عمر نجيب
تعاقب علي زيارة العاصمة الأفغانية كابل خلال الأيام الأخيرة من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2007، ولساعات قليلة، كل من رئيس الوزراء البريطاني غولدن براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الاسترالي الجديد كيفن رود ونظيره الإيطالي رومانو برودي، وكان قد سبق كل هؤلاء وزير الدفاع الأمريكي غيتس. كل هؤلاء تفقدوا وحدات جيوشهم المرابطة منذ سنوات في أفغانستان والتي تتعرض منذ بداية السنة لأعنف الهجمات منذ الغزو الأمريكي سنة 2001 من جانب حركة طالبان. كما أجري الزوار محادثات مع حميد كرزاي الرئيس الأفغاني الموالي للغرب وأكدوا بصورة أو اخري مساندتهم لحكومته وإصرارهم علي إعادة إعمار البلاد التي خربتها التدخلات الأجنبية المتوالية.
عدد كبير من المحللين أشاروا الي ان هذه الزيارات المتزامنة، والتي جري مثلها وإن كان علي نطاق أضيق في نفس الفترة تقريبا الي العراق، لا يمكن أن تكون غير مبرمجة، وانه من الواضح أنها جزء من اتــــــفاق مسبق في محـــــاولة لتـــبديد صورة تشكلت في أذهان جزء كبيرمن الرأي العام الغربي ورسمتها وسائل إعلام كثيرة ورسختها تقارير مراكز أبحاث عديدة، مفادها أن طالبان نجحت في كسر الطوق الذي ضرب عليها فيما يسمي بالحرب علي الإرهاب وأن حلفاء واشنطن بدوا مستسلمين للهزيمة من خلال التلويح بالانسحاب أو رفض مضاعفة عدد الجنود هناك.
هذه الصورة المتشائمة كان المتضرر الأول من تشكلها الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي تلقي الكثير من الصفعات المتتالية في أفغانستان والعراق. ولهذا جاء مسلسل الزيارات التي أراد بها الزعماء الغربيون التأكيد له أنهم باقون وأوفياء لتعهداتهم بالاستمرار في الحرب علي الإرهاب .
هناك كذلك إشارات عديدة وأحداث متتالية تظهر أن مأزق حلف الناتو يزداد عمقا، وأن الأمريكان وحلفاءهم يواجهون أوقاتا عصيبة. فالتطورات المتلاحقة والعمليات العسكرية المتسارعة في افغانستان تكشف عن تغييرات كبيرة في موازيين القوي علي الأرض، وإنهيار أي تأييد في صفوف القبائل الأفغانية لسلطات كابل وتزايد تأييدها لطالبان.
ودعوات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي المتكررة لحركة طالبان للدخول في مفاوضات مع حكومته، تشير بجلاء إلي خوف وقلق غربي من طالبان وقدراتها علي المبادرة والمباغتة. ومن الواضح أن كرزاي لا يستطيع أن يطلق دعوته لطالبان للتحاور والتفاوض من دون الموافقة الأمريكية ورضا الناتو، إن لم نقل إنه بتلك الدعوات إنما يستجيب للرغبات الأمريكية والغربية. وإذا كانت أمريكا وحلفاؤها يعلنون ويكررون أنهم لا يتحاورون مع الجماعات الإرهابية، فدعوتهم أو علي الأقل سكوتهم علي دعوة كرزاي هي بمثابة اعتراف ضمني بحركة طالبان كمقاومة وطنية. وقد ذهب رئيس وزراء بريطانيا خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الفائت الي الدعوة الي التفاوض مع طالبان وإشراكها في الحكم وإن كان قد اشترط تخليها عن العنف والمشاركة في المسلسل السياسي الحالي.
ويؤكد خبراء مختصون في الشأنين العراقي والأفغاني أن هذه الفورة من الزيارات والحماسة في التصريحات لن تستمرا طويلا ولن تصمدا أمام ارتفاع أعداد القتلي والخسائر المالية للتحالف خاصة أن ضغطا شعبيا داخليا في دول الغرب يكتسب زخما تلقائيا أكبر مع سقوط أي جندي في ساحة المعارك ويطالب بالانسحاب الفوري من العراق وأفغانستان.
مثل هذا الضغط سبق له أن أطاح بحلفاء بوش في إسبانيا خوسيه ماريا أثنار وفي بريطانيا توني بلير وفي استراليا جون هاوارد، وقائمة المهددين به قد تشـــــــمل أسماء وأحـــزاب أخري، فضلا عن هزيمة الحزب الجمهوري الذي يقوده الرئيس الأمريكي أمام الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس.
ويذهب الخبراء كذلك إلي القول إن مسلسل الزيارات الأخيرة يأتي في نطاق محاولة للتغطية علي الإستسلام للقدر في العراق من خلال الإجماع علي ضرورة الانسحاب والبحث عن صيغة ما لحفظ ماء الوجه مثل الإيهام بالاستقرار والتطور الذي يشهده الملف الأمني، وهذا ما جاء في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الذي عبر عن أمله في أن تبدأ قوات بلاده بالانسحاب قريبا، مؤكدا أن تحسن الوضع الأمني سيسمح بسحب خمس وحدات قتالية قبل منتصف سنة 2008.
وينتشر حاليا بالعراق نحو 160 ألف جندي أمريكي وتم إرسال نحو ثلاثين ألفا آخرين خلال عام 2007 في محاولة لتخفيض هجمات المقاومة إضافة الي 180 الف أخرين من المرتزقة المجندين ضمن شركات الأمن الخاصة.
وكان رئيس الوزراء الاسترالي الجديد كيفن راد الذي حل بالعراق قبل أفغانستان وفي زيارة وصفت كذلك بالمفاجئة، قد قال أن الشراكة بين بلاده والعراق ستكون طويلة ، لكنه أكد أن القوات الاسترالية المنتشرة في هذا البلد ستعود الي بلادها بحلول حزيران (يونيو) المقبل، وقبله كان رئيس وزراء بريطانيا قد شرع في سحب ما تبقي من جنود الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس من بلاد الرافدين.
تصريحات غيتس وراد وغيرهما جزء من محاولات هروب من العراق تسعي واشنطن أن تجد لها مخرجا سياسيا تمويهيا بالرهان علي أطراف عراقية وإقليمية بعد أن يئست من الحصول علي نصر في مواجهة المقاومة، وبعد أن أنفقت أكثر من 800 مليار دولار علي الحرب وخسرت رسميا ما يناهز 4000 جندي وأكثر من 36 الف جريح.
غير أن إدارة الرئيس بوش ورغم هذا الإدراك بالإنكسار لم تتخل عن هدفين أساسيين هما إحتفاظ القوات الأمريكية بقواعد عسكرية علي التراب العراقي لمدة طويلة ثم التصديق علي اتفاقيات النفط بعيدة المدي مما يتيح لها التحكم في أهم مخزون نفطي في العالم قد يفوق احتياطيه 200 مليار برميل.
ان العد العكسي لهزيمة التحالف الغربي في أفغانستان والعراق قد يصبح أسرع من المتوقع!
التعليقات