31 يناير 2007
محمد الحمادي
إنه زمن المتاجرة بكل شيء، زمن المتاجرة بالمقاومة وبالدين وبدماء الشهداء وبكل ما يمكن المتاجرة به فقط من أجل إرضاء غرور النفس وتأكيد الزعامة والوصول إلى الحكم... ولا يهم كيف يتم ذلك وماذا يكون الثمن، فالتضحية بكل شيء جائزة بمال الفقراء ودماء الأبرياء وأرواح المخلصين من أبناء الوطن! هؤلاء التجار الموجود منهم في لبنان وفي دول أخرى هم رجال التدمير والتخريب... إنهم أبطال الفوضى وزعماء الطائفية المقيتة التي يتبرؤون منها هم ومن يغذيها ويقويها كل يوم وكل ساعة.
بات من الواضح أن هناك رغبة لدى quot;تاجر الجنوبquot; اللبناني وتجار آخرين بالقضاء على كل ما قام به رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وغيره من المخلصين في لبنان من أجل توفير مناخ من التوافق السياسي بين أطياف الدولة اللبنانية وقبل أن يكون هناك انقلاب على الحكومة الحالية هناك انقلاب حقيقي على ما نجح في ترسيخه الحريري الأب في لبنان... والسؤال هو لمصلحة من هذا الانقلاب إذا لم يكن في مصلحة لبنان؟
كنا نظنه مقاوماً مجاهداً... نظنه رجلاً وطنياً محباً لوطنه وأمته العربية... لكن بعد اغتيال الحريري بدأت الأمور تنكشف... وبعد حرب يوليو الماضي صارت الأمور واضحة بعد أن سقطت كل الأقنعة وانكشفت النيات وظهر من يريد أن يتاجر بما قدمه للوطن!.. ليس الرئيس الأميركي جورج بوش فقط هو الذي يفقد شعبيته، بل حتى quot;تاجر الجنوبquot; فقد خسر خلال أشهر قليلة كثيراً من مؤيديه داخل وخارج لبنان بسبب مواقفه السياسية المريبة والتصعيدية في حق لبنان! لقد تحول من quot;حل حقيقيquot; إلى quot;مشكلة حقيقيةquot; لا يمكن التعامل معها!
لا أحد يجهل أنه كلما ازداد شلل المؤسسات ازدادت احتمالات الحرب... ومن يدعي رغبة في تفادي الحرب عليه العمل على عودة المؤسسات... ومن يدعي عدم الرغبة في حدوث الفتنة الطائفية عليه الانسحاب من الشارع لأنه كلما طال بقاء المواطنين في الشارع زادت احتمالات الشحن والصدام الطائفي والمذهبي... ومن يدعي أنه يرفض العنف السياسي والعنف في الشارع عليه أن يوقف الخطب العنيفة التي تشعل العنف في الشارع... من يردد الشعارات عليه أن يربطها بالأفعال الحقيقية على الأرض إذا كان صادقاً فيما يقول.
لقد قال quot;تاجر الجنوبquot;: quot;إننا لن نذهب إلى فتنة مذهبية ولن نذهب إلى حرب أهلية ولن نشهر سلاحنا على أحدquot;، ومن قال إن الحرب الأهلية تأتي بقرار أو تمنع بقرار؟! هذه الحرب تبدأ بشرارات بسيطة هنا وهناك ولا شيء يوقفها إذا بدأت... وكل ما يحدث الآن هي شرارات قوية والسؤال المهم الذي يطرحه كثير من اللبنانيين وطرحه الشيخ صبحي الطفيلي- أمين عام quot;حزب اللهquot; في الثمانينيات ndash; هو quot;هل يستحق تعديل الحكومة هذه الفتنةquot;؟ وهل يستحق كل هذا التهديد للبنانيين في أملاكهم وأرزاقهم ومستقبل أبنائهم؟! يبدو أن quot;تاجر الجنوبquot; يعتقد أنه يستحق وأن المعارضة يحق لها تخريب البلاد وقتل العباد! وهذا ما يستدعي أن يتم إفهام من لم يفهم السياسة بعد أن أية quot;معارضة وطنية شريفةquot; هي جزء من الوطن وهدفها حماية الوطن وليس التضحية به بسبب ودون سبب!
إنه التاجر الذي يريد أن يمارس دور الحاكم في لبنان ودور الزعيم المقاوم ودور السيد المجاهد ودور القاضي الذي يصدر أحكاماً على الجميع تنفيذها دون نقاش أو حوار إنه الرجل الذي يريد أن يمارس دور السياسي ودور الفيلسوف ورجل الدين... إنه الرجل الذي نسي نفسه كقائد للحرب الطائفية الجديدة.
quot;تاجر الجنوبquot; لم يعد يقدم للشعب اللبناني خيارات كثيرة، بل يعمل دائماً إلى وضعه في زاوية ضيقة وخيارات محددة فاليوم ليس أمام اللبنانيين إلا أمرين إما الرضوخ لأفكار وآراء quot;تاجر الجنوبquot; أو تحميل الآخرين المتهمين بالخيانة والعمالة والفساد مسؤولية اندلاع أية حرب أهلية إذا ما رفضوا هيمنته وآراءه وأفكاره!
الكل من وجهة نظره quot;يخدمquot; إسرائيل وquot;يتعاملquot; مع أميركا... أما هو فيخدم لبنان فقط- كأنه لا يخدم إيران ولا يضر بلبنان- يتهم أقطاباً في السلطة بأنها تعمل لإثارة فتنة بين السنة والشيعة في لبنان وكأن العالم لا يرى أنه قائد حرب طائفية- وليس مجرد فتنة- في لبنان لا سمح الله! إنه التاجر الذي يعتبر نفسه هو الكاسب دائماً... ففي حرب يوليو ضد إسرائيل أعلن انتصاره المدوي... وفي اعتصامه الأخير اعتبر نفسه منتصراً وأنه يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل... إنه دائماً quot;البطل البريء المنتصرquot;- يبرئ نفسه من دماء الذين سقطوا في الاعتصام الأخير ويبرئ نفسه من دماء الذين سقطوا في حرب يوليو 2006- أما غيره فمذنب وعميل وقاتل!
إنه غرور ليس له حدود يؤكد أننا في كثير من الأحيان ننخدع بأشخاص عندما نعتقد بأنهم صادقون ثم نكتشف أنهم عكس ذلك! أقل ما يمكن أن يوصف به ما يقوم به quot;تاجر الجنوبquot; أنه ابتزاز للبنان وجميع اللبنانيين بجميع طوائفهم... وهي محاولة- نتنمى لها الفشل- لإشعال الفتنة الطائفية في لبنان من جديد.
لا نتكلم عن الطرف الآخر في هذا الصراع، فعلى مر التاريخ سمعنا عن حكومات فاسدة كثيرة ومسؤولين غير أسوياء... لكن هذه أول مرة نرى فيها quot;مقاومةquot; تحول اتجاه سلاحها إلى داخل بلدها وتبتز وطنها وترعب مواطنيها بل هي مستعدة للذهاب بالتصادم مع من تختلف معهم إلى أقصى مدى من أجل تحقيق مشروعها السياسي السلطوي الذي لا علاقة له بالمصلحة العامة!
بعد مغامرة الصيف الفاشلة تأتي مغامرة الشتاء المشحونة بالفتن والصراعات الخفية ففي يوم اعتصام المعارضة الذي كان يوم الثلاثاء 23 يناير الجاري سقط ثلاثة قتلى و133 جريحاً في مواجهات تخللت الإضراب العام الذي دعت إليه المعارضة اللبنانية وعلى رأسها quot;حزب اللهquot;... وبعد يومين من الاعتصام اندلعت مواجهات دامية في بيروت بين مناصري المعارضة اللبنانية والحكومة على خلفية صدام بين طلاب في جامعة بيروت العربية, أسفرت عن 4 قتلى وعشرات الجرحى... نتمنى أن لا يكون هذا ما يسعد quot;تاجر الجنوبquot; الذي أكد أكثر من مرة أنه مستعد لـquot;التضحيةquot; لا ندري بماذا؟!- ربما بكل لبناني- من أجل أن يصل إلى ما يسعى إليه!.. فحتى متى يدفع الشعب ثمن حرب المصالح بين السياسيين والسؤال الأهم هو كيف يمكن أن تنتهي هذه المشكلة؟! وكيف يخرج اللبنانيون من هذه الفتنة؟
لا أحد ينكر أن لبنان يواجه إحدى أخطر الأزمات السياسية والاقتصادية في تاريخه، وإذا لم يتدخل الحكماء في لبنان واشقاؤهم العرب في وضع نهاية لهذا الخطر القادم فان نتائج هذا الخطر ستكون كارثية ليس على لبنان وإنما على المنطقة.
أخيراً... رحم الله زمن الرجال الشرفاء الذين يحبون أوطانهم أكثر من أيديولوجياتهم وأنفسهم ويعملون أكثر مما يتكلمون ويخطبون وأكثر مما يصرخون في الميكرفونات ليخدعوا هؤلاء ويهددوا ويرعبوا أولئك! وليحفظ الله لبنان من العابثين.
التعليقات