عبدالله اسكندر
ومن هذه الضبابية تولدت الحساسية لدى دول ازاء اي كلام خارجي عن احوال حقوق الانسان فيها. إن لم تفتعل هذه الحساسية وتدفعها الى أقصى مداها من اجل تحريم مثل هذا الكلام. ليتوازى إستمرار القمع وتوسيعه بحجة السيادة الوطنية، مع اي حملة تضامن دولية مع اي شعب تتعرض حقوقه للانتهاك المستمر على يدي السلطة الحاكمة فيه.
التدخل الخارجي لحماية حقوق الانسان في بلد ما يعني بالضرورة إنتهاكاً لسيادة هذا البلد. وتواجه الامم المتحدة، والمجتمع الدولي عموماً، معضلة الخيار بين ترك شعب لمصير قاتم بعدم التدخل لتتهم لاحقاً بالتقاعس وعدم تلبية نداء إنساني وبين إنتهاك هذه السيادة. وربما التجربة الاولى لمثل هذا الخيار الصعب شهدته بلادنا عندما قررت الاسرة الدولية حماية اكراد العراق من بطش النظام، بعد تحرير الكويت. وتشهد بلادنا حاليا جدلا مماثلا مع المأساة المستمرة في دارفور ومدى التدخل الدولي لحماية المدنيين الذي يتعرضون للابادة الجماعية بفعل النزاع هناك. وبين التجربتين تدخل المجتمع الدولي، خصوصا في افريقيا وآسيا، من اجل حماية المدنيين في الحروب والنزاعات وايضاً من القمع الشديد للسلطات.
في موازاة ذلك، تفرض دول إجراءات إستثنائية لمواجهة معارضيها وخصومها الداخليين. لكن مثل هذه الاجراءات تصبح ضرورية في ظل توسع ظاهرة العنف السياسي والارهاب. وتشكل احيانا حماية ضرورية للسلم الاهلي. وتتغذى هذه الاجراءات وتزداد مع إتساع التهديد الارهابي. وهنا تكمن خطورة الانزلاق الى ممارسات ديكتاتورية، خصوصا عندما لا تتدعم إجراءات مواجهة الارهاب بضوابط قانونية.
وفي هذا الاطار، ليست هناك دولة فوق الشكوك، بما فيها الاكثر عراقة في ممارسة الديموقراطية والليبرالية. لكن الحساسية ازاء إنتقاد حقوق الانسان تزداد مع تثبيت الاجراءات الاستثنائية لتطاول دائرة المعارضة عموما، وفقدان الضمانات القانونية والشفافية والمراجع الموثوق بها في التقاضي لدى حصول انتهاك حقوق الانسان.
ولذلك، ليست المقارنة بين دولة وأخرى هي المعيار للحكم في هذا المجال، إن لم يكن اللجوء اليها هدفه تبريري، كما حصل في رد القاهرة على قرار من البرلمان الاوروبي يتناول حقوق الانسان في مصر. ومع إدراك الديبلوماسية المصرية ان هذا القرار ليست له اية تبعات قانونية ولا يعكس موقفا حكوميا من دول الاتحاد الاوروبي، وان موقعيه من الشلل الهامشية غير المعبرة عن المواقف الرسمية ومن اصحاب ارتباطات لا تكن ودا للعرب عموما، جعلت القاهرة من ردها هجوما عارما على اوروبا ودولها وممارساتها، بما يتجاوز الحساسية المفهومة الى توتر لا يبرره التمسك المشروع برفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية المصرية.
ويخشى ان يكون رد الفعل هذا إستغل قرار البرلمان الاوروبي، المعروفة محدوديته واهميته، ليدافع عن واقع لحقوق الانسان لا يبدو زاهرا. لا بل قد يكون يشكل عقب أخيل السلطة المصرية. إذ لم يعد مبررا ان تكون قوانين الطوارىء ومكافحة الارهاب هي المعتمدة في معالجة المعارضة السياسية وحركات الاحتجاج الاجتماعي والاقتصادي، ما دام القانون يكفل حق المواطن في المعارضة والاحتجاج.
التعليقات