حسن مدن
حين انتهى جورج أورويل من كتابة روايته الشهيرة: ldquo;1984rdquo;، وأعاد قراءتها شعر بالحزن والإحباط، لا بل واليأس، وقال فيها قولته الشهيرة: ldquo;فكرة جيدة، لكنني أفسدتهاrdquo;.
في الغالب فإن جورج أورويل ليس الكاتب الوحيد الذي تؤرقه فكرة كتاب، وتظل ملازمة له طوال سنوات، وحين ينتهي من الكتابة يكتشف أن الفكرة التي كانت في ذهنه أعمق وأجمل من تلك التي نفذها على الورق.
سيرى بعض النقاد في انطباع جورج اورويل عن روايته بعض الوجاهة، لكن الرواية رغم ذلك حققت نجاحا منقطع النظير، شهد الكاتب نفسه بعض هذا النجاح، وظل النقاد والدارسون يعودون إليها، فيرون فيها ما كان كاتبها قد أراد قوله من نقد للدولة الاستبدادية.
سيصك هؤلاء الدارسون مصطلح ldquo;العالم الاوروليrdquo; نسبة إلى جورج اورويل نفسه، وهم يتحدثون عما تفعله الدولة الاستبدادية الحديثة من هيمنة على أذهان وأرواح البشر.
والتفريق واجب بين صورة الدولة الاستبدادية التي نعرفها في الشرق، التي حملت كارل ماركس للتحدث في احد نصوصه الشهيرة عن ldquo;الاستبداد الشرقيrdquo;، وبين الدولة الاستبدادية المعاصرة في الغرب التي ربما لا تحتاج لأقبية التعذيب وقوانين الطوارئ.
فهذه الدولة الأخيرة تحكم الخناق على المجتمع كله من خلال أدوات ldquo;مخمليةrdquo;، يلعب الإعلام وأجهزة الاتصال الحديثة دورا مهولا في تكييف الرأي العام كله وفق النموذج الذي تشتهيه الطبقة المسيطرة التي تحكم الخناق على أجهزة الدولة وتوظفها لخدمة مصالحها.
لن يهم هذه الطبقة المسيطرة بعد ذلك أن يكون الحزب الحاكم جمهوريا أو ديمقراطيا، ديمقراطيا مسيحيا أو ديمقراطيا اشتراكيا. التسمية هنا غير ذات معنى أو أهمية، طالما كانت المفاصل الرئيسية للاقتصاد وrdquo;مواقع الهيمنةrdquo;، كما يدعوها غرامشي، تحت القبضة المحكمة.
ثمة أمران ينطويان على بعض المفارقة، الأول هو أن جورج اورويل، الذي من اسمه جرى اشتقاق مصطلح العالم الاورولي، ليس هو الاسم الحقيقي للكاتب، وإنما هو الاسم الذي اختاره ليوقع به رواياته، أما اسمه الأصلي فهو ايريك بلير.
والأمر الآخر هو أن عنوان الرواية موضوع الحديث: ldquo;1984rdquo; كان تنويعا ذكيا على السنة التي كتب ونشر فيها روايته، وهي سنة ،1948 حيث أراد تخيل ما ستفعله الدولة في الفرد بعد نحو أربعين عاما، فأعطانا الرواية التي أحزنته، لكنها ما انفكت تحملنا على العودة إليها مرارا.
التعليقات