الأربعاء 18 أبريل 2007


صلاح الدين حافظ

كله إلا الإرهاب يا سادة.

لقد عاد الإرهاب وانتشر يضرب بأظافره الشرسة والسرطانية، من باكستان شرقاً إلى المغرب والجزائر غرباً. لم يعد هناك هدف إلا الدم والدمار.

ولقد جاءت الهجمة الإرهابية الأخيرة، في وقت كنا نتحدث فيه عن ضرورات الإصلاح الديمقراطي من ناحية، وعن حتمية انسحاب أمريكا من منطقتنا من ناحية أخرى، الإرهاب يعرقل الإصلاح ويعطي المبرر الكافي للحكومات لتقييد الحريات وفرض الضوابط الصارمة على حقوق المواطنين، مثلما يعطي الغطاء المطلوب لأمريكا وحلفائها من الاستعماريين الجدد للاستمرار في شن الحروب، وتقويض الأمن والاستقرار في الدول المتهمة بتفريخ الإرهابيين.

هكذا يبدو التناقض بين دواعي الحرية وأسباب الحرب الإرهابية، وبالتالي يتضح التلازم بين الإرهاب والاستبداد، بين التطرف الأعمى وتقييد الحريات بل وانتهاك حقوق الإنسان، وهذه معادلة صعبة بكل المقاييس، إذ كيف نحارب الإرهاب ونحارب الديكتاتورية في الوقت ذاته؟

وحين ندقق النظر في خريطة البلاد العربية والإسلامية، من شواطئ إندونيسيا شرقاً إلى شواطئ الأطلسي غرباً، نكتشف بسرعة، كيف أن أذرع الإرهاب والعنف المسلح قد امتدت تقتل وتدمر، باسم الدفاع عن استقلال الشعوب وسيادتها، في مواجهة الغزوة الاستعمارية الجديدة، هكذا اضطربت الأمور واختلطت المفاهيم، ما بين المقاومة الوطنية الشرعية والاستعمار الأجنبي، وبين العمليات الإرهابية التي لا تفرق بين المواطن المدني المسالم وجندي الاحتلال الأجنبي الذي ينتهك الاستقلال والسيادة.

فإن كنا نجد مبرراً للمقاومة المسلحة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، باعتبارها حقا مشروعاً، فكيف يقبل البعض، حتى من باب الشماتة، العمليات الإرهابية الدموية كالتي وقعت مؤخرا في المغرب والجزائر، ومن قبلها في تونس ومصر واليمن والأردن وسوريا والسعودية وغيرها، تلك العمليات التي لم تحصد سوى أرواح المواطنين؟

ولكي لا يستمر خلط الأمور أمامنا، نقول إن هناك أسباباً داخلية وأخرى خارجية لاندلاع التطرف والإرهاب، أما الأسباب الداخلية فتتلخص في الغلو والانحراف الفكري والقصور في فهم الدين، وكذلك في اليأس والإحباط لدى أجيال جديدة، نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والمتداخلة مع الاحتقان السياسي وغياب الحكم الصالح الرشيد ldquo;الديمقراطيrdquo;، لمصلحة الحكم المستبد الظالم، الذي يعتمد القهر السياسي بواسطة أجهزة الأمن، بدلاً من اعتماد التنمية الحقيقية وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، وفتح أفق المستقبل أمام الأجيال الصاعدة، لتنجو من الظلم الاجتماعي والسياسي.

ثم جاءت أسباب خارجية هاجمة وظالمة، لتبني فوق هذا الأساس الاجتماعي السياسي الفكري المتهاوي، ونعني الهجمة الاستعمارية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على بلاد وشعوب العرب والمسلمين، منذ الهجمات الانتحارية الدموية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول ،2001 الأمر الذي استفز الجميع.

* * *

والحقيقة التي ذكرناها من قبل أكثر من مرة، أن هجمات سبتمبر على دمويتها، لم تكن البداية للغزوة الاستعمارية المسلحة، بل كانت إشارة بدء الحملة المسلحة على شعوب، تعتقد عصابة المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني الأمريكي أنها مفرخة الإرهاب، وأن البيئة الدينية ldquo;الإسلاميةrdquo; الفكرية والاجتماعية المتدهورة، هي وحدها السبب الرئيسي للتطرف المسلح، الذي يدفع الإرهابيين للانتقام من الحضارة الغربية المزدهرة اقتصادياً وديمقراطياً.

هكذا أصبح ldquo;الخطر الإسلاميrdquo; بديلاً عن ldquo;الخطر الشيوعيrdquo; الذي انهار، فقد كان ضرورياً تنصيب عدو تحاربه تلك الحضارة، وتحقق من خلال غزوه وقهره، مكاسب سياسية واقتصادية وتجارية، فوق الزهو العسكري واستعراض عضلاته المسلحة، التي تنتفخ بفكرة، أو حتمية الصراع بين الغرب المسيحي اليهودي والعالم الإسلامي، لأسباب لا تخفى على أحد.

ونتيجة لهذه الأسباب الداخلية والخارجية المتداخلة المترابطة المتعاونة، جاء رد الفعل العربي الإسلامي، بين الشعوب، عنيفاً، ووجدت الأفكار المتطرفة الأرض الخصبة لتنمو فيها سريعاً، ووجدت المنظمات الإرهابية مخازن هائلة للتمرد والرفض بين الشباب خصوصاً، المتمرد على أحواله الاجتماعية الاقتصادية السياسية المتدهورة في ظل نظم حكم جائرة وقاسية، والرافض بالقوة نفسها للتدخل الأجنبي والغزو الاستعماري الجديد، الراغب في فرض قيمه وأفكاره وسياساته بالقوة المسلحة.

وبقدر ما وجدت القوى الاستعمارية الأجنبية مبررات لغزوها وحربها، باسم نشر الديمقراطية والإصلاح السياسي الاقتصادي وفرضهما فرضاً على هذه الشعوب المتخلفة، وجد البعض من هذه الشعوب، في التطرف والإرهاب والقتل والتدمير، سلاحاً نافذاً للدفاع عن الإسلام في وجه الهجمة الأجنبية، وللدفاع عن حقوق الشعوب في وجه النظم المستبدة.

هكذا تمددت على سبيل المثال شبكة ldquo;القاعدةrdquo;، منطلقة من أفغانستان، لتصل إلى المغرب والجزائر، باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو تنظيم يقوم الآن على قاعدة مسلحة أخرى، كان اسمها الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وغيرها من المنظمات المتشددة..

ولعلنا نلاحظ أن تنظيم القاعدة العنقودي هذا، لم يكتف بضربته الشهيرة في أمريكا، ولكنه ضرب في قلب أوروبا، في لندن ثم في مدريد، تعبيراً عن يده الطولى، لكنه عاد وانكفأ على عملياته الدموية في بلاد العرب والمسلمين كما ذكرنا، بحجة أنه يريد تحرير ديار الإسلام من الاستعمار الغربي وعملائه الحاكمين.

والمعنى الذي نريد توضيحه، أن ثمة علاقة عضوية بين تنامي العمليات الإرهابية من ناحية، والظلم الاجتماعي والقهر السياسي، المسنود بدعم استعماري أجنبي من ناحية أخرى.

ولم نكن وحدنا في رصد هذه العلاقة السببية الوثيقة، بل إن هيئات بحثية أكاديمية وسياسية عدة في العالم الغربي، أوروبا وأمريكا، رصدت هذه العلاقة ونبهت إلى مخاطرها المتصاعدة، لكن للسياسة والسياسيين رأياً آخر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول تقرير بحثي مهم، صدر قبل أيام عن مؤسسة ldquo;أكسفورد للبحوثrdquo; البريطانية، ldquo;إن الحرب على الإرهاب، وخصوصاً الحرب ضد العراق، ساهمت بدرجة خطيرة في زيادة أخطار تعرض العالم الغربي لهجمات جديدة، كما أن دعم الإسلام السياسي يتزايد ldquo;في البلاد العربية والإسلاميةrdquo;، بسبب السياسات والإجراءات الحادة والعنيفة التي يتبعها الغرب، الأمر الذي رسخ النظرة المتزايدة للولايات المتحدة الأمريكية بأنها العدو الأول والخطر الأكبر على السلام العالمي، وكما نرى فإن التعامل الأمريكي الراهن مع الوضع العراقي، على أنه جزء من الحرب على الإرهاب، قد أفرخ إرهابا جديدا أشد شراسةrdquo;.

* * *

ورغم اتفاقنا مع المقولة الرئيسية الواردة في هذا التقرير، إلا أننا نعتقد أن الوضع العراقي أكثر تعقيدا مما ذكره، فقد خلق الغزو ثم الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي المهم في مارس/آذار 2003 وحتى الآن، ردة فعل قوية، جرت في اتجاهين، اتجاه يؤيد هذا الاحتلال تحقيقاً لمكاسب فئوية وطائفية، واتجاه مضاد خلق مقاومة وطنية ضد الغزو والاحتلال ومن جاء فوق دباباته ليحكم، وهنا دخلت منظمات إرهابية عدة على الخط، لتخلط الأوراق، ما بين مقاومة وطنية مشروعة، ومنظمات متطرفة لها أفكارها وأساليبها الإرهابية.

والوضع الفلسطيني له هو الآخر خصوصيته، حيث الصراع محتدم، ما بين قوات احتلال ldquo;إسرائيليةrdquo; مسلحة، ومقاومة وطنية تجد في استخدام السلاح ضد العدو، حقاً مشروعاً كفلته كل الشرائع والقوانين..

وفي ظل هذا الخلط الشائع، مع ازدواجية المعايير، أصبحت المقاومة الوطنية المشروعة إرهاباً في عرف دول الاحتلال وقوى الاستعمار، وأصبحت المقاومة المسلحة، بل والعمليات الانتحارية والهجمات الإرهابية سلاحاً في أيدي القوى المحلية المتمردة والرافضة، لمواجهة الاحتلال والاستعمار الأجنبي، جنباً إلى جنب لإطاحة النظم المحلية المستبدة.

على أن الخلط الأعمق والأخطر للمفاهيم، هو ذلك الذي حكم معادلة الإصلاح الديمقراطي وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان من ناحية، ومقاومة الإرهاب الذي يقتل المدنيين ويدمر أمن الشعوب من ناحية أخرى..

في طرف المعادلة الأول، تسعى شعوبنا لتحقيق الحلم الديمقراطي، بما في ذلك فك القبضة الاستبدادية لنظم الحكم، وفي الطرف الثاني تتمسك هذه النظم بقبضتها وتزيد من شدتها وقسوتها بحجة مكافحة الإرهاب، حتى لو أدى ذلك إلى مصادرة الحريات وانتهاك الحقوق جهاراً نهاراً.. وبالقانون.

بمناسبة القوانين، فإن حكوماتنا الرشيدة، لم تجد حجة لإصدار تشريعات تصادر الحريات العامة سوى النموذج الأمريكي في إصدار قانون الوطن ldquo;باتريوت آكتrdquo; الشهير، لإطلاق أيدي أجهزة الأمن في الرقابة والمتابعة والمصادرة لبعض حريات المواطنين، تسهيلاً للحرب ضد الإرهاب، ونسيت حكوماتنا الرشيدة، أن في أمريكا، التي نتشبه بها في هذا الصدد، قوانين محترمة ودستوراً مقدساً وقضاء عادلاً، يحمي منظومة حرية المواطنين وحقوقهم، على عكس ما نرى ونسمع..

والخلاصة نحن مع الحرية، وضد الإرهاب والاستبداد.