محمد أبو رمان
لا تكمن القيمة التاريخية الاستثنائية لقمة الرياض في سقف التوقعات التي يمكن أن تخرج بها، إذ لن تتجاوز مقرراتها وتوصياتها ما يتم تداوله حالياً من دعم المبادرة العربية وتشكيل لجان متابعة لها، ومواقف رمزية (غير عملية) من الملفات الأهم المعروضة عليها وأبرزها الملف العراقي، اللبناني، السوداني (دارفور) والصومالي. لكن ما يدفع إلى متابعة القمة ورصد وقائعها ومجرياتها هو توقيتها الحرج في المرحلة التاريخية الراهنة من ناحية، وأنها تعكس ndash; من ناحية أخرى- تحولات الأوزان الاستراتيجية وديناميكيات التفاعل في النظام الإقليمي العربي.
تبدو أهمية القمة في طبيعة المرحلة التاريخية الانتقالية، في حالة غير مستقرة إقليمياً تظهر تجلياتها بوضوح في تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق، وفي موقف مجلس النواب الأميركي من وضع جدول للانسحاب القوات الأميركية لا يتجاوز العام القادم، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات على مستقبل العراق والمنطقة بأسرها، ولا تقف مؤشرات التراجع والإخفاق الأميركي في العراق، فقد تجلى ذلك في حرب لبنان الأخيرة، التي قدمت الولايات المتحدة فيها دعماً سياسياً ورمزياً كبيراً لإسرائيل التي فشلت في حسم الحرب عسكرياً، على الرغم من الدمار الهائل الذي ألحقته بلبنان، ولم يؤد الدعم الأميركي للرئيس محمود عباس والحصار الخانق على الفلسطينيين إلى إسقاط حكومة حماس، التي تمكنت من البقاء، على الرغم من البيئة السياسية القاسية.
العجز الأميركي في المنطقة خلق فراغاً استراتيجياً كبيراً تمكّنت إيران من ملئه، مستفيدة ndash; كذلك- من ارتفاع أسعار النفط، لتعمل على بسط نفوذها الإقليمي وتقوية تحالفاتها في المنطقة من خلال أدوات متعددة أبرزها القوى الشيعية الموالية لها، والقوى الإسلامية المعادية لأميركا (حماس، الجهاد، بعض الفصائل الإسلامية الأخرى)، فبدت المنطقة العربية وكأنها ساحة نفوذ وصراع دولي إقليمي بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما تشير إليه بوضوح الورقة السعودية المقدمة للقمة التي تنص: quot; صار العالم العربي بمثابة الساحة المفتوحة لتدخلات الآخرين ومخططاتهم وسياساتهمquot;.
المتغيرات الجديدة انعكست على الاستراتيجية الأميركية وعلى مواقف الدول العربية وحالة الاصطفاف الإقليمي، فبينما أعادت الإدارة الأميركية تعريف مصادر التهديد ومواجهتها، إذ منحت إيران الأولوية وتراجعت منظمات كالقاعدة إلى مرتبة ثانوية، في المقابل حدث تحول ملفت على موازين القوى داخل النظام العربي تمثل في اختلال في التوازنات التقليدية. فمع انهيار العراق، وعزلة سورية، بقيت كل من مصر والسعودية مؤهلتين لقيادة النظام العربي، وبينما أظهرت الدبلوماسية المصرية فشلاً ذريعاً في مجالات متعددة، أبرزها المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، استطاعت السعودية أن تصل بالطرفين إلى اتفاق مكة، الذي حدّ من التدهور المريع في المشهد الفلسطيني، وأدّى إلى إيجاد أفق سياسي جديد للفلسطينيين، ومثّل الاتفاق مؤشراً على أهمية الدور القيادي السعودي في المرحلة الحالية.
في هذا السياق تأتي القمة العربية، وتتمثل وظيفتها الأبرز في إعادة تشكيل نوع من الإجماع والتوافق العربي على استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات العاصفة الخطيرة، لذلك حاولت الدبلوماسية السعودية استعادة سورية لـquot;الصف العربيquot;، وتوسيع المسافة بينها وبين إيران، إلاّ أن مصادر سياسية عربية تؤكد أن المهمة السعودية في هذا المجال لم تنجح، على النقيض من الحالة الفلسطينية، إذ استطاعت الدبلوماسية السعودية تحقيق انجاز كبير في تقريب حماس من المعسكر العربي، ومنح مشروعية وغطاء فلسطيني عربي للحكومة الفلسطينية، افتقدته طيلة الشهور الأخيرة.
ستسعى السعودية ومعها كل من الأردن والإمارات بدرجة رئيسة، إلى زيادة مساحة الإجماع العربي الذي يمثلونه، ويشكل بطبيعة الحال الأغلبية العربية باستثناء بعض الدول (سورية، الحكومة العراقية الحالية، ليبيا، قطر)، وإن كانت الأيام الأخيرة كشفت عن حساسية مصرية من الصعود السعودي وتراجع الدور المصري، لكن لا يتوقع أن تؤثر هذه الحساسية على الاتجاه العام لهذه الحركة، أو على ضم دول إسلامية أخرى لها، لتشكيل مركز عربي- إسلامي معتبر، يملك من أوراق المساومة والمفاوضة ما يجعله قادراً على قراءة مصالحه والدفاع عنها.
القضية الفلسطينية هي الأولى والأهم على طاولة القمة، من خلال تنشيط المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت 2002، وتمثل الصفقة أو quot;المقايضةquot; الكبرى التي يمكن أن يقدمها العرب لأميركا وإسرائيل، وفحوى هذه الصفقة واضح: أعطوا الفلسطينيين دولة مستقلة قابلة للحياة دائمة، عاصمتها القدس، في المقابل تطبيع كامل للعلاقات وقبول عربي- إسلامي بإسرائيل.
لا تبدو الأفاق السياسية لهذه المبادرة مفتوحة، بل إن فرص نجاحها قليلة جداً، على الرغم أن السعوديين استطاعوا إعادة انتاج المشهد الفلسطيني، بما يجعله في درجة quot;قريبةquot;، ليست quot;مطابقةquot; للشروط الأميركية- الأوروبية، لكن العقبة الحقيقية تكمن في عدم قدرة إسرائيل على تقديم التنازلات المطلوبة، بخاصة في ظل هذه الحكومة الضعيفة، وعدم رغبة الإدارة الأميركية، رغم زيارات رايس المكثفة للمنطقة، في ممارسة ضغوط على إسرائيل، ما يمثل الحلقة المفرغة الحقيقية، على حد تعبير مسؤول أميركي بارز، في سلسلة الجهود العربية والدولية للوصول إلى تسوية سلمية.
المسؤولون الأردنيون يرون أنه إذا تمكن العرب من تسويق مبادرة بيروت 2002 عالمياً، وحققوا لأجل ذلك توافقاً عربياً وإسلامياً، حتى وإن لم تستجب إسرائيل لها، فسيظهر أمام المجتمع الدولي والغرب، وحتى قوى داخل الولايات المتحدة وإسرائيل، أن العقبة الحقيقية في وجه التسوية والوصول إلى سلام في المنطقة ليست الفلسطينيين ولا حماس وإنما الحكومة الإسرائيلية، ما يمثل رداً كبيراً على الدعاية الإسرائيلية، التي تمكنت في السنوات الأخيرة من إيهام العالم أن الفلسطينيين هم الذين لا يريدون السلام والتسوية.
المهمة السعودية في تجديد الدعوة إلى المبادرة العربية وبناء إجماع أكبر حولها وتسويقها عالمياً ليست صعبة، وتمثل بحد ذاتها الملف الأبرز في القمة، على الرغم من خطورة الملفات الأخرى، التي من الواضح أن القمة لن تتمكن من القيام بأي دور جوهري فيها. لكن السؤال المهم يكمن فيما بعد القمة في بناء الدور السعودي الجديد في المنطقة وفتح أفاق سياسية له، في ظل حالة الاستقطاب الشديد بين الولايات المتحدة وإيران، وهو التحدي الحقيقي أمام الصعود السعودي الإقليمي الملحوظ.
التعليقات