خيرالله خيرالله

يا تكن الرواية الرسمية الإيرانية في شأن الحادث، يبدو أن الهدف من التحرش الإيراني بالقطع الحربية الأميركية في مضيق هرمز جاء لتذكير الرئيس بوش الابن، عشية جولته الحالية في الشرق الأوسط، بأن هناك قوة عظمى اقليمية لا يمكن تجاهلها بأي شكل. هذه القوة اسمها ايران، التي تمتلك مشروعا خاصا بها ومصالح تعتبرها حيوية، أقلّه بالنسبة اليها.

نفوذ ايران يمتد من أفغانستان إلى ما هو أبعد، ثم إلى موريتانيا في أفريقيا، وما تحت موريتانيا حيث جاليات لبنانية شيعية، مرورا بالعراق وسورية ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج الغنية بالنفط والغاز طبعا. الرسالة الإيرانية واضحة كل الوضوح وتتمثل في أن جولة الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط، التي بدأت الأربعاء الماضي بإسرائيل والأراضي الفلسطينية، آيلة إلى الفشل ما دام يتجاهل القوة الإقليمية الصاعدة. هذه القوة التي تمتلك ميليشيات خاصة بها أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين..إضافة بالطبع إلى القدرة على اختراق quot;القاعدةquot; واستخدامها لأغراض تصب في خدمة مشروعها الإقليمي. هذه القوة، هي التي يتوجب على الإدارة الأميركية التفاوض معها في شأن مستقبل الشرق الأوسط. من دونها لا استقرار في المنطقة. من دونها لن يتمكن بلد مثل لبنان حتى من انتخاب رئيس له!

كذلك، يبدو أن النظام السوري ليس قادرا على الوقوف مكتوف اليدين عندما يتحرك الرئيس الأميركي باتجاه الشرق الأوسط. عليه إيصال رسالة فحواها أنه قادر بدوره على زعزعة الاستقرار وأنه ليس تحت سيطرة النظام الإيراني كليا. يريد القول إن لديه هامشا للمناورة، حتى في لبنان، حيث يعتمد نفوذه على quot;حزب اللهquot; والآلة الأمنية والعسكرية لهذه الميليشيا.

ما يريد النظام السوري قوله للأميركيين إن لبنان رهينة لديه وأن لا استقرار فيه إذا لم تدخل دمشق في مفاوضات مباشرة مع دمشق تؤمن للأخيرة استعادة الوصاية على لبنان واللبنانيين. ولذلك، ليس صدفة أن تأتي الإطلالة الجديدة لشاكر العبسي، رئيس العصابة الارهابية التي اعتدت على الجيش اللبناني في هذا التوقيت بالذات. وليس صدفة أن يكون هناك إطلاق لصاروخي quot;كاتيوشاquot; من مكان ما في جنوب لبنان باتجاه اسرائيل، على أن يلي الحادث الغامض بساعات قليلة حادث آخر يساعد في فهم لغز الصاروخين وحلّه. لا حاجة إلى مُنجِّم مغربي لمعرفة ما المقصود من الاعتداء على عناصر في القوة الدولية المعززة في جنوب لبنان عند مدخل مدينة صيدا. الهدف إبلاغ الأميركيين والأوروبيين والمجتمع الدولي أن القرار الرقم1701 الصادر عن مجلس الأمن في آبndash; أغسطس من العام2006، لا يعني شيئا ما دام النظام السوري لا يمسك بالأمن في لبنان.

لم يقتصر عرض العضلات السوري على لبنان، بل زاد فجأة عدد الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية تأكيدا لمقولة إن quot;غزة تدار من دمشقquot;. إنها المقولة التي يفاخر بها، في مجالسهم الخاصة، المسؤولون السوريون الذين دعوا مجددا إلى عقد مؤتمر للفصائل الفلسطينية في دمشق قريبا للبحث في الموقف من عملية السلام. يظهر، من خلال الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر، أن الرهان السوري على تحقيق مكاسب في مؤتمر أنابوليس الذي انعقد أواخر تشرين الثاني- نوفمبر الماضي، لم يكن في محله.

فلم يفاوض الأميركيون السوريين. كل ما كان لديهم قوله لهم إنهم يعرفون تماما ما الذي عليهم عمله كي يعاد فتح القنوات بين دمشق وواشنطن. إن لائحة المطالب الأميركية لا تزال هي نفسها وستبقى نفسها بعد رحيل جورج بوش الابن عن البيت الأبيض.انها تلك التي حملها وزير الخارجية كولن باول إلى الرئيس السوري في ربيع العام2003بعيد الاجتياح الأميركي للعراق.

ما نشهده حاليا سلسلة رسائل ايرانية وسورية توجه إلى الأميركيين عبر تذكيرهم بمن يتحكم بحرية الملاحة في مياه الخليج، في مضيق هرمز تحديدا، وإثارة اضطرابات في البحرين واليمن وتوتير الوضع في لبنان ومنعه من انتخاب رئيس جديد له وتوتير جبهة الجنوب وتهديد القوة الدولية فيه.

لا تقتصر الرسائل على لبنان والخليج، بل تشمل فلسطين فيما هناك نوع من التهدئة في العراق.هل يأمل النظامان الإيراني والسوري في ممارسة لعبة شد الحبال مع الولايات المتحدة عن طريق إفهامها أنهما قادران على ممارسة لعبة العصا والجزرة معها؟ أكثر من ذلك، هل يريدان افهام إدارة بوش الابن أن ثمة ثمنا لا بد من دفعه في مقابل التهدئة النسبية للوضع في العراق؟

من الواضح، أن واشنطن ليست في وضع القادر على التحرك باتجاه الرد بشكل جدي على الاستراتيجية التي يمارسها المحور الإيراني- السوري في وقت ليس معروفا ما الذي تريده إسرائيل. فالملفت أن الهم الوحيد للدولة العبرية هو المساهمة بدورها في كل ما من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة. هل صدفة أن كل ما فعلته هو العمل على اضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وضرب البنية التحتية للبنان؟

في النهاية، لا بدّ من أجل محاولة فهم السياسة الإسرائيلية في المنطقة طرح السؤال الآتي: ماذا يضر إسرائيل حين يكون quot;حزب اللهquot; واجهة الشعب اللبناني وحين تكون quot;حماسquot; واجهة الشعب الفلسطيني وحين تلعب إيران دور البعبع لدول الخليج العربية وتشجع في الوقت ذاته كل ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية في المنطقة؟ أو ليس التذرع بـquot;حماسquot; ومواقفها السلبية من العملية السلمية الطريق الأقصر لتفادي التعاطي الجدي مع الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس؟

لا يمكن للنظامين الإيراني والسوري تحقيق نجاحات على الصعيد الإقليمي في المدى البعيد.ولكن بانتظار انكشاف لعبتهما، ليكن الله في عون لبنان وفلسطين..هذا أقلّ ما يمكن قوله في هذه الظروف المعقدة التي يمر بها الشرق الأوسط!