحة تنظيم quot;القاعدةquot; ولا الأميركيين الإعلان عن خبر وفاة بن لادن، في حال كانت ثمة وفاة أصلاً، على اعتبار أن منظمة quot;القاعدةquot; ستحرص على عدم خفض معنويات أتباعها، وأن الأميركيين يرغبون أيضاً في تبرير استمرار سياسة الحرب التي يخوضونها على الإرهاب. والواقع أن عدة شائعات راجت مؤخراً مؤداها أن وفاة بن لادن ربما أريد لها أن تظل سراً. غير أن هذه الشائعات، التي يمكن إدراجها في إطار quot;نظرية المؤامرةquot;، ليست مُقنعة بأي شكل. علاوة على ذلك، يمكن لـquot;القاعدةquot; أن تسعى لتأكيد أنه حتى بدون شخصية بن لادن، فإن المنظمة الإرهابية ما زالت موجودة وقائمة، ومازالت قادرة على ضرب أعدائها. وباختصار، فإن مصلحتهم تقتضي أن يُظهروا أن منظمتهم أهم من الشخص الذي يتزعمها.
أما الرئيس الأميركي جورج بوش، فيمكنه هو أيضاً في حال جرى تأكيد خبر وفاة بن لادن رسمياً أن يقول إن الولايات المتحدة سجلت نقاطاً مهمة في حربها على الإرهاب، وإن الاستراتيجية التي تنتهجها إدارته قد بدأت في الإتيان بثمارها. كما سيأتي هذا ليدعم خطابه الذي يقول فيه إنه إذا لم تكن الولايات المتحدة بمأمن كامل بعد، فإنها، على الأقل، أكثر أمناً اليوم من السابق، وإنها بصدد الفوز في الحرب على الإرهاب، وإن كانت هذه الأخيرة ما تزال طويلة.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه سياسة الرئيس بوش لسيل من الانتقادات القوية والمتزايدة، حتى من قبل بعض من أولئك الذين كانوا يدافعون عنها في السابق، إلا أن الإعلان عن زوال خطر بن لادن، حتى وإن كان بسبب المرض، من شأنه أن يمنح الرئيس بوش جرعة أكسجين في أفق انتخابات نوفمبر 2006، حيث تبدو هذه الأخيرة صعبة ودقيقة بشكل خاص بالنسبة لأعضاء حزبه الجمهوري. كما يُعد نشرُ الصحافة الأميركية خلال عطلة نهاية الأسبوع لتقرير صادر عن وكالات الاستخبارات الأميركية الست عشرة، ويفيد بأن حرب العراق فرخت وما زالت تعمل على تفريخ المزيد من الإرهابيين، يعد ضربة قاسية جداً بالنسبة لجورج بوش الذي طالما برر تلك الحرب باسم محاربة الإرهاب.
غير أنه كيفما كانت ردود الفعل التي قد يثيرها هذا الخبر، إلا أن وفاة بن لادن المحتملة لا تعدل في الحقيقة معطيات الحرب على الإرهاب. ذلك أن التهديد الإرهابي لا يُختصر موضوعياً في شخص واحد، كما أنه من غير المؤكد أن يضعف جراء رحيل أسامة بن لادن، إذ استمدت منظمة quot;القاعدةquot;، التي تعرضت لضربات قوية بفعل حملة أفغانستان العسكرية في خريف 2001، نشطها ودعاويها من حرب العراق. فالأمر لم يعد يتعلق بمنظمة تتوفر على ملجأ إقليمي لها في أفغانستان، وإنما بشبكة من الخلايا التي لا تتوفر بالضرورة على روابط عضوية تجمعها فيما بينها، وإنما فقط على مصدر إلهام إيديولوجي مشترك. وفي هذا السياق، ربما من الجدير هنا التذكير بما أفاد به الأشخاص الذين قُبض عليهم في بريطانيا عقب هجمات لندن، والذين اعترفوا بأنهم إنما فعلوا فعلتهم رداً على حرب العراق، وأنه ليس لهم أي اتصال مباشر مع بن لادن ولا مع منظمته الإرهابية.
والواقع أنه لا ينبغي، في الحرب على الإرهاب، التركيز على الآثار على حساب الأسباب. فربما يمكن لابن لادن أن يجسد الإرهاب رمزياً، غير أنه لا يختزله. وبالتالي، فبدون تعديل للبيئة الاستراتيجية العامة، من المرجح أن يتم استبداله من قبل إرهابي آخر إذا صح أنه هو قد مات فعلاً. وإذا اكتفينا بملاحقة بن لادن دون التفكير في الأسباب التي قد تدفع شباناً مسلمين إلى الاندفاع وراء دعايته، فلن نحرز أي تقدم يُذكر. ذلك أن الإرهاب لا يُحارَب بالوسائل العسكرية فحسب، وإنما يحارب في المقام الأول عبر الوسائل السياسية. وقد آن الأوان لأن يعرف الغرب أن الحل العسكري والأمني للتحديات الإرهابية حل قاصر، ما لم يترافق مع مشروع سياسي واضح الخطوات والملامح والقسمات.
التعليقات