19 يناير 2007
أبو خلدون
فقدت العائلة في المجتمعات الغربية، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، دورها التقليدي كمربية للنشء وحاضنة لهم، تزودهم بالقيم والمثل والأخلاق، وتبصرهم بحقائق الحياة، فالشاب او الفتاة في الغرب يستقل عن اسرته ويعيش بمفرده لا يشغل نفسه بأمور والديه وأشقائه بعد بلوغه الثامنة عشرة، وبعضهم قبل هذا السن، وتذكر نانسي ريجان انه عندما اشتدت وطأة مرض الزهايمر على زوجها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان لم يسأل أولاده رون وباتي ومورين عنه.
وفي إحصائية غريبة نشرتها الصحف الأمريكية تبين أن 54% من النساء فوق سن الثامنة عشرة يعشن بمفردهن بعيدا عن أسرهن، وهذه النسبة تزيد على ضعف مثيلتها عام 1950 عندما انتشرت موجة الاستقلالية لدى الشباب بعد خروج العالم من حرب مدمرة.
وتقول البروفيسورة ستيفاني كونز، مديرة التثقيف في مركز الأسرة المعاصرة في واشنطن إن هذه النسبة لا مثيل لها إلا في أيام الرق عندما كان ldquo;الأسيادrdquo; يبيعون العبد ويفصلونه عن زوجته وأولاده، ثم يبيعون الزوجة والأولاد كلاً في جهة فلا يعلم الواحد منهم عن الآخر شيئا، وقد صرف الكاتب الروائي اليكس هالي الذي لم يفز بجائزة نوبل القسم الأكبر من حياته في تعقب أجداده فقط لمعرفة هويتهم والمعاناة التي عاشوها.
ويقول البروفيسور زوزيك بارتس، استاذ علم النفس: ldquo;إن العائلة تحولت إلى أقلية في المجتمع الأمريكي، فالمرأة لم تعد تعتمد على الرجل أو على مؤسسة الزواج، والشباب يفضلون الاستقلالية لأن الزواج لم يحقق لهم الآمال التي تراودهم، ولذلك فإنهم يتزوجون في عمر متأخر، ويلجأون للسكن بعضهم مع بعض دون ارتباطrdquo; وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الزواج بين الزنوج لا تتعدى 15% في مقابل39% لدى الأمريكيين من أصل إسباني، و45% لدى البيض، و60% لدى الأمريكيين من أصول آسيوية، وتعلق البروفيسورة ستيفاني كونز على هذه الإحصائية بالقول: ldquo;إن هذه النسب لا تتيح لنا الاستمرار في الاعتقاد أن الزواج والعائلة هما اللذان ينظمان حياة الناس، فالأمريكي العادي بات يمضي ما يزيد على نصف حياته من دون زواج، ويعيش بعيدا عن عائلتهrdquo;، وتقول الصحافية ليندا بيرث: ldquo;كنت أقسم صديقاتي إلى متزوجات وعازبات، أما الآن فقد توقفت عن ذلكrdquo;.
وفي الولايات المتحدة 117 مليون امرأة فوق الخامسة عشرة، 43 مليونا منهن متزوجات والبقية عازبات، ومن بين المتزوجات هنالك 5،3 مليون مطلقات و2،4 مليون غادر أزواجهن منزل الزوجية ولم يعودوا.
وخلال نصف القرن الماضي انخفضت نسبة المتزوجات من الفئة العمرية 15 الى 24سنة من 42% إلى 16%، ولدى الفئة العمرية 25 الى 34 سنة من 82% إلى 56%، ويعزو ويليام فري، الباحث الديمجرافي في معهد بروكنجز تراجع النسب إلى ثقافة الستينات التي أطلقت نوازع الشباب من عقالها وفتحت المجال واسعا لحياة أكثر استقلالية وحرية ومرونة للنساء، وخصوصا بعد عام 1965 عندما سارت النساء في مظاهرات صاخبة في واشنطن أحرقن خلالها حمالات الصدر.
ويحاول كبار السن من المصلحين الدعوة لإعادة إحياء القيم العائلية القديمة، وقد جرى تشكيل جمعية لهذا الهدف، كما شكل الشباب جمعية تدعو للطهارة والعفة تحت شعار ldquo;الحب الحقيقي ينتظرrdquo;، ولكن جهود هؤلاء وأولئك لم تثمر عن شيء، فالحرية مغرية، وعندما يجرف تيارها أحدا فإنه لا يرده ثانية.
التعليقات