الأثنين 19 فبراير 2007

أندرو كوكبورن

كشف الرئيس الأميركي جورج بوش في وقت سابق أن القنابل المضادة للمصفحات، والتي ثبت أنها تقتل الجنود الأميركيين في العراق، إنما تصنع داخل الأراضي الإيرانية ثم يتم تصديرها إلى العراق. لكن في شهر نوفمبر الماضي، وبينما كانت القوات الأميركية تداهم إحدى ورش الحدادة في بغداد، عثر الجنود على مجموعة من الأقراص النحاسية يبلغ قطر الواحد منها خمس بوصات، يتم تصنيعها تحت الطلب. هذا الاكتشاف المثير للقلق، والذي ظل طي الكتمان حتى اللحظة الحالية، يدل بوضوح على أن المتمردين العراقيين ليسوا في حاجة إلى الاعتماد على مصادر إيرانية لتصنيع قنابل مضادة للمصفحات. والواقع أن إنتاج تلك القنابل الفتاكة في متناول كل من يسعى إلى الحصول عليها. فخلافاً لمصانع السلاح المتطورة التي تستدعي مراقبة الدولة، لا تتطلب صناعة القنابل المضادة للمصفحات سوى مجموعة من الأقراص، إلى جانب مواد ذات قدرة تفجيرية عالية، ثم وعاء يشبه الأنبوب. وأثناء إعدادي لهذا المقال، سألت أحد الخبراء في وزارة الدفاع الأميركية عن التكلفة الإجمالية للقنبلة الواحدة، فأخبرني أنها في حدود 20 دولاراً، وفي أقصى الحالات لا تتجاوز 30 دولاراً.
وتعتمد القنابل المضادة للمصفحات والدروع، على المتفجرات لضغط وتذويب ثم إطلاق المواد المعدنية المحشوة في الوعاء صوب هدف معين. وتشكل تلك القنابل مصدر رعب حقيقي للقوات الأميركية، ليس فقط لأنها تستطيع اختراق العربات المصفحة وإحداث إصابات فادحة في صفوفها، بل لأنها خفيفة الوزن ويمكن نقلها بسهولة، ثم زرعها في الطرقات دون رصدها من قبل الجنود الأميركيين. وفي هذا الإطار أخبرني خبير عسكري في quot;البنتاجونquot; أنه quot;بإمكان القنابل المضادة للمصفحات، والتي لا تكاد الواحدة منها تزن خمسة أرطال، أن تحدث ضرراً يفوق ما تحدثه قنبلة تقليدية تزن 200 رطل تتشتت موادها حال الانفجارquot;. ولم تنفع محاولات الجيش الأميركي في تقوية دروع العربات ومضاعفة حمايتها، لأن المواد التي تطلقها القنابل المضادة للمصفحات تخترق الدروع بسهولة.
وإلى غاية اليوم لا تشكل تلك القنابل سوى جزء ضئيل من إجمالي القنابل المستخدمة ضد القوات الأميركية. فحسب أرقام وزارة الدفاع الأميركية للشهر الماضي، تمثل القنابل المضادة للمصفحات الموجهة ضد القوات الأميركية ما نسبته 2.5% فقط من إجمالي 3000 قنبلة. لكن أرقاماً أخرى توضح لماذا تحولت تلك القنابل إلى مصدر قلق حقيقي للجنود الأميركيين في العراق، إذ رغم عددها المتواضع نسبياً مقارنة مع القنابل التقليدية، فإنها أصبحت -وعلى نحو متزايد- تتسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف الجنود الأميركيين، وذلك بنسبة 15% من مجموع الضحايا، وهي نسبة مرشحة للارتفاع. ولمن يريد أن يدرس تداعيات ارتفاع نسبة ضحايا القنابل المضادة للمصفحات ما عليه سوى أن ينظر إلى التجربة الإسرائيلية في لبنان خلال سنوات التسعينيات وما أدت إليه من خروج للقوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني.
ولعل استخدام quot;حزب اللهquot; سابقاً لتلك القنابل ضد القوات الإسرائيلية، هو ما دفع الإدارة الأميركية، على رغم عدم توافر معلومات استخباراتية مؤكدة تفيد ذلك، إلى توجيه الاتهام إلى حلفاء الحزب من الإيرانيين الذين يعملون على إدخال القنابل المضادة للمصفحات إلى العراق. واللافت أنه على رغم أخطارها المحدقة بالقوات الأميركية، لم تحظ القنابل المميتة بالاهتمام اللازم من قبل وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، ولم تدرج في برنامجه لتغير التفكير العسكري. ويبدو أن رامسفيلد الذي خلف وراءه جيشاً يعتمد على أحدث الأدوات التكنولوجية المتطورة، لم يهتم بقنبلة بدائية تسقط العديد من القتلى الأميركيين. وعندما أدرك رامسفيلد خطأ تركيزه المفرط على التكنولوجيا المتطورة وإدخالها إلى الجيش الأميركي، قام بتخصيص أموال إضافية لمعالجة المشكلة دون نجاح كبير.