مارغريت بيكيت

تطالعنا الأخبار بمواضيع يطغى عليها في غالب الأحيان أنباء عن الصراعات والخلافات. ثم يبرز تهديد بهذا الحجم يذكرنا بكل قوة بإنسانيتنا المشتركة، وبمعنى آخر، يذكرنا بمدى الأمور التي نشترك فيها جميعنا، بغض النظر عن خلفياتنا أو أصولنا أو ألوان بشرتنا. يتمثل هذا التهديد في جيلنا الحالي بتغير المناخ. وحيثما ذهبت في أي مكان بالعالم، يواجهني واقع أن غالبية المواطنين العاديين يطمحون إلى تحقيق نفس الأشياء في هذه الحياة: أن يتمكنوا من العيش بسلام، وأن يشعروا بأنهم يمتلكون زمام حياتهم، وأن يتمكنوا من بناء مستقبل أفضل لعائلاتهم وأبنائهم. وتغير المناخ يهدد كل واحد من هذه الطموحات.

نشر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في نهاية الأسبوع الماضي الجزء الأول من تقريره الرابع. يتناول هذا التقرير العلوم الأساسية لتغير المناخ، وهو يؤكد - كما كان يخشى العديدون - أن التهديد الناجم عن تغير المناخ أكثر خطورة وأكثر إلحاحا مما كنا نعتقد فيما سبق. فالأطفال الذين يولدون اليوم قد يشهدون خلال حياتهم ارتفاعا في درجات الحرارة على مستوى العالم يتراوح ما بين 3-5 درجات إن لم نتخذ إجراءات مشتركة وفورية. ربما لايبدو هذا الارتفاع في درجة الحرارة ارتفاعا كبيرا، لكن حين كان معدل درجات الحرارة أقل فقط 5 درجات مما هو عليه الآن، كان العالم كله في قبضة العصر الجليدي. وبالتالي فإن تأثير هذا النوع من تغير المناخ على العالم الذي نعيش فيه سيكون كارثيا بكل تأكيد. فالكثير من أوجه حياتنا اليومية تعتمد على التنبؤ بمناخنا واستمراريته: ولدى استحالة هذين الأمرين ستتعرض جميع أوجه مجتمعنا المعاصر للتهديد.

سوف يؤثر ذلك على قدرتنا على تلبية احتياجاتنا الأساسية كالغذاء والمياه والصحة. حيث تشير الدراسات إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 2-3 درجات سيؤدي إلى انخفاض المحاصيل الزراعية في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بمعدل 30 إلى 40%. وكما اتضح مؤخرا لممثلي الخاص حول تغير المناخ في أفريقيا لدى زيارته للمنطقة، فإن ذلك يحدث الآن بالفعل، وأمام بعض الدول الأفريقية مخاطر متزايدة بأن تواجه المجاعة. وفي هذه الأثناء من المرجح أن يعاني بليون مواطن في جنوب آسيا للحصول على المياه لأنفسهم ولري محاصيلهم مع ذوبان الجليد على الهيملايا وتغير أنماط الأمطار الموسمية. وفي العديد من أجزاء العالم بدأنا نشهد انتقال البعوض إلى مناطق جديدة - بما فيها المناطق التي تضم كثافة سكانية عالية - جالبة معها أمراضا كالملاريا.

كما أن المناخ غير المستقر يؤدي إلى عالم أكثر اضطرابا، حيث أنه يشعل التوترات ويغذي الصراعات. فالصراع في دارفور له جذور عدة، لكن من بين هذه الجذور التغير في سقوط الأمطار الذي أدى إلى مفاقمة التنافس على الموارد ما بين القبائل الرُّحّل رعاة قطعان البقر في المنطقة ومربي الأغنام والأبقار في المراعي المستقرين هناك. ومع اتساع الرقعة الصحراوية وانكماش مساحات الأراضي الخصبة يمكننا أن نشهد المزيد من الخلافات ضمن وعبر الحدود.

وفي الشرق الأوسط يتشارك 5% من سكان العالم واحد بالمائة فقط من موارد المياه بالعالم. وتغير المناخ يعني أن تكون المياه المتوفرة حتى أقل من ذلك. فالأنماط الحالية لتغير المناخ توحي بأنه مع حلول نهاية القرن الحالي سيصيب الجفاف الشديد - على مستوى العالم - حوالى ثلث مساحة الأراضي، وهذا يمثل عشرة أضعاف المساحات التي تعاني من الجفاف في يومنا هذا. وستشهد المملكة العربية السعودية وإيران والعراق أكبر انخفاض في معدلات سقوط الأمطار. والاختلافات بشأن الاستفادة من موارد المياه على طول حوض نهر الأردن كانت في مناسبات عديدة الدافع الأساسي للتوترات بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية، وخصوصا في السنوات التي سبقت حرب عام 1967 فالمياه في حوض نهر الأردن أصلا مستهلكة بإفراط، وتغير المناخ قد يؤدي إلى مفاقمة هذا الوضع. وفي هذه الغضون قد تعاني مصر من ضربة مزدوجة: انخفاض كبير في تدفق مياه نهر النيل من الجنوب، وارتفاع في مستوى البحر في الشمال يؤديان مجتمِعَين إلى تدمير قلب البقعة الزراعية في دلتا النيل. وتشير إحدى الدراسات إلى أن ارتفاع مستوى البحر بمعدل 50 سنتيمترا فقط - وهو ضمن التقديرات الحالية - سيؤدي إلى تشريد مليوني شخص من سكان الدلتا.

وبالتالي يجب ألا يعتقد أي أحد أن تغير المناخ هو قضية quot;بيئيةquot; بحتة - بل إنها قضية تتعلق بالفقر والصراعات والأمراض والهجرة تماما ككونها قضية بيئية. لكن إن كان حجم المشكلة جليا، فهل هناك أي شيء يمكننا أن نفعله حيالها؟ الجواب هو نعم بالتأكيد إن كنا سنتحرك الآن ونعمل بشكل حاسم، وربما كذلك - وقبل أي شيء آخر - إن كنا سنعمل معا على خفض انبعاث الكربون. فالجميع سيخسرون من التسخين الحراري على المستوى العالمي، وهي مشكلة ليس باستطاعة أي دولة أن تحلها منفردة: هناك واجب عالمي علينا جميعا بأن نتعاون بهذا الشأن.

بعض الدول التي ستتأثر أكثر من غيرها هي الدول الأكثر فقرا في العالم. لكن الاقتصادات في الدول المتطورة هي المسؤولة عن غالبية انبعاث الغازات الحرارية. وبالتالي يتعين على هذه الدول - أي علينا نحن - أن نمسك بزمام المبادرة. فشعورنا بالقلق في المملكة المتحدة حيال ما يعنيه تغير المناخ بالنسبة لنا جميعا كان بدرجة جعلتنا نضع تحقيق الأمن المناخي ضمن أولوياتنا الاستراتيجية الدولية. وكان تغير المناخ - إلى جانب أفريقيا - أحد أهم موضوعين نوقشا خلال فترة رئاستنا لمجموعة الثماني. وطلبنا إعداد تقرير حول هذه القضية - أعدَّه كبير الاقتصاديين سابقا في البنك الدولي، نيك ستيرن - الذي كان تقريرا يتضمن أكثر الدراسات تفصيلا حتى الآن بشأن اقتصاديات تغير المناخ. وقد صدر هذا التقرير في نهاية العام الماضي، وساعد في تعزيز الحجة لاتخاذ إجراءات فورية. يبين هذا التقرير أن تكاليف معالجة تغير المناخ تقل بدرجة كبيرة عن التكاليف التي سنواجهها في حال عدم معالجتنا له.

يبدو أن بعض الدول المنتجة للنفط يساورها القلق بأن الاستجابة لمعالجة تغير المناخ قد تهدد اقتصاداتها. لكن لا داعي لأن يساورها أي قلق حيال ذلك. فبداية هناك مؤشر ضعيف للغاية بأن السوق العالمية للنفط سوف تنكمش في المستقبل المنظور. وموارد الطاقة البديلة والمتجددة التي الغرض منها تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة هي بكل تأكيد جزء كبير من الصورة التي أمامنا، ولكن هناك أيضا التكنولوجيات الحديثة كالمصانع التي تدار بالمحروقات النظيفة وجمع الكربون وتخزينه.

بالطبع، وكما بيّن لنا نيك سترن، فإن التهديد الأكبر الذي تواجهه اقتصاداتنا جميعها يأتي من الفشل في اتخاذ أي إجراءات على المستوى العالمي - حيث إنه يتنبأ باحتمال تدهور إجمالي الناتج المحلي عالميا بمعدل 20% تقريبا. كما وصف أحد أنجح أصحاب رؤوس الأموال، جون دور، الاستجابة العالمية لتغير المناخ بأنها quot;أكبر فرصة اقتصادية بالقرن الحاليquot;. ومن المفارقة أن أسعار النفط المرتفعة حاليا تعني أن دولا في الشرق الأوسط قد تكون في أفضل وضع يتيح لها الاستفادة من هذه الفرصة. فلدى هذه الدول رأس المال حاليا للاستثمار في تكنولوجيات المستقبل: وهذا يتيح لها فرصة تنويع مواردها الاقتصادية وتحفيز الابتكار ونمو المشاريع في المجتمع. كما أن هناك فوائد سياسية ممكنة كذلك. فإذا ما نجحت استجابتنا لمعالجة تغير المناخ، باستطاعتنا أن نحول التوترات التي سببتها الموارد المتناقصة إلى تحفيز على التعاون عبر الحدود.

الواقع هو أن تغير المناخ هو حقيقة وأمر حاصل. ومما يبشر بالخير هو أن لدينا التكنولوجيا ورأس المال والمعرفة لمواجهة هذا التحدي. إذن تحتاج الحكومات لأن تحدد الإطار السياسي لتشجيع الاستثمار، وتحتاج الشركات لأن تطرح تكنولوجيات جديدة في السوق، كما يتعين على المستهلكين والمواطنين أن يختاروا ما يحافظ على الزخم تجاه التغيير.

إن الخيار الذي يواجهه مواطنو العالم هو ما إذا كان يتعين علينا أن نقرّ بإنسانيتنا المشتركة وأن تتضافر جهودنا لمعالجة هذه المشكلة، أو أن نسير مغمضي الأعين وبشكل منفرد تجاه مستقبل كئيب. من وجهة نظري هذا ليس خيارا أبدا.


وزيرة الخارجية البريطانية