الأربعاء 21 مارس 2007


نيكولاس كريستوف - نيويورك تايمز

إذا ما تم القبض على جندي أميركي في الثامنة عشرة من عمره وهو يسرب أوراقاً عسكرية سرية إلى جواسيس إيرانيين، فإن الأمر المؤكد هو أن هذا الجندي سيتم القبض عليه وفضحه في وسائل الإعلام، ثم الزج به في غياهب السجون لسنوات طويلة.

مع ذلك نجد أن هناك أميركيا هو ديك تشيني، نائب الرئيس، قد قدم لإيران خدمات أكبر قيمة بما لا يقاس بتلك التي كان يمكن لمثل ذلك الجندي الافتراضي أن يقدمها لإيران، فهل يمكن لنا بناء على ذلك القول إن quot;ديك تشينيquot; عميل إيراني؟

علينا أن نتذكر أن أول تدخل عسكري كبير لإدارة بوش التي يعتبر ديك تشيني هو الرجل الثاني فيها كان بغرض الإطاحة بنظام quot;طالبانquot; عدو إيران اللدود على حدودها الشرقية.. وبعد ذلك قامت الإدارة بالإطاحة بعدو أكثر خطورة وشراسة بكثير هو نظام صدام حسين على حدودها الغربية، أي أن الولايات المتحدة ومن بين 193 تمثل مجموع دول العالم قد اختارت هاتين الدولتين تحديداً كي تشن حربين ضدهما يترتب عليهما تقديم أجل الخدمات لإيران.

وهناك حقيقة ثانية هي أننا قد خضنا الحرب ضد العراق ولكننا لم نكسبها وأن الذي كسبها هم الإيرانيون.. فهل كان ذلك مجرد مصادفة كذلك؟

ثم علينا أن ننظر إلى السياسات التي انتهجتها إدارة بوش في الشرق الأوسط عندما ظلت لست سنوات تؤيد المتشددين الإيرانيين، وترفض الانخراط بشكل جدي في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهو ما أدى إلى تغذية النزعة المعادية لأميركا في المنطقة وكذلك الأصولية الإسلامية قبل أن تقوم بدعم الغزو الإسرائيلي للبنان الصيف الماضي الذي أدى إلى ارتفاع شعبية quot;حزب اللهquot; في معظم أنحاء العالم العربي.

ثم علينا بعد ذلك أن نتذكر كيف قامت الإدارة الأميركية على نحو منهجي باستعداء حلفائنا السابقين في أوروبا وآسيا بشكل قوض أي فرصة لتكوين جبهة موحدة لمواجهة البرنامج الإيراني لتطوير الأسلحة النووية. ربما يكون quot;تشينيquot; قد قام حقاً بالدفع في اتجاه اتخاذ عقوبات ضد إيران، ولكن السياسات التي ساهم في رسمها، والتي عملت على استعداء حلفائنا الأوروبيين حالت دون اتخاذ إجراءات أخرى أقسى ضد تلك الدولة.

وبتغاضيه عما يحدث من انتهاكات وتعذيب وعمليات اعتقال خارج النظام القضائي في معتقل جوانتانامو، فإن البيت الأبيض أغضب المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وجعلنا نبدو وكأننا منافقين عندما نقوم بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي وفي إيران.

وفي الحقيقة أن سياسات بوش وتشيني قد أدت من خلال استفزازها للمشاعر الإيرانية القومية إلى تعزيز وضع المتشددين داخل النظام الإيراني، كما وفرت الغطاء للرئيس محمود أحمدي نجاد، على الرغم من أن نظامه مزعزع ويفتقر إلى الشعبية بدرجة كبيرة .

وقد يسأل سائل: ولماذا التركيز على تشيني والتغاضي عن بوش؟ لأن تشيني بالذات كان هو الذي دفع بقوة في سبيل تطبيق الأجندة المتشددة في التعامل مع النظام الإيراني، والتي أدت إلى خدمة مصالح هذا النظام في النهاية بدلاً من الإضرار بها. وعلى الصعيد الداخلي، فإن دوره في فضيحة quot;سكوتر ليبيquot; ورفضه المشين شرح ماذا كان يفعل في مسرح الجريمة، قد أديا في النهاية إلى شل آلية اتخاذ القرارات التنفيذية وإلحاق المهانة والفضيحة بحكومتنا.

فهل كان ذلك أيضاً مجرد مصادفة أخرى.. أم أنه دليل آخر من الأدلة التي تثبت أن quot;تشينيquot; كان ينفذ التعليمات التي يتلقاها من رؤسائه الإيرانيين من أجل الإضرار بأميركا؟

حسناً .. حسناً يكفي هذا، فالواقع أن كل ما قلناه أعلاه عن quot;تشينيquot; هو محض هراء، وأن الرجل ليس عميلاً لإيران في البيت الأبيض، ولا عميلاً لكوريا الشمالية على الرغم من أن سياسته القائمة على عدم التفاوض مع تلك الدولة التي تعتبر إحدى دول محور quot;الشرquot; قد جعل هذا النظام ينجح في مضاعفة ترسانته النووية أربع مرات. وهو بالتأكيد ليس عميلاً لـquot;القاعدةquot; على الرغم من أن غزو العراق، قد أدى إلى توفير قاعدة دعم جديدة ومهمة لهذا التنظيم في بلاد الرافدين.

إن تشيني ورئيسه بوش شأنهما في ذلك شأن جون كنيدي وليندون جونسون من قبلهما قد أضرا بالمصالح الأميركية ليس بسبب العمالة والتواطؤ، وليس عن سوء نية ولكن بسبب ضعف الكفاءة. إنني أقر بأن الرجلين كانا يريدان تحقيق الأفضل لأميركا ولكن سياستيهما انتهت بنا إلى الأسوأ بالنسبة لها.

والآن ما هو المغزى من تلك الحكاية؟

المغزى أن مصالحنا القومية قد غدت معرضة للخطر الذي ينتج عن عدم الكفاءة بنفس الدرجة التي غدت بها معرضة للخطر الذي ينتج عن سوء النية وهو ما يدعو للقول إن أول ما يتوجب علينا عمله هو التخلي عن تلك السياسات التي أخفقت على نحو كارثي. والخيط المشترك بين هذه السياسات المدمرة واضح ولا يحتاج إلى دليل: إنه يتمثل في رفض التفاوض مع دول محور quot;الشرquot; والرغبة الملحة في استخدام القوة العسكرية في حل المشكلات، واحتقار الحلفاء، والعمل على تحريف المبادئ القانونية والأخلاقية كي يمكن اعتقال الأشخاص لأمد غير محدد بل وتعذيبهم أيضاً وخصوصاً لو كان هؤلاء الأشخاص يحملون بشرة سمراء واسما يبدو إسلامياً.

في كل مرة كنا نرتاب فيها بوجود عميل بين صفوفنا كنا نبذل غاية جهدنا من أجل العثور عليه وكشفه، ولكننا في هذه المرة لسنا في حاجة إلى ذلك. لماذا؟ لأن تعرضنا للخيانة هذه المرة لم يتم على أيدي عميل وإنما كان بسبب سياسات فاشلة. لذلك علينا أن نعقد العزم على اقتلاع تلك السياسات التي ساهمت على مدار السنوات الست الماضية في إلحاق ضرر بالمصالح الأميركية، يفوق بما لا يقاس أي ضرر تمكن أي عميل بإلحاقه بتلك المصالح خلال 200 عام.