quot;قرياتquot; الموعودة مع الرقم quot;7quot;



تحقيق: عاصم رشوان

موعودة ldquo;قرياتrdquo; مع الرقم ldquo;سبعةrdquo;؟
ففي عام 1507 ميلادية اجتاحتها قوات القائد البرتغالي ldquo;البوكيركrdquo; الذي ذبح المئات من رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها.. لم يفرق بين أحد منهم، كما أمر بإحراق النخيل والبساتين.
وفي عام 1307 هجرية اجتاحت المياه القادمة من البحر ومن السماء تلك القرية الآمن أهلها فأتت على البشر والحجر والزرع والحرث، حتى ان كبار السن لا يزالون يذكرون -ويتذكرون- عن آبائهم وأجدادهم ما يسمونه باللهجة المحلية ldquo;جايحة السبعrdquo;.

وفي عام 2007 يتعرضون لعصف جانح من إعصار مداري مدمر أطلقوا عليه اسم ldquo;جونوrdquo; حتى يليق بواقع ldquo;العولمةrdquo; الجديد.
الإعصار الذي ضرب المناطق الساحلية العمانية كافة -وإن بدرجات متفاوتة- اختار ولاية ldquo;قرياتrdquo; لتكون الأكثر تدميراً وتضرراً، وهي الواقعة على مسافة 80 كيلومتراً إلى شرق من مركز العاصمة العمانية مسقط، وتعد الولاية الأبعد من بين ولاياتها الست، والتي يزيد تعداد سكانها على أربعين ألفاً. هناك.. كان المواطنون والمقيمون فيها على موعد مع كارثة من طراز 2007. وما بين وادي عدي وحاجر حطاط والمزرع وبيت الغرب وتونس في ولاية العامرات، ودغمر والحاحر وميناء الصيد البحري وrdquo;حيل الغافrdquo; في ولاية قريات.. ما بين هذه وتلك كانت جولة ldquo;الخليجrdquo; الميدانية ترصد وتستطلع وتحذر في أكثر المناطق العمانية تضرراً من الإعصار المداري ldquo;جونوrdquo;.. والتي هي في صدارة القائمة المتضمنة لمخاطر ما بعد الإعصار.
ماذا جرى في ولايتي قريات والعامرات؟ وكيف يعيش سكان المناطق الأكثر انتكاساً؟ وما هي تفاصيل القصص المأساوية لأهالي القرية -التي كانت هنا- واسمها ldquo;حيل الغافrdquo;؟ كيف يمضون ساعات النهار -رجالاً ونساء وأطفالاً- سابحين في مياه الوادي الذي بدأت تبعث بإنذاراتها من مخاطر صحية نرجو ألا تأتي؟ بينما ساعات الليل يقضونها فوق اسطح أو داخل منازل بعضها متساقط، والبعض الآخر آيل للسقوط.

كيف يستغل البعض من أصحاب الضمير الغائب تلك الكارثة في تحميل ldquo;تانكراتrdquo; المياه المكتوب عليها ldquo;صالحة للشربrdquo; بينما هم يعبئونها من مياه الوادي الملوثة؟ وإن كان من الأمانة ان نسجل لكافة الجهات الرسمية -تساندها الجهود الأهلية- دورها الوطني الرائع في عمليات الإغاثة والإنقاذ، فإنه من الواجب الاعتراف بأن حجم الكارثة التي لم تكن في الحسبان يفوق القدرة على استيعابها في أيام معدودات.
الواقع يؤشر الى الحاجة لعدة أشهر قبل أن تعود الأمور الى سيرتها الأولى.. والمطلوب هو التحلي بالصبر.
الرحلة الى هناك استغرقت عشر ساعات في سيارة من ذوات الدفع الرباعي راجعة لأحد الأصدقاء من المواطنين العمانيين الذين تكبد -مشكوراً- عناءها معي.
كانت في الأوقات -ما قبل الإعصار- تستغرق أقل من ساعة واحدة، لكن المعاناة تبددت مع رؤيتي وسماعي لمآسي الآخرين، وأيقنت أن المتضررين في المناطق الساحلية من مسقط -في القرم والغبرة والعذيبة والسيب- هم في الحقيقة نزلاء في فنادق ldquo;سبعة نجومrdquo; بالمقارنة مع معاناة أهالي قريات والعامرات. وتالياً.. التفاصيل كما هي ldquo;من دون رتوشrdquo;:

يوم الثلاثاء بعد صلاة العصر كنت أسمع الأخبار عن وجود فيضانات وإعصار وتحذيرات متكررة للمواطنين والمقيمين. وأسمع أيضاً أن البحر هائج عند المناطق الساحلية وأنه وصل الى المنازل في صور وغيرها من المناطق الساحلية في مسقط، لكنني عندما ذهبت الى هناك وجدت الحالة شبه طبيعية، وان ما سمعته كان مبالغاً فيه، والناس جاءت للفرجة. صحيح كان الموج قوياً، لكنه لم يكن بهذه القوة ldquo;المبالغ فيهاrdquo; التي يتحدثون عنها، ولذلك لم أكن مصدقاً واستغربت الإثارة وإزعاج الناس الى هذا الحد.

وعند منطقة ldquo;العقبةrdquo; أثناء عودتي من قريات الى العامرات هطلت الأمطار غزيرة جداً، وكان ذلك في بداية الليل، إلا أن ما جرى لاحقاً كان في ما بعد منتصف الليل.
قابلت بعض الناس في منطقة ldquo;تونسrdquo; ما بين ولايتي العامرات وقريات، قلت لهم ان الأوضاع بخير، وأنا قادم من قريات، ولا شيء غير طبيعي هناك.
عدت الى منزلي في العامرات، أديت صلاة المغرب، ثم توالت الأنباء وتابعنا الأحداث على التلفزيون العماني، ثم تتابعت الأحداث، فصدقنا أن الكارثة حقيقية، لكن قوة التدمير العالية لم تبدأ إلا بعد منتصف ليلة الأربعاء، لكن ما حدث في قريات لم يكن بفعل البحر، ولكنها جاءتهم من البر.. من الأمطار الغزيرة، التي أفاضت الأودية فأغرقت مساكنهم الكائنة في حضن هذه الأودية.
ولما مشيت على شاطئ السيب والعذيبة، كانت المفاجأة ان الأضرار البليغة هناك لم تأت من البحر ولكنها كانت بفعل الأمطار الغزيرة التي أدت الى فيضانات أغرقت المنازل، حيث لم يكن هناك مجال لتصريفها فقد رأيت على ضفتي الشاطئين أن ldquo;العرشانrdquo; كانت مكانها، لم يقتلعها البحر رغم ldquo;حالة المدrdquo; التي صاحبت الإعصار.
متطوعون
علي بن خميس الهاشمي من العامرات، يقول: كل متطوع دفع مبالغ معينة حسب استطاعته اشترينا بها مؤناً غذائية وقمنا بطبخ وجبات غداء وعشاء بشكل يومي منذ بداية الإعصار، لنأخذها الى النازحين من ولاية قريات التي هي الأكثر تضرراً، وعندما دخلت القوات المسلحة في عمليات الإغاثة، أصبحت مشكلة الغذاء ثانوية وبقيت مشكلة المياه، حيث نحاول تدبيرها من ولايات أخرى.
أنا أقوم بالعمل التطوعي بالمشاركة مع اخواني سعيد وخالد ومحمد وياسر، ولدى أسرتنا إمكانات مادية جيدة ومتوفرة، والحمد لله، ولسنا بحاجة لطلب معونة من رجال أعمال أو غيرهم. وقمنا بحجز معظم المواد الغذائية الموجودة في سوق ولاية ldquo;العامراتrdquo; بالإضافة الى ldquo;إسنادrdquo; من جانب بلدية مسقط والشرطة بما يعزز دورنا في عمليات الإغاثة.

حالة وضع

علي الهاشمي يروي قصة بقائه في أحد الأودية، هو وشقيقه، عالقين في أحد أعمدة الإنارة وفوق ldquo;شيويلrdquo; لمدة عشر ساعات. يقول علي: كان معنا ldquo;حالة ولادةrdquo; عاجلة في وقت ldquo;قوة الإعصارrdquo;، ولم يكن هناك إمكانية لنقلها الى المستشفى، فقام أخي سعيد باصطحابها في سيارة أحد الأصدقاء (فورويل) وتمكن من الوصول بها إلى مستشفى النهضة. ولم يبق هناك.. فقرر العودة.. وخلالها.. خلاص.. توقف محرك سيارته في الوادي.. اتصل بنا، أنا وأخي ياسر، وأبلغنا بأنه لا يدري ماذا يفعل. وانه معرض للخطر.
ذهبنا لانقاذه.. ولكن للأسف -قدر الله وما شاء فعل- ذهبنا معه، وأصبحنا ldquo;ثلاثتناrdquo; عالقين هناك.. بقينا داخل السيارة لبعض الوقت ثم خرجت بصعوبة وكانت على مقربة من عمود للانارة.. أمسكت بالعمود وتشبثت به.. وأمسك أخي بطرف السيارة. وقدرة الله سبحانه وتعالى شاءت ان تحمل مياه الوادي ldquo;بسيارتناrdquo; لتضعها الى جوار عمود الانارة.
بقينا ساعتين ونصف الساعة متشبثين بالعمود.. وبعدها والحمد لله وبجهود بلدية مسقط أدخلت الينا ldquo;شيويلrdquo; ونش يقوده أحد المواطنين، وقاموا بإنقاذنا.
جهود البلدية واضحة.. لا أحد يستطيع انكارها منذ بداية الاعصار وحتى هذه اللحظة.

المهجورة.. وجائحة السبع

وداخل أول مدرسة انشئت في العام التي تضررت أسوارها واقتحمت المياه فصولها الدراسية التي تحولت أرضيتها إلى أوحال من الطين؟!
بدأت هذه المدرسة، المسماة حالياً مدرسة سعيد بن ناصر الكندي، في أوائل السبعينات، حيث كانت مجموعة من ldquo;الخيامrdquo; ثم تحولت إلى بنايات اسمنتية -لاحقاً- مجهزة بأحدث التجهيزات ldquo;التعليمية والعمليةrdquo; بما في ذلك المختبرات وأجهزة الحاسوب.. لكن ldquo;السيد جونوrdquo; لم يشأ أن يدعها وشأنها.. فضربها في جدارها وأحالها إلى منطقة مهجورة خلت من تلاميذها الذين كانوا يتأهبون لتأدية اختبارات نهاية العام الدراسي؟!

الشيخ سعيد بركات الذي يتجاوز السبعين من العمر، يقول: حتى أنا تعلمت في هذه المدرسة -فصول محو الأمية- في خيامها كنت أجلس على الأرض أتلقى الدروس على أيدي أساتذة عرب لا أزال أذكر أسماءهم.
ومن أجلها، اشتريت سيارة ldquo;جيبrdquo; كبيرة -لاحقاً- لنقل التلاميذ منها وإليها.. ارتبطنا بهذه المدرسة كثيراً علمتنا وعلمت أبناءنا.. ولكن.. ldquo;قدر الله وما شاء فعلrdquo;.
الشيخ بركات يتحدث أيضا عن الأضرار التي لحقت بموسم ldquo;الرطبrdquo;. فما ان بدأت نخيل التمور تؤتي ثمارها حتى ضربتها الأمطار والرياح من كل صوب، فتحولت ldquo;بشائر الرطبrdquo; إلى ثمار ldquo;خايسةrdquo; لا تصلح إلا ldquo;لدرامات البلديةrdquo; أصبحت ldquo;متفحمةrdquo; لا تصلح للأكل.

وحسب معلوماتي -يقول الشيخ سعيد- ان كافة المناطق العمانية تأثرت ldquo;رطبهاrdquo; بالأمطار، ربما باستثناء منطقتي الداخلية والظاهرة.
الثمار الخضراء -التي لم تنضج بعد لم تتأثر بعد، لكن تلك التي نضجت أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمي بفعل المياه التي ضربتها.

ثمار ldquo;النفالrdquo; هي التي نضجت واستوت.. ثم خاست، أما ldquo;بونارنجةrdquo; فلا تزال خضراء، وأمامها من الزمن شهر واحد حتى تنضج ولا يزال الأمل في تلك الأخيرة قائماً ما لم تسقط أمطار أخرى.
على أرض هذه المدرسة -مدرسة سعيد الكندي- كانت هناك حياة أخرى.. أناس يعيشون يومهم ليومهم.. لا يفكرون فيما يأتي به الغد.. فذلك دائماً في علم الغيب.. وهنا كان أطفال يعيشون بأحلامهم الصغيرة التي لا تعرف ldquo;الأتاريrdquo; ولا ldquo;توم وجيريrdquo;. حينها في عام 1307 قبل حوالي 121 عاماً من الآن، ضرب المنطقة اعصار ldquo;لا يعرف أحد ان كان قوياً أو ضعيفاً.. وبأي معيار يمكن تحديد ذلك. وعلى هذه الأرض التي أقف فوقها الآن مع الشيخ سعيد بركات.. وبقيت على دمارها وخرابها إلى أن جاءت بدايات السبعينات من القرن الماضي لتدب فيها الحياة وتتحول إلى ساحة من ساحات العلم والتعليم.

نحن هنا في ldquo;الحاجرrdquo; التي تعج بالحياة العصرية -أو كانت- قبل إعصار 2007 المسمى ldquo;جونوrdquo; مع ملاحظة ان اعصار 1307 هجرية لم يجد أحداً يطلق عليه اسماً أو مسمى.
في هذه المدرسة تخرج أبنائي الخمسة -يقول الشيخ بركات- ليلتحقوا بمدرسة جابر بن زايد الثانوية في ldquo;الوطيةrdquo; ومنها إلى الجامعات في السلطنة والدول العربية الأخرى. المدرسة الآن دخلها الوادي من الجهة الجنوبية ليخرج من الجهة الشمالية، ومن الجهة الغربية ليخرج من الجهة الشرقية.. ldquo;وقدر الله وماشاء فعلrdquo;.. والحمد لله على كل حال.
المزارع المنتشرة -في منطقة ldquo;الحاجرrdquo; أيضا- تفضل الاعصار بزيارتها زيارة ثقيلة ليقتلع نخيلها وأشجارها ويغرق ثمارها ويدمر محاصيلها ويقتل أغنامها والقليل من الناس لم يجدوا ملجأ آمناً غير الجبل يفرون إليه.. لكنه لم يعصمهم من الماء.

ولاية العامرات -حالياً- ليس بها مياه صالحة للشرب.. ولا كهرباء ولا اتصالات.. والمواطنون يعانون كثيراً.. لكننا نأمل خيراً بالاصلاح في أسرع وقت ممكن.. وأعان الله الجميع.
لحظة حدوث الاعصار، كنا في البيت -يقول الشيخ سعيد- نسمع نداءات الشرطة في الاذاعة والتلفزيون الموجهة إلى المواطنين بالخروج من المناطق المنخفضة إلى مناطق مرتفعة.. ومنهم من اتجه إلى المدارس ومنهم إلى ldquo;حيا الله مكانrdquo;.
ونحمد الله أن منازلنا لم يدخلها الوادي، ولم تشهد أضراراً.. وانما جميعها أضرار في الكهرباء والمياه والطرق والاتصالات.
الاعصار حاصرنا داخل البيوت.. لم نتمكن من الخروج في حينها.. رياح عاصفة وأمطار غزيرة.. اقتلع الأشجار والنخيل.. ولكن سلامة الأرواح هي الأهم.

ldquo;فرجةrdquo; على المتضررين

خليفة بن خلفان -يعمل في احدى مؤسسات القطاع الخاص- يقول: لحظة الاعصار كنت في منطقة ldquo;الغبرةrdquo; الساحلية، وفي اليوم الثالث عدت إلى ولاية العامرات من دون سيارتي التي ldquo;شلها الواديrdquo; كان الطريق سيئاً جداً.
المسافة ما بين وادي عدي -بداية الطريق إلى العامرات من ولاية مطرح- إلى ldquo;الشركة الهندسيةrdquo; بعد كيلومترين فقط من البداية، استغرقت ساعتين كاملتين.. ولكنني ترددت فمتى سأصل إلى العامرات بينما مسافة كيلومترين فقط استغرقت ساعتين؟ اضطررت للرجوع مرة أخرى في ساعة كاملة؟
المسافة التي كنت أقطعها في دقيقتين أخذتها في ثلاث ساعات.

رجعت في اليوم الثالث للاعصار حاملاً بعض المعونات -حسب ما تيسر- لكن ما آلمني أن بعض المواطنين كانوا يأتون إلى هذا الطريق من قبيل الفرجة ldquo;جايين سياحةrdquo;.. رأينا سيارات ldquo;فورويلrdquo; جاء أصحابها للفرجة.. لا نعرفهم فقط جاءوا من دون أن يحملوا معهم اعانات للمتضررين.
وكنا نتمنى -في حينها- أن يقتصر استخدام هذا الطريق على ldquo;الخدمات فقطrdquo; وألا يسمح لأمثال هؤلاء باستخدامه أو المرور اليه منذ البداية.
كانت النتيجة اننا جئنا بالمعونات.. ولم نتمكن من الجسور إلا في اليوم الثالث. بعض السيارات ldquo;احترقتrdquo; في الطريق إلى العامرات بفعل الازدحام وبطء الحركة.
جهود الاغاثة التي رأينا، كانت أغلبها من جانب المواطنين.. جهود ذاتية.. وهذا ما رأيناه؟

المياه أخذت كل شيء

محمد بن علي بن هيدب الوهيبي (تاجر) جاء من هذا ldquo;الواديrdquo; فجأة مياهه الغزيرة ldquo;اقتحمتrdquo; علينا المنازل والدكاكين فأخذت معها كل شيء.
50 جونية عيش (أرز)، و50 كرتونة سكر، وأكياس الطحين جميعها ذهبت وسط المياه العاتية، المواد الغذائية كلها ldquo;غابت عليناrdquo;.
لو أننا نعلم لكنا أخذنا احتياطياتنا، ولكن هذا ما جاء به رب العالمين، ldquo;ماله وشلهrdquo;.. وليس لنا في الأمر من شيء، ونسأل الله التعويض.. كل ما كان عندي في المخازن ضاع.. وفي البيت ضاع، كل شيء راح، ولم يبق إلا الله والعمل الصالح، والحمدلله رب العالمين!

ساعات الاعصار أمضيناها فوق سطح المنزل الذي أغرقته المياه الجارفة، ولم ينقذنا إلا ldquo;شيويلrdquo;.. الأطفال يبكون ليلاً ونهاراً.. إيش نسوي؟!
في هذه المنطقة الصغيرة فقط، ldquo;طاحتrdquo; 25 من أعمدة الكهرباء.. ldquo;شوف كله متقلب قدامكrdquo;.. ما فيش كهرباء.. هين الكهرباء، ولا شهرين تجينا الكهرباrdquo;.
والله يساعدنا إن شاء الله.. والحكومة جزاها الله لكن الدنيا كلها متضررة تساعد من وتخلي من؟!
الوهيبي يصف قوة الرياح الدائرية للإعصار بأنها كانت تلف النخيل لفاً لتقتلعها وتطبح بها في الهواء، وحتى الأغنام كان ldquo;يشلهاrdquo; حتى مستوى سطح النخيل، ويعاود إسقاطها إلى الأرض!

قرية كانت هنا

ldquo;حيل الغافrdquo; هذا اسمها.. كانت بساكنيها مشهورة بأشجار المانجو العمانية ذات الطعم المميز، وكانت نخيلها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وكانت قرية آمن أهلها.
الآن.. بيوت مهدمة.. سكانها في العراء.. بساتينها اعجاز نخل خاوية؟ فماذا جرى؟ وماذا يجري وإلى أين من هنا؟
زاهر موظف قطاع خاص يقول أنا كنت في ldquo;إبراءrdquo; بمنطقة شمال الشرقية ولم أتمكن من العودة لأن الشارع كان ldquo;ملتعوزrdquo; استغرقت الرحلة يوماً كاملاً، بينما كنت أقطع هذه المسافة ما بين إبراء وقريات -في الظروف العادية- في فترة ثلاث ساعات فقط.

حين وصلت إلى ldquo;قرياتrdquo; لم أتخيل بأن حجم المأساة قد يصل إلى هذا الحد، وذلك على الرغم من التحذيرات المسبقة، ليس لدينا كهرباء.. وبيتنا شبه مدمر، جميعنا نعيش في العراء حالياً.
صحيح هناك جهود حكومية لتوفير ldquo;المخيماتrdquo; الايوائية والمواد الغذائية أيضاً.. ولكننا لا نستطيع شرب المياه الساخنة في هذه الاجواء.. ما حدث كارثة كبيرة لم نكن نتوقع جسامة أضرارها.. لدينا بيوت انهارت بكاملها.. ونحمد الله على عدم وجود أضرار بشرية.. لكن الأضرار المادية شديدة لأن هذه البيوت كانت تقع في مجرى الوادي فاقتحمتها السيول.
الآن.. تأتينا بعض ldquo;كراتينrdquo; المياه من جانب الحكومة.. لكنها غير كافية.. نريد غسل ملابسنا.. نريد نسبح.. نتوضأ للصلاة.
النساء أكثر معاناة

ناصر حمد سالم المنحي: نعاني نقصاً في كل شيء.. هذه الخيام التي تراها أمامك لا تكفي لاعاشتنا.. وهي تلك المقامة على ضفة الوادي.. نحن نعيش -رجالاً ونساء- من دون ldquo;دورات مياهrdquo; .. نحن -كرجال- لا يهمنا ldquo;نخش في أي مكانrdquo; لكن المهم النساء.. أين يذهبن؟!

أحضروا لنا مواد غذائية -وجزاهم الله خيراً- لكن هذه المواد ldquo;غير مطبوخةrdquo; وليس لدينا باخات ولا غازrdquo; ولا شي ولا حاجةrdquo;، المياه الساخنة وrdquo;كأنها جهنمrdquo; نرجو مساعدتنا بمياه باردة نسبياً حتى نتمكن من شربها، أما التحذيرات بعدم استخدام المياه من الوادي ldquo;لأنها ملوثةrdquo; فهذا نعرفه ولكن ماذا نفعل؟ مياه الوادي باردة يمكننا احتمالها، ولكن المياه التي تقترب من الغليان لا يمكننا احتمالها في حلوقنا.

نعاني أيضاً عدم وجود زيارات لأطباء أو حتى ممرضين وممرضات، لا أحد يسأل عنا في هذا الجانب، إلا أن تذهب ldquo;بروحكrdquo; إلى المستشفى وحتى هذا لم يعد ممكناً في ظل انقطاع الحركة على الطرق المدمرة أصلاً.. فأين نذهب؟ وماذا نفعل إذا حدث مكروه.
جاءوا لنا بأكل غير مطبوخ ldquo;مو نسوي فيهrdquo;.. وليس لدينا أية أدوات للطبخ أو غاز أو كهرباء.. لا شيء بالمرة.
ديوان البلاط السلطاني أرسل إلينا وجبات غذائية جاهزة -جزاهم الله خيراً- لمدة يوم واحد، وبعدها يأتي ldquo;العيش والطحين وغيرهماrdquo; من دون طبخ.

اسمعني.. حبيبي

ويتدخل في الحديث شخص آخر ldquo;منفعلاًrdquo;، اسمعني.. حبيبي.. أنا أقولك الصراحة.. إحنا ما عندنا شيء أبداً.. لا تناكر ولا درامات يصبون فيها المياه.. ولا اسعافات بكميات من الثلج.. لا نستطيع شرب المياه الساخنة.. ومياه الوادي ليست آمنة.. فهي ملوثة لا تعرف ما إذا كانت حاملة لبقايا جثث آدمية أو حيوانية أو غيرها. هذه المساعدات الاغاثية غير المطبوخة ldquo;مو نسوي فيها.. خليناها في كياسهاrdquo;.
انظر إلى مياه هذا الوادي -التي بدأت تتحول إلى اللون الأخضر مع فقاعات ورائحة كريهة- هل يمكن الانسان أن يشرب من هذه المياه؟
أنت تقول ldquo;طبعاً لاrdquo; ولكن أنا ldquo;أقول لكrdquo;.. نعم بيضطر أن يشرب، لأن ما يأتون به إلينا مياه حارة ldquo;حرارة جهنمrdquo; فكيف نشربها؟ وهؤلاء الأطفال.. كيف يشربونها؟ هذا الطفل محتاج لحليب أين هو؟ الحليب يأتي من أنواع ldquo;المدهشrdquo; وrdquo;أينسrdquo; لكن هذه النوعيات لا يشعر بها الأطفال.. الكبار يشربونها بالغصب عنهم فكيف بالأطفال. مرة أخرى.
خالد بن سالم الفارسي: كان التركيز قبل الاعصار في التصريحات الرسمية والتحذيرات على البحر والأماكن القريبة منه أو المنخفضة ولكن هذه التحذيرات لم تشمل -بالقدر الكافي- المناطق الجبلية المعرضة لدخول الأودية والمواطن العادي لا يتوقع ان تصل الأدوية.

وكذلك توقفنا في جبل الغاف، الى هذا الحجم حتى أن منسوب المياه اقترب من سبعة امتار وكذلك لم نكن مستعدين لمثل هذا.
حسب ما سمعنا يقول خالد ان السكان تلقوا تحذيرات بالخروج من مساكنهم في الثانية من صباح يوم الاربعاء بعد منتصف ليلة الثلاثاء ولكن أين يذهبون في ذلك الوقت؟ بينما في المناطق الساحلية كانوا يقومون بعمليات ldquo;إجلاء وإخلاءrdquo; للسكان قبلها بيومين الى المدارس والمواقع الأخرى التي خصصت للايواء بينما جاءوا لنا في هذه القرية يطلبون إلينا الخروج بعد منتصف الليل.. كيف وأين يذهبون.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى، ان معظم ساعات الاعصار كانت في فترة النهار ولو انها كانت مسائية او ليلاً لرأينا اوضاعا أسوأ بكثير!
سمعنا ان بعض الدول عرضت المساعدات ليش منعوها يا أخي؟ لماذا لا يستعينون ببعض الطائرات للانقاذ على الأقل في الأيام الأولى من الاعصار فلم نشهد خلال الأيام الثلاثة الأولى طائرة في الجو وبدأت في اليوم الثالث تحوم حولنا ldquo;يصوروا ويروحواrdquo; أين المساعدات.. أين المياه؟

نحمد الله ان المحسنين من الأهالي يحاولون تغطية احتياجاتنا الأساسية قدر استطاعتهم جزاهم الله خيراً.
وأثناء الحديث مع الفارسي دخلت احدى سيارات التانكرز التي يفترض ان تقوم بنقل المياه الصالحة للشرب الى المناطق المحتاجة وبدأت تسحب من مياه الوادي التي هي ملوثة بالتأكيد لتملأ خزانها المكتوب عليه مياه صالحة للشرب وقد التقطتها كاميرا ldquo;الخليجrdquo;.
الأهالي هنا في حيل الغاف يمضون نهارهم سابحين في مياه الوادي فماذا عن ldquo;الفترة المسائيةrdquo;؟

بعضهم يمضونها فوق اسطح المنازل الأيلة للسقوط والبعض الآخر داخلها قدر المستطاع رغم الأوحال والبعوض الذي ينهش الجلود!
وفي مستشفى قريات زواره الذين يحجزون أماكن لهم في التاسعة صباحا يمكنهم رؤية الطبيب وفي الثانية عشرة ظهرا والمطالب تتزايد هنا بضرورة تشكيل فرق طبية متنقلة طارئة.
هناك بعض السيارات متوقفة وسليمة لكنها عاجزة عن الحركة فقد نفد وقودها، الأمر الذي يستدعي السير على الاقدام لمسافات طويلة قد تصل الى عشرة كيلومترات للحصول على الوقود من ldquo;بعضrdquo; المحطات النادرة التي يتوفر بها في ولاية قريات؟

يقولون هنا ان من يأتي اليهم لا يكلف نفسه عناء النزول من سيارته المكيفة وانما يستمع الى مطالبنا من داخل السيارة ويعدنا خيراً ثم يذهب ولا نرى خيراً ولا بركة.
وبعض الذين تهدمت منازلهم يقولون انهم يريدون كهرباء ولا مياه قبل اعادة بناء البيوت وتعويضها بكرفانات مؤقتة فلا يمكن الاستمرار هكذا الرجال مع النساء مع الاطفال جميعهم في مكان واحد.
بيوتنا منهارة لن نستفيد من الكهرباء ولا من المياه نطالب بكرفانات عاجلة للايواء الذين يأتوننا ldquo;بعد سلام عليكم ويروحونrdquo; على الأقل يخلصوننا من تلك الروائح الخايسة في المنطقة؟ كان بعض المواطنين خارج ولاية قريات يتصلون بالاذاعة والتلفزيون يسألون عن اخبار الولاية، فتأتي الإجابة بأنه لا تتوافر اخبار عنها وانهم لا يعرفون عنها.
أحد المواطنين يتساءل بغضب ليش ما يعرفون عنها.
أول يوم في الإعصار كنت في مسقط واسمع في التلفزيون انه تم انقاذ المواطنين في ولاية قريات وان جميعهم بخير وعافية ولكن حيث وصل البلاد وجدت الناس تبكي لا يجدون مكانا يؤويهم البعوض اكلنا نريد مستشفى متنقل يا جماعة هذه حالة صعبة.

خطر.. خطر.. خطر

روى احد الاطباء الذي يرفض ذكر اسمه عن المخاطر الصحية التي يمكن ان تترتب عن المياه الآسنة في الأودية مع وجود بقايا حيوانات نافقة ومتحللة بها خاصة اذا كان الإنسان مستخدما لهذه المياه سواء بالشرب او السباحة.
يقول الطبيب نتيجة ذلك يمكن ان تؤدي الى الاصابة بمجموعة متنوعة من امراض التسمم الغذائي كما ان تلوث المياه بمثل هذه البيئة مع الارتفاع في درجة الكهرباء والتهوية الجيدة يمكن أن يؤدي الى ازمات صدرية وأمراض الجهاز التنفسي المتنوعة، كما أن ذلك يؤدي الى ما يعرف بحساسية الحشرات والملاريا والطفح والالتهابات الجلدية بأنواعها.
والأخطر من ذلك كله تفشي التيفوئيد والكوليرا علما بأن جميع هذه الأمراض معدية.