اسم في الحدث

عدنان أبو زيد


في ثقافات الشعوب، هناك من ينْتَعِل الحذاء وهناك من quot;يقذفٌهquot; ، وبين الانْتَعَال وquot;القَذْفquot; اي الرمي فرْقُ...
والجامع بينهما خيط ، في أن الحذاء للركوب فحسب وليس للاِذالةُ،
ولم تربط العرب النعال بالاهانة، حتى وقت متأخر..
بل أن العرب تمدَح برقَّة النِّعال وتجعلها من لِباس المُلوك،

يقول كثيِّر:

له نَعَلٌ لا تَطَّبِي الكَلْب رِيحُها، وإِن وُضِعَتْ وَسْطَ المجَالس شُمَّت..

وفي حديث ابن عمر:

رأَيتُ النبي، يَلْبَسُ النِّعال السِبْتِيَّةً التي ليس عليها شعر، ويتوضأُ فيها، فأَنا أُحِبُّ أَن أَلْبَسَها؛ وهي نعال أَهل النعْمة والسَّعَةِ.

وليس بين العرب من ربط بين الاستخفافِ بالشيء والاستحقار بالنعال،

قال الشاعر:
يا لَيْتَ لِي نَعْلَيْنِ مِنْ جِلْدِ الضَّبُعْ

ومنه حديث أَبي هريرة، يصف جعفر بن أَبي طالب: خَيْرُ من احْتَذَى النِّعالَ.

ورجل حاذٍ: عليه حِذاءٌ.

لكن العرب اليوم سيّست الحذاء، ربما لولعها بالسياسة، وللتعبير عن شعورها بالمهانة مما حدث لها من تكالب الامم والشعوب عليها، فرمّزت المهانة بالحذاء لترميه على الاخرين، واذا كانت الامر سُوِّسّ لغرض ما، فلكل قنّاص رمية.

والعراقيون اذا ماتخاصموا، التفت الواحد منهم الى مايحمله ليضرب به، فان تعذّر لجأ الى العقال يضرب به، فان تعذّر انحنى الى نعليه ليقذف بهما خصمه، وهي عادة معروفة دأب عليها العوام وأَصحاب الجدال والشَّغَبِ في الأَسواق.

وللعراق تاريخ سياسي حافل بمفردة الحِذَاءُ وهو النعل، واسمها الشعبي quot; قندرة quot; أو quot;جزمةquot;.. وفي الخمسينيات رفع عراقيون شعار.. نوري سعيد quot;قندرةquot;.. وصالح جبر quot;القيطانquot;، و القيطان هو حبل الحذاء،

ونوري وجبر، سياسيان عراقيان..

وفي عهد صدام تبجح البعثيون أن الحفاة تنعّلوا على أيديهم في إشارة الى جوع العراقيين.. لكن عهدهم انتهى بحذاء من رجل اسمه quot;أبو تحسينquot;، وقف أمام شاشات التلفزيون يضرب وجه صدام بquot; القندرة quot; في 2003.

وكان للسياسي العراقي أياد علاوي نصيب من quot; قنادر quot; جماهير انتظرته وهو يزور مرقد الامام علي في النجف عام 2005

وفي عام 1999 كانت quot; القنادر quot; قاب قوسين أو أدنى من محمد باقر الحكيم حين أعتدى عليه جمْعٌ في مسجد بقم عندما حضر لتأبين محمد الصدر أبو مقتدى.

وانتقد صدّام ذات مرة وفد غربي زاره، مشيرا الى طريقتهم في الجلوس وأحذيتهم بوجه جليسهم، بعدها لم يتجرأ quot;غربيquot; على الجلوس أمام صدام الا وقدميه تحت كرسيه كأنِّ على رأسه الطير، وكان البروتوكول العراقي يقضي بارشاد الزائر طريقة الجلوس أمام الزعيم.

بينما هدد رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني بالضرب ب( القنادر ) كل مايتعارض مع نصوص الإسلام .

وفي 14 - 12- 2008 وجّه الصحافي منتظر الزيدي فردتي حذائه بقوة نحو الرئيس الامريكي جورج بوش خلال مؤتمر صحافي له مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي..

وغير العراقيين من له قصة مع النعال... فالرئيس السوداني عمر البشير تحدث بلغة quot;القنادرquot; معلنا :

أميركا وبريطانيا وفرنسا تحت حذائي.

وفي 2006 اشار مهدي عاكف مرشد الإخوان إلى ضرب المعارضين للإخوان بالحذاء. وفي 2003، ضُرِب وزير الخارجية المصرى أحمد ماهر بالأحذية في ساحة المسجد الاقصى بعد زيارته إسرائيل.

وضُرٍب السنهوري باشا في دار القضاء بالجزمة في الخمسينيات.


وحين زار الأمير تشارلز الجامع الأزهر لم ينزع حذائه، وقتها احتجّ من احتج على دخول زائر بحذائه باحة الجامع.

والتاريخ يحكي... أنّ قبقابا خشبيا قتل السلطانة شجرة الدر في الحمام.

وهكذا برعت الشعوب في الترميز بالحذاء..
فخروتشوف دق بحذائه منصة الامم المتحدة عام 1960، وعندما غادر المنصة ترك حذاءه عليها.

وحين سُأل عام 1960عن الفرق بين مرشحي الرئاسة الأمريكية جون كينيدي، وريتشارد نيكسون اجاب.. متشابهان مثل فردتي حذاء.

ودوق ولنجتون فارس المعارك الذي هزم نابليون في واترلو كان أسكافيا وعاشقا للاحذية.

والزعيم الهندي غاندي قاوم الانكليز حافيا وأمر اتباعه بالتظاهر، عراةً حفاة ً.

وريتشارد ريد.. ولقبه مفجّر الحذاء حاول ادخال متفجرات بحذائه الى الطائرة.

والكسندر داونر التقى السفير الاندونيسي وقدماه فوق مكتبه مما اثار حنق السفير..

وسعيا وراء التقليد، قذف صحافي أوكراني سياسياَ اوكرانياَ هو أوليغ سوزكين بحذاء تعبيراً عن رفضه للتقارب بين كييف والناتو..

وبين هذه وتلك، شاء النعال أن يكون بليغاَ في التعبير في حادثة الغناء،

أو شاء من شاء ان يجعله تأريخا، وأبى من أبى أن يتجاوزه الى ماهو
أجدى وأبلغ..

أقرأ المزيد .. اسم في الحدث

[email protected]