الثلاثاء 6 فبراير 2007


عبد الوهاب بدرخان

يشهد العنف في العراق تصعيداً جنونياً، فيما تترسخ أجواء الحرب الأهلية الفلسطينية. وعندما يصبح الدم رخيصاً إلى هذا الحد تكون الفأس قد وقعت في الرأس، فيتعذر البحث عن حلول بل يصبح السلم حلماً يستحيل تحقيقه قبل اكتمال دورة الدم، ولا أحد يستطيع توقع متى تكتمل. الدم يعري الحقائق والأحقاد والأكاذيب، فجأة يتبدَّى كم كان تعايش الشعوب هشاً، تكفي شرارة صغيرة لتفتيته. حتى الذين عانوا ويعانون قهر الاحتلال وقمع الاستبداد، وظنوا أن المصيبة وحّدتهم وأعدّتهم لصنع مصير واعد ومستقبل كريم، لا يلبثون أن يكتشفوا أن عدوهم هو الذي أعدّهم للاقتتال في ما بينهم إلى حد اشتهاء سطوته التي منحتهم شيئاً من الاستقرار ممزوجاً بكثير كثيرٍ من الإحباط والمهانة.
لم يكن ممكناً لمسلسل الأخطاء الأميركية بعد الغزو والاحتلال، إلا أن يقود العراق إلى حرب أهلية، لأنه ألغى دولة قائمة وحطم كل مقوماتها بذريعة اجتثاث quot;البعثquot; ثم أراد بناء دولة أخرى فوق الحطام، ولأنه تصرف في البداية لاغياً فئة من مكونات المجتمع العراقي وذهب بعيداً في تأكيد هذا الإلغاء قبل أن يستدير أخيراً ليعترف بأن هذه الفئة موجودة وأنه يحتاج إليها لتطبيع الأوضاع، لكن بعد فوات الأوان. ففي غضون غفلته كان العنف قد حفر في الأرض وقائع جديدة شديدة، ولم يعد متاحاً وقف الآلة الجهنمية. السؤال الآن: هل تتعدى العدوى حدود العراق، متى وكيف، وإلى أي مدى يمكن أن تتسع؟
لم يكن ممكناً أيضاً لمسلسل الخدع الإسرائيلية- الأميركية في إطار ما سمي quot;عملية السلامquot; وخارجها، إلا أن يدفع بالفلسطينيين إلى تجاوز ما سموه quot;الخط الأحمرquot;. فماذا يمكن التوقع من الحصار والتجويع وعدم الاعتراف بالحكومة المنتخبة بذريعة أنها quot;لا تعترفquot; بدولة الاحتلال، وماذا يتوقع من استمرار التقتيل واحتجاز آلاف الأسرى وتثبيت الجدار ومواصلة التوسع في الاستيطان؟ بل ماذا يمكن أن يحدث فعلاً إذا كانت سلطة الاحتلال الإسرائيلي والدولة العظمى المساندة للاحتلال تسعيان بإصرار إلى أن تعمل فئة على تصفية الفئة الأخرى؟ إنها حرب أهلية منسوجة الدوافع والأسباب والخيوط، كأنها السبيل الوحيد لتحرير الأرض والشعب. طبعاً، هناك فرصة أو فرص عدة لعدم الذهاب أبعد في هذه التجربة، لكنها تحتاج إلى أكثر من الاتزان والحكمة، بل إلى أكثر من التضحية، خصوصاً أن الإسرائيلي والأميركي يسدان كل أبواب الحلول. وكما في العراق كذلك في فلسطين، وأيضاً في لبنان، أصبحت المواجهات في شوارع بغداد وغزة وبيروت بعضاً من وقائع حرب أميركية- إسرائيلية ضد إيران وحلفائها.
تحاول الولايات المتحدة الإيحاء بأن خطتها الجديدة في العراق عنوان لمبادرة كاملة وشاملة للمنطقة، سيبقى ذلك تحت المحك والاختبار، وإذا صحّ فإن النهج المتبع ينذر بثمن دموي ثقيل. لكن السوابق في quot;عملية السلامquot; مثلاً، أو في السياسة التي انتهجت حيال لبنان والعراق، تدعو إلى التزام الحذر. وللأسف، سبق أن جرِّبت الحروب الأهلية هنا وهناك وهنالك من دون أن تحقق مصالح الذين خاضوها، إذ خرجوا جميعاً خاسرين، أما الذين صنعوا تلك الحروب وأذكوا نارها فغالباً ما يحققون الأهداف التي ابتغوها. ولولا التكلفة المتصاعدة في العراق، وشبه الهزيمة التي تستشعرها إسرائيل بعد حربها على لبنان، لما اضطر الأميركيون إلى التغيير التكتيكي الذي يدَّعونه الآن في خططهم. لكن خيارهم الأول لا يزال في إعطاء الحروب الأهلية فرصة لتقول كلمتها الأخيرة.