السبت 24 فبراير 2007
دrlm;.rlm; رفعت السعيد
كان حفيدي يردد ذات الآيات بإصرارrlm;,rlm; يحاول جاهدا أن يستوعبهاrlm;,rlm; وتسللت إلي أذني محاولاته لحفظ ما لا يستطيع أن يفهم من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناسrlm;(rlm; صدق الله العظيمrlm;)
.rlm; سألته إن كان يفهم المعني؟ فنفيrlm;,rlm; حاولت أن أشرحه مبسطا فتقبل المحاولة بملل ظاهرrlm;,rlm; فهو لم يعتد علي ذلكrlm;,rlm; ولا هو مطلوب منهrlm;,rlm; مؤكدا أنني أضيع وقته وجهده في إلزامه بالفهمrlm;,rlm; بينما هذا المسمي فهما غير مطلوبrlm;,rlm; المطلوب فقط هو الحفظrlm;.rlm;
اتصلت بمدرسة الدينrlm;,rlm; وهي مدرسة اللغة العربيةrlm;,rlm; قالت بملل هي أيضاrlm;:rlm; إن المنهج المقرر هو حفظ قصار السورrlm;,rlm; حاولت أن أقنعها بأن حفظ آيات القرآن الكريم مهمrlm;,rlm; لكن الأهم أن يفهم التلميذ المعني حتي يقترب من القرآن ويحبه ويلتزم بتعاليمه وليس مجرد أن يحفظهrlm;,rlm; تململت وكأنها تقول ليrlm;:rlm; وانت مالكrlm;.rlm; ولو أن كل أب أو جد تدخل في شأنهاrlm;,rlm;
فإن الأمر سيكون مستحيلاrlm;.rlm; ومع ذلك يبقي السؤال المحير وهوrlm;:rlm; لماذا لا نختار من سور القرآن الكريم آيات سهلة الفهمrlm;,rlm; بحيث يتمعن التلميذ في معناها ومغزاها ويحفظها دون أن تخيم عليه سحابات كامنة في كلمات يصعب عليه فهمها؟واهتمامي بهذا الأمر قديمrlm;..rlm; فطالما سألت نفسي كيف نعلم الدين في المدرسة؟
وفي مناقشة مع وزير سابق للتربية والتعليم لعله كان الأكثر تجاوبا مع حماية أطفالنا من آثار التفريق علي أساس من الدينrlm;,rlm; سألتهrlm;:rlm; هل من الصحيح أن يتجمع التلاميذ كل حسب ديانتهrlm;,rlm; فنصنع وبأيدينا هذا الحد الفاصل بين أطفال صغارrlm;..rlm; المسلمون وحدهم معا والمسيحيون كذلكrlm;,rlm; بحيث يستشعر كل منهم بالمفارقة والمفاصلة؟
فأجاب ما من بديل سوي أن نجمع التلاميذ المسلمين في فصول ونعزل المسيحيين في فصولrlm;..rlm; فصل كل أسمائه محمد ـ محمود ـ عليrlm;..rlm; إلخrlm;,rlm; وفصل آخر كل أسمائهrlm;:rlm; مينا ـ بطرس ـ حناrlm;..rlm; إلخrlm;,rlm; فقلت هذه كارثة؟ وأجاب هو أيضا بملل واضحrlm;:rlm; ألم أقل لك؟
وأعود إلي تأمل منظر فراش الفصل وهو يسوق أمامه التلاميذ المسلمين إلي فصل ثم يسوق التلاميذ المسيحيين إلي فصل منفصلrlm;,rlm; فنعلن لكل منهم أنه ليس كالآخرrlm;,rlm; وأنه النقيض في أعز شيء لديه وهو الدينrlm;..rlm; وهكذا نكرس التمايزrlm;,rlm; أما الكارثة فهي البديل الآخر فصول للتلاميذ المسلمين وجيتو للتلاميذ المسيحيينrlm;.rlm;ثم أعود لأسألrlm;:rlm; من يقوم بالتدريس في حصص الدين؟
وهنا تكون الكارثة أفدحrlm;,rlm; مدرس اللغة العربية يدرس الدين الإسلاميrlm;,rlm; وهذا يعني أولا أنه لا يوجد مسيحي يدرس اللغة العربيةrlm;,rlm; ويعني ثانيا أننا نسلم تلاميذنا إلي مدرس لم يدرس إلا النذر اليسير من أمر الدين ومقصود تعاليمهrlm;,rlm; ولا لماذا أتي هذا حلالا وذاك حراماrlm;,rlm; كذلك الأمر بالنسبة للتلاميذ المسيحيين يدرس لهم في حصة الدين مدرس رياضيات أو فيزياء أو أي شيء آخر لا يكفل ولو بأقل قدر معرفة حقيقية باللاهوت المسيحي أو أسس الديانة المسيحية أو كيفية شرحهاrlm;.rlm;
وإلي هنا نتوقف لنتأمل الحقيقة المؤلمةrlm;.rlm; فمن حيث أردنا أن نقترب بأبنائنا نحو أصول الدين وفهم مبتغاه الحقيقيrlm;,rlm; فإننا نسلمهم لمن لا يعرفون منه إلا ما هو سطحيrlm;..rlm; أو علي أفضل الافتراضات ما هو غير متعمق في فهم أسس الإيمان الإسلامي أو المسيحيrlm;.rlm;فإذا ما أتينا إلي مدرس اللغة العربية نكتشف أن إلمامه باللغة العربيةrlm;(rlm; هذا إذا ما كان ملما بها فعلاrlm;)rlm; يدفعه بالضرورة وحتي دون إرادة متعمدةrlm;,rlm; إلي تفسير الآيات الكريمة تفسيرا لغويا فقطrlm;.rlm; وهنا نأتي إلي واحد من أبواب الفهم الخاطئrlm;.rlm;
فالفقه الإسلامي عرف نوعين من تفسير القرآن الكريمrlm;,rlm; واحدا يقوم علي أساس الفهم النصيrlm;,rlm; بينما الآخر يقوم علي أساس أسباب التنزيلrlm;.rlm;
فإذا ما قمنا بتلقين أبنائنا أسس الدين علي أساس الفهم النصي وحدهrlm;,rlm; ربما أخطأنا بشكل فادحrlm;.rlm; ألم يستند الإرهابيون المتأسلمون في الجزائر إلي الفهم النصي للآية الكريمة وقال نوح رب لا تذر علي الأرض من الكافرين دياراrlm;,rlm; إنك إن تذرهم يضلواعبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفاراrlm;(rlm; صدق الله العظيمrlm;)rlm;
لكي يفتوا بقتل الأطفال والأجنة في أرحام الأمهات؟rlm;..rlm; في حين أن الفهم الصحيح للآية يأتي من التعرف علي أسباب التنزيل والأوضاع والأحوال التي نزلت فيها هذه الآيات والأسباب التي أوجبت نزولهاrlm;.rlm; وليس عاقلا أو معقولا فهمها علي أساس الفهم اللفظي وليس مقبولا إعمال هذا التفسير في تنفيذ أعمال إجراميةrlm;,rlm; ناسين أنه لا تذر وازرة وزر أخريrlm;.rlm;
وإذا كان علي ـ كرم الله وجهه ـ قد قالrlm;:rlm; القرآن لا ينطق وهو مكتوب وإنما ينطق به البشر وهو حمـال أوجه فكم من هؤلاء يمكنه أن يدلي برأي صحيح عبر تفسير نص لا علاقة له بأسباب التنزيل؟
وماذا إذا ما علمنا أن الكلمة الواحدة قد تأتي في القرآن بأكثر من معنيrlm;,rlm; وهو ما يعتبر بذاته جزءا من إعجاز القرآنrlm;.rlm; فمثلا كلمة الناسrlm;,rlm; نجد آية كريمة تقول يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثيrlm;,rlm; وآية أخري تقول الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم في الأولي الخطاب موجه إلي الناس جميعاrlm;,rlm; وفي الثانية حديث عن بعض من الناس يقولون لناس آخرين إن أناسا قد جمعوا لهمrlm;.rlm;
ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا إن في الإنجيل آيات تعطي هي الأخري فهما خاطئا إذا ما فسرت فقط علي أساس اللفظ دون أن نربطها بزمانها ومكانها وأسبابهاrlm;.rlm;
فإذا كان الأمر بهذا العمق وبحاجة إلي تعمق في الفهم وتأصيل في المعرفةrlm;,rlm; فكيف نأمل أن يصل الفهم الديني الصحيح إلي أبنائنا مسلمين كانوا أم مسيحيينrlm;.rlm; ولعل ـ أقول لعل ـ قلة المعرفة تؤدي بأصحابها إلي تقديم دروسهم في صورة حماسية وربما متشددة أو حتي متعصبة إما لإخفاء عجز المدرس عن تقديم الفهم الصحيحrlm;,rlm; وهو بالضرورة فهم يجب أن يقوم علي أسس التسامح مع الآخرrlm;,rlm; وإما لأنه هو نفسه غير متسامح وربما متعصبrlm;.rlm;
والحــــــل؟rlm;..rlm; هذا هو السؤال الذي يتعين علينا أن نسعي جميعا للبحث عن إجابة لهrlm;..rlm; إجابة تحفظ لأبنائنا فهمهم لصحيح الدينrlm;,rlm; وتمنحهم القدرة علي التعايش المتسامحrlm;,rlm; كما كان الأمر دوماrlm;,rlm; ربما ينبت ذلك في عقولهم رفضا للتطرف والتعصبrlm;.rlm;
ولقد يري البعض تحويل حصص الدين إلي لقاءات جامعة تضم كل التلاميذ معاrlm;,rlm; بحيث يمكن إيجاد من هم أكثر علما وأكثر فهما وأكثر إدراكا لخطورة الفهم الجاف لألفاظ يجب فهمها عبر تفهم أسباب التنزيلrlm;.rlm; ولقد يري البعض وضع برامج جديدة مجمعة للتربية الدينية بحيث يلقن التلاميذ الأخلاقيات والقيم والتعاليم المشتركة وهي كثيرةrlm;,rlm; وأيضا واجبة التعلمrlm;.rlm;
ولقد يكون الحل عقد دورات تدريبية مكثفة وعاجلة لمن يكلفون بتدريس مادة الدين تشرح كيفية التواصل في عقول غضة وتعميق صحيح الدين في ثناياهاrlm;.rlm; ولقد يكون للبيت والأسرة الدور الأهم في ذلكrlm;.rlm; وربما كانت هناك مقترحات أخريrlm;..rlm; فأي مقترحات أخري ستكون بالقطع أفضل مما نفعله الآنrlm;.rlm;
ثم نأتي بعد ذلك إلي مشكلة تعليمية أخري تتعلق هي أيضا بالمواطنةrlm;..rlm; أقصد المواطنة المتكافئةrlm;,rlm; فذات يوم جاءت مكالمة تليفونية باكيةrlm;..rlm; الأم تشكو أن الولد يرفض الذهاب للمدرسة لأن مدرس اللغة العربية يضربه لأنه لم يحفظ قطعة النصوص وهي صفحة كاملة في كتاب القراءة تضم آيات من القرآن الكريمrlm;..rlm; والولد المسيحي يقول إن المدرس يتقصده هو تحديدا ليجبره علي تلاوة القرآن ويشرح معانيهrlm;,rlm;
وإذ يتعثر ـ وهذا قد يحدث مع أي طالب ـ يضحك الفصل ويضحك المدرسrlm;,rlm; ويأمره بأن يعيد التلاوةrlm;..rlm; وتنتهي الحصة كلها ما بين تأنيب المدرس وضحكه وضحك الطلاب علي زميلهمrlm;.rlm; وهكذا تتحول الآيات الكريمة التي هي رمز لقمة البلاغة والإعجاز والتسامح واحترام الآخر إلي أداة لتمزيق المواطنة وتعذيب تلميذ علي يد مدرس لا يعرف لا حقيقة الإسلام ولا مقصود الدين ولا مبادئ المواطنةrlm;.rlm;
طلبت من الأم أن أتحدث إلي الابن وجري حديث طويل قلت فيهrlm;:rlm; إن حفظ القرآن ليس مجرد واجب دينrlm;,rlm; وإنما هو حفظ لحصيلة من الإعجاز اللغويrlm;,rlm; فمكرم عبيدrlm;..rlm; ولم أكمل صاح الابنrlm;:rlm; مين مكرم عبيد ؟rlm;..rlm; ولم يتركني لأجيبrlm;,rlm; وإنما انهار باكيا اشمعني أنا اللي الأستاذ مستقصدني؟rlm;..rlm; طيبت خاطره ولم أتابع قصتهrlm;,rlm; فقط تحدثت مع وزير التعليم الأسبق نفسه فقال متململا طبعا المدرس غلطان لكن هل سأضع رقيبا علي كل مدرس؟rlm;.rlm;
ونبتت خلال المحاورة التليفونية مع الوزير فكرة تقولrlm;:rlm; لماذا ـ ولكي لا يتحول الأمر إلي تكريس للتفريق ـ لا نضيف إلي هذه النصوص ولو سطرا واحدا من الإنجيلrlm;,rlm; يأتي ولو علي سبيل الحكمة والموعظة مثل ها أنت ذا تري القشة في عين أخيك ولا تري الخشبة في عينكrlm;.rlm;
وصاح الوزير والله فكرة علي الأقل لكي يشعر الطالب المسيحي أنه ليس الآخر المستبعدrlm;.rlm; وطبعا يحتاج الأمر إلي انتظار لطبعة جديدة من هذه الكتبrlm;.rlm; ورحل الوزير قبلها ولعله بابتعاده عن المنصب قد استراح من هموم التعصب المتفشي في البناء التعليميrlm;.rlm; ونعود إلي المواطنة التي تحتاج ـ في اعتقادي ـ إلي جهد وتفكير وممارسات وفعل جاد ومستنير كي تترسخrlm;,rlm;
وكي نسد بهذا الفعل وهذه الممارسات أبواب جحيم التفريق والتعصبrlm;..rlm; ولتكن البداية من المدرسة ومن المناهج التعليميةrlm;.rlm; أو هذا ما أعتقدrlm;..rlm;
التعليقات